أ. د. عادل الأسطة - يحيى السنوار: 10/10

1- يحيى السنوار ١: فتح وحماس والإخوة الأعداء

من هم أبناء سارة ومن هم أبناء هاجر في الفصيلين المذكورين ؟
ربما يعود المرء وهو ينظر في أمر الفصيلين إلى بداية الخلق فيتساءل عن قابيل فيهما وعن هابيل !
اعتمادا على ما جرى في غزة ، في ١٤ حزيران الأسود من العام ٢٠٠٧ ، فإن حماس هي قابيل وفتح هي هابيل .
هل يجوز أن أنعت أحد الفصيلين بأن أبناءه ولدوا لسارة ؟
لا شك أن هذا افتراء !
ربما يتساءل أحدكم عن سبب الفذلكة السابقة !
أمس واصلت قراءة " الشوك والقرنفل " للكاتب يحيى السنوار " أبو إبراهيم " ، وتوقفت أمام ما كتبه عن الفصيلين في فترة الانتفاضة الأولى وموقفهما من تحديد يوم الإضراب الشامل ، فقد اختلفا وحدد كل فصيل يوما ، ومن عاصر تلك الأيام ، وكان شاهدا عليها ، سيدلي بدلوه .
إن حددت فتح يوم كذا يوم إضراب أعلنت حماس اليوم التالي أو العكس ، ووقع الجمهور في حيرة ، ومنذ تلك الأيام وفتح وحماس خطان متوازيان متعاكسان لا يتفقان ، ولهذا لا يلتقيان .
أطرف ما قرأته في العلاقة بينهما تمثل في افتعال المشاكل ، فحين جرت انتخابات مجلس الطلبة ، في الجامعة الإسلامية ، كاد الطرفان يقتتلان ، بحجة أن أنصار الحركة الإسلامية مزقوا صورة المرحوم ياسر عرفات وداسوا عليها ، وفي الرواية ينفي إبراهيم القائد الحمساوي هذا ، قائلا إنه فرية فتحاوية .
ليس الخلاف بين فتح وحماس هو الخلاف الوحيد ، فإبراهيم حين يعرف أن أخاه حسن صار عميلا وجاسوسا قرر تصفيته وأقسم على هذا وأبر بقسمه .
لم يخضع إبراهيم لرابطة الدم ، إذ آثر عليها الرابطة الوطنية والأخلاقية ، فأخوه عميل ومتساقط ويسقط الآخرين ، ولذا وجب التخلص منه ، فقد أصبح عار العائلة .
ل " الشوك والقرنفل " قيمة تاريخية اجتماعية ، أما قيمتها الأدبية فشبه منعدمة . لماذا إذن أواصل قراءتها ؟
أبو إبراهيم الآن صاحب قرار وهو من يشد الشمس من قرنها ، فحياة أهل قطاع غزة ، وربما حياة سكان المستوطنات المحيطة بالقطاع ، وربما حياة التل أبيبيين أيضا ، حياتهم متعلقة بالقرار الذي قد يتخذه في الأيام القادمة؟
هل في أبو إبراهيم شيء من شخصية أبطال كتابه ؟
اسألوا الحكومة ، والحكومة في الكتاب هي الأم " أم محمود " وزوجة عم إبراهيم الذي تربى في كنفها ، بعد أن استشهد أبوه في حرب حزيران ١٩٦٧ مقاوما الجيش الإسرائيلي .
استشهد الأب مقاوما وواصل ابنه إبراهيم حياة الكفاح والنضال وانضوى تحت لواء الحركة الإسلامية ، فيم غدا أخوه حسن عاملا في مصنع إسرائيلي وعشق ابنة صاحب المصنع ثم افترقا وعاد إلى غزة جاسوسا ؟
يقول المثل الشعبي الفلسطيني " وردة بتخلف شوكة " و .... كان الأب وردة خلفت وردة / إبراهيم وشوكة / حسن ، وكان الله في عون أهل فلسطين كلهم ؛ في الوطن وفي الشتات .
صباح الخير
خربشات
٥ تموز ٢٠٢١

****

- يحيى السنوار ٢: غسان كنفاني ويحيى السنوار :

كان أمس يوم حزن آخر يمر على الفلسطينيين ، وليس هذا بمستغرب ، فمن من قراء محمود درويش لا يتذكر ما كتبه عن الحزن الفلسطيني؟
إن لم يقرأ القراء ما كتبه درويش في ديوانه ، فمن المؤكد أنهم قرؤوه من مقالاتي وخربشاتي ، لكثرة استشهادي به .
" من أي عام جاء هذا الحزن؟
- من سنة فلسطينية لا تنتهي،
وتشابهت كل الشهور ، تشابه الموتى".
كان الخبر الباعث على الحزن قادما من غزة ، فقد خلف شادي نوفل الذي مات أو قتل أو ... ، خلف ثلاث طفلات صغيرات سيحرمن من حنان الأب ... إلخ .. إلخ ، ولنزار بنات أربعة أولاد منهم طفلة لم يتجاوز عمرها الشهرين . ( لماذا لا تكتفي السلطة أو حماس بسجن معارضيها ؟ لماذا القتل ؟ )
لم ننته بعد من مضاعفات قتل نزار بنات في الضفة الغربية حتى صرنا نقرأ عن مأساة جديدة في غزة لم تقتصر على شادي وحسب ، فثمة إطلاق نار على محام أيضا .
لا أمن ولا أمان ولا استقرار أيضا . هنا وفي غزة وهناك في المنافي وأيضا في فلسطين المحتلة في العام ١٩٤٨ ، وتعددت الأسباب والقتل بالرصاص واحد . رصاص مافيا ورصاص سياسي وجنازير وعتلات وتعذيب و ... وكان الله في عون الفلسطينيين .
وأنا أقرأ في رواية السيد يحيى السنوار تذكرت غسان كنفاني ، ويوم غد تمر الذكرى التاسعة والأربعون لاغتياله ، فقد فجر الموساد الإسرائيلي سيارته في حي الحازمية في بيروت في صبيحة الثامن من تموز من العام ١٩٧٢ عن عمر يناهز السادسة والثلاثين عاما .
أما لماذا تذكرت غسان وأنا أقرأ السيد السنوار ، فالسبب يعود إلى الكتابة عن العملاء وقتلهم .
أول أمس كتبت أن إبراهيم في رواية السنوار لم يتردد في قتل أخيه حسن ، لأن حسن تعامل مع الاحتلال . لقد أقسم إبراهيم أن يقتله وأبر بقسمه . ما علاقة هذا بغسان كنفاني ؟
في العام ١٩٥٧ كتب غسان قصة عنوانها " درب إلى خائن " أتى فيها على قصة لاجيء فلسطيني يعمل في الكويت وأراد التسلل إلى اللد ليقتل أخاه الذي وشى إلى اليهود بأبناء عمه .
كان محمود أراد أن يقتل أخاه وهو في اللد ، ولكنه لم يفعل من أجل أمه ، وعندما ماتت الأم وعرف ، وهو في المنفى ، بالخبر قرر أن يتسلل إلى هناك - أي إلى اللد - ليقتل أخاه الخائن .
لقد فرح محمود لخبر موت الأم أكثر مما حزن . هكذا قال ، فيجب أن يتخلص من عار الخيانة .
هل فعل محمود هذا ؟
عندما وصل من العراق إلى الحدود الأردنية أعادته الشرطة من حيث أتى ، والسبب أنه كان أيام " أبو حنيك " - أي كلوب باشا - مشاغبا ، ومن خلف ما مات . فقد ظل اسمه مدرجا في سجلات الحكومات .
" سأتسلل إلى الأردن أولا " .
محمود في قصة غسان مثل إبراهيم في رواية السنوار ، و " العرب الطيبون " - حسب عنوان كتاب ( هلل كوهين ) - موجودون باستمرار .
يقال إن السيد يحيى السنوار مصاب بهوس اسمه العملاء ، ولقد صرت مثله مصابا بالهوس ذاته ، فلم أعد أثق بكثيرين . لقد قتل إبراهيم بطل رواية " الشوك والقرنفل " أخاه حسن ، وصفى صديقه فايز . ببساطة إن أقرب المقربين لك قد يخونك ويكون جاسوسا عليك ، إن ليس للاحتلال فللسلطة الوطنية أو لحركة حماس أو لنظام الدولة المجاورة أو لأخيك أو ..
عالم مخابراتي بامتياز تفقس فيه " العثة بين الإنسان وثوب النوم وزوجته " والعبارة الأخيرة للشاعر مظفر النواب عافاه الله وشافاه ، فآخر صورة له أظهرته منهكا حتى أن أحد مشاهديها اعترض على إدراجها وطلب من مدرجها أن يدرج للشاعر صورة في عنفوان شبابه تناسب عنفوان شعره ، ووافقته الرأي .
أعتقد أن الكتابة عن رواية يحيى السنوار ضرورة لفهم الرجل ، فكيف لم ينتبه الدارسون إليها ؟
هل يعود السبب إلى أنهم لم يروا فيها رواية ذات قيمة فنية أم يعود إلى أنهم لم يقرؤوها أصلا ؟ وأرجح القسم الثاني من السؤال ، فأنا لم أعرف عنها إلا مؤخرا والفضل يعود إلى متابعتي صفحة الشاعر Zakaria Mohammed .
هل ستعيد هذه الكتابة حركة حماس إلى رشدها فتعيد النظر في قرار اتخذته بشطب اسم غسان كنفاني عن المدرسة التي حملت اسمه في غزة ؟
زبطها يا أبو إبراهيم وبادر !!
صباح الخير
خربشات
٧ تموز ٢٠٢١

****

- يحيى السنوار ٣: أبو إبراهيم السنوار والمرأة (الحكومة)

لا أعرف إن كان السيد يحيى السنوار يملك في حياته اليومية روح الدعابة ، فروايته تكاد تكون خلوا منها بالتمام ، وهذا قد يفسح المجال للتأويل .
أبو إبراهيم لاجيء فلسطيني ولد ، كما عرفت ، في مخيم خان يونس وعاش طفولته فقيرا معدما ، ولولا وضعه الحالي الذي يتطلب قدرا عاليا من الحيطة والحذر لاقترحت على أحد معارفي من غزة أن يجري معه مقابلة حول طفولته وشبابه وموقفه من المرأة ، وأيضا حول أبيه وأمه وأجداده ؛ ما كانوا عليه في فلسطين قبل الهجرة وما صاروا إليه في مخيمات اللاجئين في غزة ، كل ذلك من أجل أن نقرأ روايته في ضوء حياته ، اعتمادا على منهج ( ادموند ولسون ) ومقولة المنهج النفسي الشهيرة " لكي نتذوقه فنانا علينا أن نعرفه إنسانا " .
كم في ابراهيم الصالح بطل الرواية من أبو إبراهيم السنوار ؟ وكم انتقى أبو إبراهيم من شخصيات أخرى وأسقط ما انتقاه على شخصية إبراهيم .
لا دعابة في حياة إبراهيم الصالح ولا مزاح ولا وقت فراغ أصلا ، فوقته كله موزع على العمل والدراسة والجهاد . إن إبراهيم نموذج لكثيرين من أبناء المخيمات ممن لم يعرفوا الترف ، فكيف إذا فقد ، وهو طفل ، أباه وعمه وتزوجت أمه وتركته وأخاه يعيشان في كنف جده ورعاية زوجة عمه التي ربته وكانت له أما ؟!
يا لطفولة إبراهيم القاسية جدا ! هل كان لهذه الطفولة الدور الأكبر في جديته وعصاميته ونشأته الوطنية الإسلامية الصارمة؟
ليس ثمة في الرواية مواطن دعابة إلا موطن واحد تمثل في نعته زوجة عمه التي ربته بالحكومة .
ما موقف إبراهيم من المرأة؟
أمس حول إلي ابن خالتي Muneer Quqa شريط فيديو عن حليمة يعقوب رئيس دولة ( سنغافورة ) ، ويقول الشريط العجب عن إنجازاتها.
المرأة في رواية "الشوك والقرنفل" في نظر بطلها، وأعتقد جازما أيضا في نظر مؤلفها ، هي الأم والأخت والزوجة وطالبة العلم التي يجب ألا تختلط بالرجال . إن الرواية التي تحفل بنماذج ذكورية مقاومة ، وأحيانا عميلة ، تكاد تخلو من النموذج النسوي المقاوم ، والمقاومة تقتصر على الرجال .
الآن أبو إبراهيم في منصب قيادي ، وهو لا شك يسمع برئيسة سنغفافورة ، ولا أعرف ما هو رأيه في المرأة الآن أم أن لا وقت لديه ليفكر في موضوع كهذا ، فما يشغله هو تحرير القدس وفلسطين ، فقضايا المرأة وهمومها ودورها ومكانتها وسفرها وسهرها و ... و ... هي من اختصاص أبو إبراهيم الدكتور محمد اشتية رئيس الحكومة في السلطة الفلسطينية؟
صباح الخير
خربشات
٨ تموز ٢٠٢١ .


***

- يحيى السنوار ٤: كلية الشريعة في الجامعة الأردنية : عبد الله عزام ويحيى السنوار

وأنا أقرأ رواية السيد يحيى السنوار " الشوك والقرنفل " لفت نظري ما كتبه عن شباب مدينة الخليل الذين درسوا في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية ودورهم في تأسيس التيار الإسلامي في منطقة الخليل وتعاونهم مع التيار الإسلامي في قطاع غزة .
الصديق Freeman Jordon عقب على ما كتبته أول أمس ، في ٧ تموز ، تحت عنوان " غسان كنفاني ويحيى السنوار " مبديا رأيه في الصلة بين أهم رموز كلية الشريعة في الجامعة الأردنية مثل عبد الله عزام وهمام سعيد وأحمد نوفل ورموز حركة حماس وطرق تفكير الجهتين ويخلص إلى أن " السنوار وهنية ومشعل هم امتداد لاولئك ، فكرهم واحد وعقيدتهم واحدة ( من ليس من الجماعة فهو عدو ) " .
وأعتقد أن ملاحظة الصديق قد تجد في الرواية ما يدعمها من خلال علاقة الإخوة وأبناء العم في الأسرة الواحدة ، فالعلاقات الأسرية التي سادت العائلة ، قبل انتماء أفرادها إلى تنظيمي فتح وحماس ، سادها الود والمحبة والاحترام ، ولم تتغير أو تتبدل إلا بعد انتماء محمود إلى حركة فتح وانتماء إبراهيم وحسن إلى حركة حماس ، ومنذ هذا الانتماء انتقل جدل الحركتين من الشارع والجامعة إلى البيت ، فتحاصم الأخوان وابنا العم ، ووصل الخصام أحيانا إلى التطاول بالكلام والسخرية . " من ليس معي فهو ضدي " .
في ٩٠ القرن العشرين كتبت مقالة عنوانها " جناية الفصيلية على الشعب الفلسطيني " وأظن أنني نشرتها في جريدة " نابلس " التي اسسها الصحفي زهير الدبعي أبو إسلام أو في جريدة " الشعب " الفلسطينية يوم كانت تحتضر ، وفي المقالة أتيت على الفصائل وخلافاتها وانعكاس ذلك على الأسرة الفلسطينية . لقد قتلت الفصيلية مشاعر الأخوة وروح التسامح والمحبة داخل الأسرة الواحدة ، وصار الأخ يتجسس على أخيه لصالح الفصيل ، وصار ابن الأخ جاسوسا على عمه أيضا وابن الأخت جاسوسا على خاله ينقل أخباره لهذا الفصيل أو ذاك .
أطرف ما في " الشوك والقرنفل " ان والد السارد أحمد وأخويه ؛ محمود وحسن ، الذي اختفى في ١٩٦٧ ، خلف قبل استشهاده في حرب أيلول ١٩٧٠ ولدين هما ماجد وخالد ، وقد عادا إثر اتفاق أوسلو ١٩٩٣ إلى غزة وتعرفا على اخوتهم من أبيهم ، فرحبت العائلة بهما واستقبلتهما وأفسحت لهما مجال الإقامة معها في البيت ، وحين اشتد الخلاف بين السلطة وحركة حماس ، وكان إبراهيم ابن عمهما ينتمي إلى الحركة وكان متزوجا من أختهما مريم ، طلبت السلطة التي يعملان في أجهزتها منهما أن يخبراها عن مكان إبراهيم - يعني أن يسلما ابن عمهما وزوج أختهما .
وأنا أكتب عن غسان كنفاني ويحيى السنوار أتيت على قتل إبراهيم أخاه حسن ، لأن الأخير صار عميلا ، فلا رابطة للدم والرابطة الأساس هي رابطة العقيدة و ... .
في " الشوك والقرنفل " مساحة من الكتابة عن دور كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في صياغة المنطقة ، وكلنا يعرف دور عبدالله عزام في باكستان وأفغانستان ، وثمة غير عبارة ترد على لسان إبراهيم عن البعد العربي والإسلامي لحركة حماس ، ويهدي السيد يحيى السنوار روايته إلى :
" من تعلقت افئدتهم بأرض الإسراء والمعراج من المحيط إلى الخليج ، بل من المحيط إلى المحيط " .
صباح الخير
خربشات
٩ تموز ٢٠٢١

***

- يحيى السنوار ٥: يحيى السنوار وعصامية شخصياته / الغزاوية

أعادتني رواية "الشوك والقرنفل" إلى ما سمعته عن الطلبة الفيتناميين والطلبة العرب في الدول الاشتراكية .
في إحدى محاضرات الماجستير مع الدكتور عبد الرحمن ياغي في العام ١٩٨١ قارن بين الطلبة الفيتناميبن والطلبة العرب ، منحازا إلى الفيتناميين ، لأنهم يكتفون براتب البعثة ويوفرون نصفه ليدرس فيه طالب فيتنامي ثان ، خلافا للطلاب العرب الذين يطلبون من أهلهم المزيد من المساعدات غير مكتفين براتب المنحة .
الطلاب الغزيون لا يختلفون عن الطلاب الفيتناميين ، فما عرفته عنهم في ألمانيا الغربية أنهم عصاميون لا يكلفون أهلهم أي نفقات ، إذ يكفيهم مبلغ من المال للأشهر الستة الأولى لدراسة اللغة الألمانية ، وبعد ذلك يبدأون العمل والدراسة فينفقون على أنفسهم ويرسلون الفائض إلى أهلهم .
أبو إبراهيم في روايته يكتب عن عائلة الصالح التي فقدت اثنين من أبنائها في حرب حزيران ١٩٦٧ ، مخلفين وراءهما زوجتين وأبا وسبعة أبناء ، دون أن يكون لديهم راتب أو مبالغ مالية تكفيهم وتمكنهم من العيش الرغيد ، فماذا يفعل الجد لإعالة أحفاده السبعة وزوجتي ابنيه ومساعدات وكالة غوث اللاجئين لا تغطي مصاريف الجيب وبعض المواد الضرورية ؟
يقف خال محمود ومحمد وحسن والسارد أحمد إلى جانب أخته ويساعدها ، فيعطيها المال بين فترة وفترة ، ثم يوجد لاثنين من أبنائها في مصنعه وظيفة شبه وهمية ، فلا تشعر بالخجل حين ينقدها المال .
مع مرور الأيام ونجاح محمود في التوجيهي يتأخر في الالتحاق بالجامعات المصرية لقلة ما في اليد ، فيبيع الخضرة ويجمع ما يكفيه من المال ويسافر ، ليحل إخوته محله ، وحين ينجح ابن عمه إبراهيم في التوجيهي يعتمد على نفسه في تمويل دراسته ، ولا يرضى أن يظل عالة على ابن عمه الموظف حديثا ، وهكذا يعمل ، في أثناء دراسته ، في البناء.
إبراهيم يجمع بين الدراسة والعمل ويمارس السياسة أيضا ، ومثله ابن عمه الذي يروي لنا الرواية - أي أحمد إبراهيم الصالح .
يقال إن يحيى السنوار ذو يد نظيفة وإنه يحارب الفساد والسرقة أيضا . ومثله في الرواية بطله إبراهيم ، فهذا الذي يسعى للحصول على السلاح يبيع مصاغ زوجته ، وحين يكلف شخصا بشراء قطعة سلاح يعرف أنه كذب عليه في السعر وربح ١٥٠٠ دينار ، ما دفعه لأن يجلده طالبا منه إعادة المبلغ ، فهو مال الثورة .
هل ما كتب في الرواية عن غزة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين ما زال قائما ؟ أم أن أرض غزة ضاقت وضاق على أهلها الرزق .
كان الشنفرى الشاعر الجاهلي يقول :
لعمرك ما في الأرض ضيق على امريء
سرى راغبا أو راهبا وهو يعقل
ولكن الشنفرى عاش في الصحراء التي لم تحاصرها إسرائيل ومصر .
ما زلت بحاجة إلى البحث في حياة يحيى السنوار ، لأعرف كم من شخصيته في شخصية إبراهيم ؟
استشهد إبراهيم الشخصية الروائية في العام ٢٠٠٣ ، وأطال الله في عمر أبو إبراهيم ، وإبراهيم الحمساوي الذي استشهد ، كما عرفت ، هو إبراهيم المقادمة ؟
صباح الخير
خربشات
١٠ تموز ٢٠٢١

**

- يحيى السنوار ٦: يحيى السنوار ووالدة الشهيد، محمود درويش ووالدة الشهيد

ماذا لو تتبع المرء النماذج النسوية في رواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"؟
هل تحفل الرواية بنماذج نسوية متنوعة متعددة مختلفة ؟
أغلب الظن أن المرء لن يعثر على نماذج نسوية لها أدوار اجتماعية غير الدور التقليدي المعروف ، وهو المرأة أم ، أو زوجة مثل فلقة البدر أو الصابون ، أو طالبة جامعية بلا ملامح فردية يحتاج إليها من أجل التصويت في الانتخابات لصالح التيار الإسلامي . أما المرأة محبوبة أو ناشطة اجتماعية أو موظفة فلا حضور لها ، وحين ينوي شاب الزواج تبحث له أمه عن عروس ، وغالبا ما تروق له ما دامت راقت لها . إنها تسأله عن أوصاف المرأة التي يحب أن تكون زوجة له ، ثم تبدأ الأم رحلة البحث.
المرأة معشوقة لم تظهر في الرواية إلا من خلال المرأة اليهودية ابنة صاحب المصنع التي أحبها حسن إلى أن نبذته .
ليس ما سبق بمستغرب من أشخاص متدينين محافظين لا يؤمنون بالحب والسفور والانفتاح في العلاقة بين الذكر والأنثى ، وهذا شيء طبيعي معروف ومألوف في التيارات الدينية ، وإن بدأ الأمر يختلف.
والدة محمود زوجة عم إبراهيم وأم زوجته مريم لم يكن تفكيرها ليخرج عن إطار الحياة التقليدية التي لا تلتفت إلى البعد الوطني أو الديني في الصراع ، فكل همها هو أن يتزوج الأبناء والبنات ويشكلون أسرة ، ولا يعنيها الوطن وتحريره ومقاومة العدو ، وغالبا ما كانت تقف ضد أي نشاط سياسي أو عسكري.
التغير يحدث في نهاية الرواية مع اشتداد حركة المقاومة ، وهنا تغير المرأة في كلمات الأغنية الشعبية لتتناسب والواقع الجديد ، بل إنها تودع ابنها الاستشهادي بالزغاريد ولا تتردد في أن ترسل بقية أبنائها للاستسهاد ، وهو ما نلحظه لدى أم نضال في الصفحتين ٣٣٢و ٣٣٣.
في الصفحة ٣٣١ نقرأ الفقرة الآتية:
" يقول عدنان :
- ألا ترى أنهم يراهنون على أن الناس تعبوا وأن الشعب يريد أن يرتاح ، فقد أرهقه الثمن الباهظ الذي دفعه .
يبتسم إبراهيم وهو يقول:
- من الذي تعب ؟ ومن الذي أرهق؟ أنت أم أنا؟ أمهاتنا ونساؤنا الذين يدفعون الثمن الذي من أرواح أبنائهم ومن بيوتهم ومن أغلى ما يملكون ، لم ينطق أحدهم بكلمة تدل على التعب . ألم تر في كل مرة أن أم الشهيد تهتف أنها مستعدة للتضحية باخوته الآخرين في سبيل القدس والأقصى.
وأما من يصرحون أن شعبنا تعب فهم حفنة من أصحاب المصالح السياسية أو الاقتصادية ، حفنة قليلة ، أما الشعب الصابر فهو مستعد للتضحية بكل غال وثمن من أجل عزته وكرامته ومقدساته".
وبعد هذه الفقرة نقرأ صفحتين عن محمد وأمه "أم نضال" حيث يودعها لتنفيذ عملية استشهادية تظل تتابعها ، إذ يطلب منها محمد أن تترك هاتفها مفتوحا لتسمع صوت التفجير الذي سينفذه .
ما إن يتم التفجير ويعرف الجيران باستشهاد محمد حتى يجتمعوا ، فتسأل إحدى الجارات أم نضال :
- ودعته وأنت تعرفين أنه ذاهب للموت؟
فترد أم نضال:
- والله إنه لأحب إلي من الدنيا وما فيها، ولكنه يهون في سبيل الله، وفي سبيل القدس والأقصى. وآلله إني مستعدة أن أضحي بنضال وحسام ورواد في سبيل الله، ومن أجل عزة شعبنا وكرامة أمتنا...".
موقف أم نضال هذا لم يكن موقف أم محمود حين انخرط إبراهيم زوج ابنتها مريم بالحركة الإسلامية ، إذ كانت تقف منه موقف الرفض والمحاسبة.
ما سبق ، وهو مكتوب في العام ٢٠٠٣ ذكرني بما كتبه الشاعر محمود درويش في ديوانه " حالة حصار " ٢٠٠٢ :
" قالت الأم:
لم أره ماشيا في دمه
لم أر الأرجوان على قدمه
كان مستندا للجدار
وفي يده
كأس بابونج ساخن
ويفكر في غده "
و
" قالت الأم : في باديء الأمر لم
أفهم الأمر ، قالوا : تزوج منذ
قليل ، فزغردت ثم رقصت وغنيت
حتى الهزيع الأخير من الليل ، حيث
مضى الساهرون ولم تبق إلا سلال
البنفسج حولي. تساءلت : أين العروسان ؟
قيل: هنالك فوق السماء ملاكان
يستكملان طقوس الزواج ، فزغردت ،
ثم رقصت وغنيت حتى أصبت
بداء الشلل
فمتى ينتهي ، يا حبيبي ، شهر العسل؟".
ولعل الفقرات المقتبسة من الرواية تفصح لنا لماذا لم يتردد السيد يحيى السنوار في أيار ٢٠٢١ في إعطاء أوامره لكتائب القسام بإطلاق الصواريخ في معركة " سيف القدس".
أعتقد أن " الشوك والقرنفل " تقول لنا إلى أين نحن ذاهبون في قادم الأيام ، وقد لاحظ بعض الكتاب الإسرائيليين في أيار أن العقيدة الدينية كان لها دور كبير في قتال الفلسطينيين وعدم خوفهم من الطائرات الإسرائيلية المغيرة التي ألقت اطنانا من القنابل على البنايات والعمارات السكنية.
كانت تجربة حزب الله في تحرير جنوب لبنان في العام ٢٠٠٠ حاضرة أبدا في ذهن إبراهيم، فلا يمكن تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة إلا بقوة السلاح. هذا ما يؤمن به إبراهيم وخطه السياسي، وإن كان في يحيى السنوار شيء من إبراهيم، أو إن كان ينطق إبراهيم بما يؤمن هو به ، فانتظروا الحرب القادمة!!
صباح الخير
خربشات
١١ تموز ٢٠٢١

***

- يحيى السنوار ٧: الخطاب الديني يعلو ويطغى : القدس عروس عروبتنا ، لا عروس عروبة الحكام العرب

إذا أردنا أن نعرف سبب نجدة يحيى السنوار للقدس والشيخ جراح ، فما علينا إلا أن نبحث عن علاقة بطله إبراهيم بمدينتي القدس والخليل ، منذ كان إبراهيم طالبا في الجامعة الإسلامية في ثمانينيات القرن العشرين .
زار إبراهيم المدينتين في ذلك الوقت ، ورابط فيهما يوم تعرضتا لمضايقات المستوطنين وتعرض الأقصى لاقتحامات عديدة . ويوم فعل ( غولدشتاين ) فعلته الإجرامية في الحرم الإبراهيمي ، فقتل وجرح العشرات وهم يصلون ، قرر إبراهيم الانتقام وبادر .
ثمة ارتباط روحي عميق بالمدينتين تشكل لدى إبراهيم يوم زارهما عمقه تدينه .
في ٥٠ و٦٠ القرن ٢٠ قوي الخطاب القومي واشتد ، ومع هزيمة حزيران ١٩٦٧ تراجع ، وصعد المد الوطني ، ورافق صعود الخطابين ؛ القومي والوطني ، صعود الخطاب اليساري .
في تلك العقود خفت الخطاب الإسلامي وتراجع مع موت حسن البنا وإعدام سيد قطب ، ومع نهاية ٧٠ القرن العشرين وبداية ٨٠ القرن العشرين عاد الخطاب الإسلامي للظهور من خلال الثورة الإيرانية .
إبراهيم تأثر بالخطاب الديني وآمن به واختلف مع ابن عمه محمود الذي كرس الخطاب الوطني من خلال انتمائه إلى حركة فتح وتبنيه طروحاتها ، وهكذا تحاور الخطابان إلى أن سيطرت حماس على غزة وانتصر خطابها هناك على الخطاب الوطني الفتحاوي والخطابين القومي واليساري الضعيفين أصلا .
الصراع ، كما يراه إبراهيم ومن ورائه السنوار ، صراع ديني ، وهكذا يكون اليهود هم الأعداء ، ولا نصغي إلى إبراهيم يميز بين اليهود الصهيونيين واليهود غير الصهيونيين . اليهود يهود ، وحين يقتل المقاومون ثلاثة جنود إسرائيليين من الدروز ، يحزن إبراهيم ، فالدروز عرب وليسوا يهودا .
هذا الخطاب الديني يرى الصراع على القدس صراعا بين ديانتين ، ويعطي المدينة مكانة مقدسة ولا ينظر إليها على أنها حجارة شحيحة الضوء ، كما رآها محمود درويش في قصيدته " القدس " حين كتب :
"- أمن حجر شحيح الضوء تندلع الحروب ؟" .
نظرة إبراهيم إلى القدس تعيدني إلى موقف الشيوعيين منها بعد هزيمة حزيران ١٩٦٧ مباشرة ، فلم يميزوها عن مدن الوطن المحتل الأخرى . لقد رأوا فيها مدينة فلسطينية محتلة مثل باقي المدن الفلسطينية المحتلة ، ورأوا أن الحكام العرب يرونها ناقة يمتطونها من أجل الوصول إلى الخلافة الضائعة . وقد توقفت أمام هذا بالتفصيل وأنا أدرس صورة القدس في الشعر العربي في القرن العشرين ، وصورة القدس في قصة توفيق فياض " أبو جابر الخليلي " .
السنوار يعيد إلى القدس مكانتها الدينية التي وردت في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف ، ولهذا أعطى الأوامر بمناصرة أهل القدس والشيخ جراح ، واقفا - إذا اشتد الحصار - وقفة المعتصم ، لا وقفة الحكام العرب ، كما كتب عنهم مظفر النواب :
" فإذا أجن الليل تطق الأكواب
بأن القدس عروس عروبتنا "
- القدس عروس عروبتكم !
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتها "
والحكاية معروفة ، والسؤال هو :
- ماذا سيقرر السيد يحيى السنوار ، وغزة تعاني وتعاني ، إذا عادت إسرائيل تقتحم الأقصى ؟ هل سيهد المعبد عليه وعلى أعدائه ؟
كان الله في عون أهل غزة وفي عون السيد السنوار ، ونحن نعد العصي ، وأهل غزة يأكلونها .
هل شططت ؟
( هذه كتابة ١٢ تموز ، وقد بدرت في كتابتها لكي أشاهد مباراة انجلترا وإيطاليا )
مساء الخير
خربشات
١١ تموز ٢٠٢١

***

- يحيى السنوار ٨: الأم التي ولدت... الأم التي ربت : عصامية إبراهيم / يحيى وقسوته

يستشهد والد إبراهيم في حرب ١٩٦٧ ويختفي عمه ، وبعد حوالي ٢٠ عاما نعرف أنه استشهد في مجازر أيلول في الأردن ، مخلفا ولدين هما ماجد وخالد ، يعودان إلى غزة بعد توقيع اتفاق أوسلو .
ويتربى إبراهيم وأخوه حسن في كنف جده لأبيه وترعاهما زوجة عمه كما ترعى أبناءها الكثر ، فقد تزوجت أمه حين أصر أهلها على زواجها .
لا تقول الرواية لنا أي شيء عن والدة إبراهيم بعد زواجها ، فلا نقرأ أي خبر عن لقائها بابنيها إبراهيم وحسن . لا هي زارتهما ولا هما زاراها ، ولا نعرف إن كانت أنجبت من زوجها الثاني أبناء صاروا أشقاء لإبراهيم وأخيه .
هكذا نشأ إبراهيم يتيما ، فقد استشهد أبوه وتزوجت أمه وانفصل عنه أخوه حسن ليعود جاسوسا يعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية ، وهكذا كان على إبراهيم أن يعاني من فقدان الوالدين وعار الأخ . وكان عليه أن يواجه ، مثل أبناء عمه الذين فقدوا الأب ، قسوة الحياة ، وكانت معاناته مضاعفة مرتين ، فهم فقدوا الأب وعاشوا على أمل أن يعود ، ولكنهم لم يخسروا الأم ولم يلحق بهم عار واحد منهم . تعلم محمود ومحمد وحسن والسارد أحمد وتزوجت الأخت من ابن عمها إبراهيم وانجبت . هذا كله ترك أثرا في تكوين إبراهيم وشخصيته ، عدا النشأة في المخيم والعيش على ما تجود به وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين من طعام وملابس ( بقج ) .
كانت زوجة عم إبراهيم بمثابة أمه ، فالأم البيولوجية تخلت عنه مضغوطا عليها من أهلها لتتزوج ، وزوجة العم حلت محلها . وهنا نتذكر مسرحية ( برتولد بريخت ) " دائرة الطباشير القوقازية " ورواية غسان كنفاني " عائد إلى حيفا " وأعمالا أدبية أخرى .
لا أعرف الكثير عن حياة يحيى السنوار الشخصية ، ولا أعرف شيئا عن أسرته ، لأرى مقدار التطابق والاختلاف بينه وبين شخصية إبراهيم ، ولكني فيما قرأته من مقالات عن دوره في تأسيس جهاز ملاحقة العملاء " مجد " أكاد أجزم بأنه عانى مما قاموا به وارتكبوه بحق قيادات من حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى مثل فتح والجبهة الشعبية ، وهو ما يأتي عليه السارد في نهاية الرواية ، إذ يأتي على ذكر جمال منصور وجمال سليم وأبو علي مصطفى وآخرين غيرهم .
مما ورد في مقالات وتقارير عن يحيى السنوار أنه تخلص شخصيا من بعض الجواسيس وأنه لم يكن يرحمهم ، بل إن ثمة كتابات عن دوره في التخلص من شخصيات حمساوية عملت معه شك فيها وارتاب من بعض تصرفاتها ، مثل القائد محمود اشتيوي . إن ما ورد في الرواية عن فايز صديق إبراهيم ليس بعيدا عما قرأته عن قصة محمود اشتيوي ، والأمر يبقى بحاجة إلى التأكد عموما .
راقب إبراهيم صديقه فايز ولاحظ لقاءه بضابط المخابرات أبو وديع ، وفي إحدى مظاهرات الانتفاضة قتل فايز . لم يصرح السارد بأن إبراهيم قتله ،ولكن القاريء يلمح ذلك ، ومن قتل أخاه لأنه عميل فلن يتردد في قتل صديق صار جاسوسا ، بل وفي تصفية إخوة ارتاب في بعض سلوكهم ، ولن يتردد في مقاومة الأعداء مقاومة شرسة ، فهؤلاء هم العلة والسبب في فقدان الوطن وحياة اللجوء وتشرد الأخ وعمالته وتساقط الصديق وخيانته .
الطريف أن يحيى السنوار هو ابن مخيم وأن محمد دحلان هو ابن مخيم وفايز هو ابن مخيم وحسن شقيق إبراهيم هو ابن مخيم ، وفي أبناء المخيمات كتب غسان كنفاني روايته " أم سعد " فكتب عن ابن المخيم الفدائي الذي قال فيه الشاعر أحمد دحبور :
" اسمع - أبيت اللعن - راوية المخيم
افتح له عينيك وافهم :
هذي الصفائح والخرائب والبيوت
فيها كبرت ، بها كبرت
وفوضتني عن جهنم " .
وكم أنجب المخيم من أبطال فدائيين وعلماء وأطباء وجواسيس وحشاشين ، وتلك هي الحقيقة .
ماذا تخبيء الحياة ليحيى السنوار ؟
وماذا يخبيء هو لنا من مفاجآت ؟
هل ينطبق عليه ما قاله إبراهيم طوقان في قصيدته :
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فاهدأي يا عواصف
خجلا من جراءته
صامت لو تكلما
لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته
خلق الحزم ابكما
وبلادا أحبها
ركنها قد تهدما ... إلخ .
صباح الخير
خربشات
١٣ تموز ٢٠٢١

***

- يحيى السنوار ٩: أدب المقاومة وأدب الحركة الأسيرة

أين يمكن إدراج رواية " الشوك والقرنفل " في أثناء دراستها ؟
أهي نموذج لأدب السجون أم نموذج لأدب المقاومة ؟ أم هي نموذج لكليهما ، فلا فصل بين أدب السجون الفلسطيني وأدب المقاومة ؟
ما من أسير فلسطيني كتب نصا إلا أتى فيه تقريبا على تجربته في السجن الذي زج به بعد انضوائه تحت لواء فصيل من فصائل المقاومة .
منذ ستينيات القرن العشرين كتب الأدباء عن تجاربهم في السجن ، بل منذ كتب عوض قصيدته الشهيرة على جدران سجن عكا ، فكان من أوائل من دشن هذا النوع من الكتابة بعد اسكندر الخوري البيتجالي في روايته " الحياة بعد الموت " التي صورت في جزء منها السجن في زمن الأتراك العثمانيين .
عوض كتب قصيدته مباشرة قبل أن يشنق . لقد كتبها على جدار سجن عكا الرهيب الذي أعدم لاحقا فيه جمجموم والزير وحجازي وصور إبراهيم طوقان في قصيدته " الثلاثاء الحمراء " قصتهم .
ولم تنقطع الحكاية في الأزمنة اللاحقة ؛ زمن الاحتلال الإسرائيلي وزمن الحكم الأردني وزمن الحكم المصري و ... ولم أقرأ حتى اللحظة نصوصا عن السجن الوطني .
جزء من " الشوك والقرنفل " يصور حياة الأسرى في السجون الإسرائيلية وبخاصة معتقل النقب الذي كان له حضور في أعمال أدبية سابقة منها رواية السجين هشام عبد الرازق " الشمس في معتقل النقب " أو ما شابه ، وقد عالجت موضوعا خطيرا هو التحقيق مع بعض المعتقلين بحجة التعامل مع الاحتلال ، وهذا موضوع قاربه يحيى السنوار في روايته أيضا .
وجزء من " الشوك والقرنفل " يعالج موضوع تجنيد العملاء وظاهرة الإسقاط ، وهذا موضوع خاض فيه بالتفصيل أيضا حسام زهدي شاهين في روايته " زغرودة الفنجان " و هيثم جابر في روايته " الشهيدة " ووليد الهودلي في قصصه " وهكذا أصبح جاسوسا " و ... . وأمر طبيعي أن تتشابه موضوعات كتابات الأسرى وأن تسود روح المقاومة فيها ، وإذا ما سئلنا عن أدب مقاومة في الأدب الفلسطيني بعد أوسلو ، بالمفهوم الكلاسيكي لأدب المقاومة ، فإن ما كتبه الأسرى يعد مثالا بارزا عن وجوده وبكثرة .
في " الشوك والقرنفل " نقرأ ما يشبه الأدب التسجيلي . إن الرواية في جانب كبير منها تبدو رصدا للعمليات المسلحة التي قامت بها الحركة الإسلامية بشقيها ؛ حماس والجهاد الإسلامي ، بل وتبدو تمجيدا لبطولات أبرز رموزها الذين قاوموا الاحتلال من عماد عقل إلى يحيى عياش اللذين يذكران بالاسم ، كما تذكر عملية إبعاد رموز هذه الحركة إلى لبنان ومرج الزهور .
تنتهي الرواية باستشهاد الشخصية الرئيسية فيها وهو إبراهيم الصالح ، إذ تقصف طائرة الأباتشي الإسرائيلية سيارته ، ويشيع جثمانه بجنازة مهيبة يحمل فيها طفلاه السلاح ، وهذا فعل رمزي وإشارة دالة إلى مواصلة النضال حتى يكون هناك حل عادل للقضية الفلسطينية ولمأساة اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والمنافي .
أمس وأنا أقرأ في كتاب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ( بنيامين نتنياهو ) " مكان تحت الشمس / مكان بين الأمم " توقفت أمام ما ورد في فصل " حصان طروادة " .
يروي ( نتنياهو ) أنه في الانتفاضة الأولى في أثناء خدمته في مخيم جباليا ، في فترة هدوء نسبي ، تجول في أحد أزقة المخيم فرأى رجلا طاعنا في السن يجلس قرب جدار ، فسأله :
- من أين أنت ؟
- من المجدل ؟
- وأولادك ؟
- من المجدل .
- وأحفادك؟
- من المجدل أيضا .
وهنا تمنى ( نتنياهو ) أن يعم السلام وأن يزور الرجل المجدل وأن يزور ( نتنياهو ) جباليا .
ولكن هذا الكلام لم يرق للاجيء فابتسم ابتسامة تعبر عن عدم الرضا ، إذ إنه يحلم بالعودة إلى المجدل ورحيل ( نتنياهو ) إلى بولندا .
الحكاية طويلة ، والكتابة عن " الشوك والقرنفل " وأبو إبراهيم السنوار قد تطول ، ولكني أشعر أن القراء ملوا من القراءة في الموضوع نفسه .
أمس كان ذكرى استشهاد الشاعر عبد الرحيم محمود في معركة الشجرة في العام ١٩٤٨ ، والشجرة هي قرية ولادة فنان الكاريكاتير الفلسطيني الشهيد ناجي العلي .
صباح الخير
خربشات
١٤ تموز ٢٠٢١

---

- يحيى السنوار ١٠: أدب مخيم أم أدب مقاومة أم أدب سجن ؟

لم أدرج فيما كتبته أمس رواية " الشوك والقرنفل " تحت مسمى " أدب المخيم " . لقد تساءلت إن كانت تدرج تحت مسمى أدب مقاومة أو أدب السجن .
الصديق الدكتور Isam M Shihada أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعات غزة رأى أنها أقرب إلى " أدب المخيم " وفكرت في الأمر .
غالبا ما توقفنا ونحن ندرس أدب المخيم أمام أعمال مثل :
- أم سعد والقميص المسروق والصغير يذهب إلى المخيم لغسان كنفاني
- العشاق لرشاد أبو شاور ، وفيما بعد روايته " الحب وليالي البوم "
- الطوق لغريب عسقلاني
- الجبل لا يأتي لزكي العيلة
- عين المرآة لليانة بدر
- مخمل لحزامة حبايب
- حليب التين لسامية عيسى
- حياة معلقة والحاجة كريستينا ومشاة لا يعبرون الطريق لعاطف أبو سيف
وأعمال أخرى لا تحضرني الآن منها بعض روايات إبراهيم نصرالله وبعض روايات يحيى يخلف .
وإذا ما قارن المرء بين الأعمال المذكورة سابقا وبين " الشوك والقرنفل " فسوف ينحاز بلا تردد إلى اعتبارها رواية مقاومة بالدرجة الأولى ، وبما أنها تأتي على الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال ، وتتخذ من غزة والخليل مكانا لها ، بعد حرب حزيران حتى العام ٢٠٠٣ تقريبا ، فسوف يحضر المخيم والسجن فيها ، ولسوف تتقاطع الموضوعات الثلاثة معا لا شك . إن التركيبة السكانية لمدينة غزة كما هو معروف تتكون من سكان المدينة الأصليين ومن جموع اللاجئين الفلسطينيين الذين أقاموا في المخيمات وشكلوا مع مرور الأيام أغلبية السكان .
هل رصد السيد يحيى السنوار في روايته حياة المخيم أكثر مما رصد عمليات المقاومة ؟
القسم الأول من الرواية يأتي على حياة المخيم من خلال الحديث عن أسرة السارد أحمد إبراهيم الصالح ، ولكن أحمد لا يستفيض في السرد عن أهل المخيم وعن المكان وشوارعه والمناطق التي انحدر منها السكان وعاداتهم وتقاليدهم و ... و ... .
وأكاد أجزم أن ما كان في ذهن المؤلف وهو يكتب الرواية هو رصد نشوء المقاومة الإسلامية وبطولاتها أكثر من رصد حياة اللاجئين في المخيمات ، فهو لم يكتب رواية مكان قدر ما كتب رواية تيار مقاوم في صعوده واشتداده .
لا نقرأ في الرواية عن أحياء المخيم وكيفية تشكله بناء على الأماكن التي هجر الفلسطينيون وطردوا منها وشكل العلاقة فيما بينهم ، ولم نقرأ عن أصولهم الريفية أو المدنية وانصهارها في البيئة الجديدة - أي بيئة المخيم ، ولم نقرأ الكثير عن علاقة سكان المخيم بسكان مدينة غزة الأصليين والتآلف أو التنافر بين البيئتين أو عن التخيلات والتصورات المتبادلة ومدى مشاركة كل طرف مثلا في المقاومة .
وبعد الانتهاء من قراءة الرواية لا يبقى عالقا في الذاكرة إلا شخصية إبراهيم ودوره في تشكيل نواة لخلايا مقاومة إسلامية ومساهمته في الفعل المقاوم ورصد السارد رصدا شبه توثيقي للعمليات المسلحة التي قامت بها الحركة الإسلامية بشقيها ؛ حماس والجهاد الإسلامي .
وإذا جاز الحديث عن أدب إسلامي فإن الرواية واحدة من أعمال أدبية بدأت تنتشر في العقدين الأخيرين ليس إلا ، إذ لم نقرأ في الأدبيات الفلسطينية من قبل نماذج أدبية يسود فيها الخطاب الإسلامي ويعلو . فقط في العقدين الأخيرين صرنا نقرأ أدبا يمكن وصفه بالأدب الإسلامي أو أدب المقاومة الإسلامية ، ولقد ظل الأدب الفلسطيني لعقود كثيرة خلوا من هذا ، فالأعمال الأدبية الفلسطينية ذات الخطاب الإسلامي حتى نهاية القرن العشرين ظلت شبه نادرة .
وإن كانت ذاكرتي لا تخونني فإن أبرز نص كتب من قبل هو مسرحية برهان الدين العبوشي " وطن الشهيد " ١٩٤٧ تقريبا .
الآن بدأت الأصوات ذات التوجه الإسلامي تقوى وتكثر ، وغالبا ما كان طلابي في مساق الأدب الفلسطيني يسألونني السؤال الآتي :
- لماذا لا تدرس إلا الأدباء الفلسطينيين ذوي التوجه الوطني واليساري ؟ لماذا لا تدرسنا نصوصا لأدباء إسلاميين ؟
وكنت أجيبهم بما تضيئه الكتابة السابقة .
وربما ما يستحق أن يشار إليه هنا هو تفاعل القراء مع هذه الكتابات وتوضيحهم لأمور معينة وقضايا لهم فيها رأي تضيء جوانب معينة خفيت عني أو صلتهم بها أكثر وأعمق من صلتي بها .
بقي أن نعرف من هو حسن الأخ الأكبر لإبراهيم فهذا أحد أهم مفاتيح شخصيته ، ولعل الله يطيل في عمري وعمر السيد يحيى السنوار فاوجه إليه السؤالين :
- من هو حسن ؟
و
- ما مقدار تجسد شخصيتك في شخصية إبراهيم؟
صباح الخير
خربشات
١٥ تموز ٢٠٢١.

***
>>>>>>>>>>>>>
1- يحيى السنوار ١: فتح وحماس والإخوة الأعداء
2- يحيى السنوار ٢: غسان كنفاني ويحيى السنوار :
3- يحيى السنوار ٣: أبو إبراهيم السنوار والمرأة (الحكومة)
4- يحيى السنوار ٤: كلية الشريعة في الجامعة الأردنية : عبد الله عزام ويحيى السنوار
5- يحيى السنوار ٥: يحيى السنوار وعصامية شخصياته / الغزاوية
6- يحيى السنوار ٦: يحيى السنوار ووالدة الشهيد، محمود درويش ووالدة الشهيد
7- يحيى السنوار: الخطاب الديني يعلو ويطغى : القدس عروس عروبتنا ، لا عروس عروبة الحكام العرب
8- يحيى السنوار: الأم التي ولدت... الأم التي ربت : عصامية إبراهيم / يحيى وقسوته
9- يحيى السنوار: أدب المقاومة وأدب الحركة الأسيرة
10- يحيى السنوار: أدب مخيم أم أدب مقاومة أم أدب سجن ؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى