د. سليم جوهر - فلسفة الحمق2 تبرئة الفساد (صراع الاخلاق والاجراء).. قراءة لواقع الفساد بمنهج (سلافو جيجك) "النظافة لا دين لها" علاء مشذوب/حمام اليهودي

في رواية (حمام اليهودي) للمرحوم الروائي علاء مشذوب يتناول سؤال فلسفة الاخلاق، التي تذهب الى ان الفعل الأخلاقي حسن بذاته لا بمتعلقاته، عبر تناوله لاشكالية النزاع حول "يجوز او لا يجوز" ليهودي ان يكون راعيا لنظافة اجساد المسلمين. فيحتدم الجدل مما يؤدي الى ان تواجه النظافة ذاتها اشكالية تتعلق بما حولها لا بها، فتنتكس النظافة، لاحظوا هنا العلاقة الرمزية "صراع" بين (النظافة) كمفهوم اخلاقي، و (يجوز او لا يجوز) كمفهوم اجرائي، فتخسر الاخلاق المعركة.
لقد شهدنا خلال الايام الماضية حوادث كثيرة بل مصائب وازمات، اشدها ايلاما (احتراق مرضى في مشفى)، ولكن ما يثير الاشمئزاز هو غياب القيم الاخلاقية في تناول هذا الامر. فتم الادعاء مثلاً بان الحريق مفتعل لغرض صرف الانظار عن حريق وزارة الصحة السابق. اعتراضي هنا لا يتعلق بدقة المعلومة، ولكن ان يتم تناول فاجعة الحرق بكونها حدثا ثانوياً لحدث اكثر اهمية (حرق اوراق)، فتكون سلامة الورقة، اكثر اهمية من سلامة الانسان.
هنا اقول قد نجد في ما ذهب اليه المرحوم علاء مشذوب في تسليط نقده عل العلاقة الجدلية بين (الاخلاق والاجراء) تفسيرا لازماتنا التي لا تنتهي.
فلو استعرنا ايضا مفاهيم (سلافو جيجك) استطيع ان اقول ان رمزية كورونا لدينا تتأتى من فرط واقعيتها التي لا تصدق، لتتحول الى مادة للتفكير بضرورة إيجاد حل، هذا التفكير هو الذي يجعلنا نختبر واقعيتها على انها "كيان افتراضي". وتلك هي المفارقة. ان تتحول الواقعية المفرطة في كل مناحي حياتنا (مثل نقص الادوية) في معالجة الوباء، الى رمزية تتمثل في ان انقاذ الحياة تتطلب ايجاد حل عاجل "بالتبرع", او ان يتم تحويل حريق مستشفى الى (افتراض) فاعل مشؤوم، سواء كان داعشيا، اسرائيليا، بريطانيا، او امريكياً، او نتيجة صراع حزبي، كل ذلك يجعل من (حياة انسان) امر لا قيمة اخلاقية له، مقابل اجراء كشف الفاعل المشؤوم.
ان تحول مظاهر الفساد الى "كيان افتراضي" تخرجه من كونه معضلة سوء الادارة في وزارة الصحة ودوائرها الى حل بالتبرع، او الاشارة الى فاعل "رمزي" فتنتقل المسؤولية من واجب الموسسة الصحية، الى واجب المجتمع، من التخطيط والتنمية المستدامة، الى التبرع من اجل الدواء ليتم التنازل عن دور الدولة في الضمان الصحي والاجتماعي بالاستعاضة عنها بالتكافل الاجتماعي. وقس ذلك على الكهرباء وكل مناحي حياتنا، فيقال لنا ان من يمنع تبليط شارع او بناء منظومة تصريف صحي، او اعمار مدينة منكوبة، او تقديم ماء صالح للشرب، هو بفعل فاعل مشؤؤم.
فأزمة الكهرباء المستدامة، تُقدم لنا لا بكونها مشكلة واقعية تحتاج حلا واقعيا، بل بكونها تحمل من الرمزية الشيء الكثير. رمزيتها تتأتى من فرط واقعيتها التي لا تصدق، لتتحول الى مادة للتفكير بضرورة إيجاد حل، هذا التفكير هو الذي يجعلنا نختبر واقعية انقطاع الكهرباء على انه "كيان افتراضي"، بفعل فاعل مشؤوم.
فنتعرض في الواقع الى ضغط غياب الكهرباء والحاح الحر المفرط في واقعيته، وبين افتراض ان الحل ممكن ولكن ليس بيدنا (الفاعل المشؤوم لا يريد). يساق هذا الامر (كصراع بين الواقع والافتراض) من قبل الكثير من المنعزلين ويحيون حياة مفعمة بالحرية في مساحة لا تمت للواقع بصلة، ولكن نتيجة الخبرة الكامنة لديهم، والتي يظهر فيها الواقع على شكل تحليل يكرس الذاتي لا الموضوعي، فيرفض التعرف على الفساد بنتيجته، ليقول لنا انها تعبير عن رمزية الشر الكامنة في الاخر.
لا يكتفي هذا المنعزل عن الواقع الذي نخبره من حولنا بمصائبه ونكباته واحزانه التي لا تنتهي، بل ويرغب ان يحررنا من وهمنا، ليقنعنا ان الفساد المفرط في واقعيته ما هو الا مظهر لشيء اكبر، لكننا لا نراه. ليقول لنا ان ما نراه كحقيقي (الفساد) هو الوهم الذي يقدم لنا على انه حقيقي.
فهو يدعونا لنصدق اننا نحيا في كون مصنوع بفعل فاعل بشع بهددنا طوال الوقت، ليعكس الجدل، في ان اي نقد للفساد هو تبرئة لفعل الفاعل المشؤوم. هي دعوة صريحة من قبل المنعزل لرفض التفسير الاجتماعي لفساد المفسدين، باعتباره تبريرا خفيا للفاعل المشؤوم.انها ثقافة تصرف النظر وتبرر لعدم تحمل مسؤولية الفساد من قبل المفسدين ذاتهم.
ان المشكلة الحقيقة تكمن في منظومة العمل ذاتها، وان نعزوا هذا الفساد الى فاعل خارجي، تبرئة لهذه المنظومة. فالصراع بين الفساد ونقضيه صراع داخلي محض، لذا علينا تغيير قواعد العمل الظاهرة لهذه المنظومة الداخلية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى