محمد علي عزب - عن تدوين الشعر العامى المغاربى*

اٍن الشعر العامى المغربى عانى من عدم التدوين منذ بداية العصر الحديث واعتمد فى أغلبه على الحفظ والرواية, ويأتى الديوان الزجلى "رياح التى ستأتى" للشاعر والزجال الرائد أحمد لِمْسَيَّح سنة 1976م كأول ديوان زجلى معاصر مطبوع, ليعلن عن بداية انطلاق الشعر العامى المغاربى المعاصر كشكل شعرى كتابى حاضر فى الساحة الأدبية, وقد تضمن هذا الديوان اٍلى جانب الزجل التقليدى نصوصا تأخذ شكل شعر العامية الحُرّ, وفى سنة 1994م أصدر أحمد لِمْسَيَّح ديوانه الشعرى العامى الثانى "اشْكونْ اطْرَزْ الما" مؤكّدا بذلك على ريادته للقصيدة العامية المغربية الحُرّة القائمة على الترميز واللغة المُوحِية والأخيلة الجديدة, والتى بدأت تفرض نفسها كشكل كتابى جديد فى المغرب منذ التسعينات, والأشقاء المغاربة يطلقون على شعر العامية الحُرّ / قصيدة العامية مُسمى "زجل" أو "قصيدة زجلية", وأُقَدِّم للقارئ نموذجا من شعر أحمد لِمْسَيّح وهو مقطع من قصيدة "اشكون اطرز الما" يحلّق الشاعر فيه بمخيلته, ويقبض على اللحظة الشعرية ببراعة, ويقدمها للقارئ بلغة شعرية مشحونة بالطاقة الاٍيحائية, قادرة على استحضار وتشخيص التجربة التى عاشها الذات الشاعر لكى يتعايش معها القارئ :
تخَبْلِت الكُبَّة ، وما لْقِيت راس الخيط
بغيتْ نغْزل كلام يِتْصوَّر ،
والمُنْجَجْ قصيدة
شَفْت صُوتْ فِ الخاطَر يِتكَوَّر .
اكتب لي :
" اعطيني ولْهْتَك
واستلغى لِكْلامي ،
بغِيِتْ نِتْصنَّتْ لِعْظامي
بغيت نَتْصالح مْعَ ايَّامي
بْغيت كَهْف - فيه نَتْخِلْوى
طَجِّيت م الزحمه
بغيت نكون بْرا أنا غلافها
بغيت نكون جمره نتلَحَّف بالظلمه)1
أصاب الخبل والجنون كُرَة الخيط وما وجد الشاعر رأس "بداية" الخيط ليغزل كلاما مصورا ويكون المنجز قصيدة, وسمع الشاعر صوتا فى خاطره / بالِهِ يقول له : اكتب لى واستلغى / استمع لكلامى, فآراد الشاعر أن ينصت لصوت ذاتهِ ويتصالح مع أيامه ويبحث عن كهف يختلى فيه بنفسه, فالشاعر يريد أن يكون غلافا لخطاب وجمرة تتلحف بالظلام, وكلمة "برا" فى العامية المغربية تعنى خطاب وجمعها "بروات" وأصلها كلمة "براءة" أو "اٍبراء", و"اشْكُونْ اطْرزْ الما" تعنى "من طَرَّز الماء" وأصل "اشكون فعل كذا" هو "أى شئ يكون فعل كذا", وفى العامية المغاربية يبدأ الفعل المضارع دائما بالنون سواءا للجمع أو للمفرد, ويمكن أن تبدأ الكلمة بحرف ساكن مثل "طْرَزْ، عْواصفْ, حْواجب", وفى هذه الحالة يوضع حرف ألف يعبر عن حركة جر أو حركة فتح قبل بداية الكلمة, كما فى "اشْكُون اطْرز الما" وكما فى قول الشاعر أحمد لِمسيّح فى هذه القصيدة : ( كنت راصد فى المنارة / اعْواصف وامْواج مسعوره )، والعامية المغاربية معروفة بأنها أكثر العاميات العربية فى سرعة النطق وكثرة استخدام التسكين, ولذلك تلعب علامات التشكيل دورا مهما فى قراءة الشعر العامى المغربى حيث أنها تحدد مواطن الحركة والسكون وتساعد على النطق الصحيح للكلمة, وكذك تتسم العامية المغاربية بكثرة استخدام أسلوب التخفيف بالحذف كما فى كلمة "الشعا" وتعنى "الشعاع", وفى بعض الكلمات يتم اٍبدال حرف "الزاى" بحرف "جيم" كما فى "منجج" وتعنى "منجز", واٍبدال "الضاد" "طاء" كما فى "طَجِّيِتْ" بدلا من "ضَجِّيِتْ", واٍبدال "الراء" "غين" كما فى "غغاب" بدلا من "غراب" , واٍذا كان أسلوب التخفيف بالحذف أو أسلوب الاٍبدال سيتسبب فى اٍلغاء الشبه بشكل تام بين الكلمة وبين جذرها اللغوى الفصيح, بحيث لا يُفهم معنى الكلمة من سياق النص يُفضل أن يشار لذلك فى هامش النَّصّ, وبذلك يمكن التغلب على الصعوبات التى قد يراها المشارقة فى العامية المغاربية وهى كثرة تسكين الحروف وكثرة التخفيف والاٍبدال, والملاحظ فى تدوين الشعر العامى المغربى أنه يتم استبدال الهاء الدالة على الغائب بالواو كما فى تدوين الشعر العامى فى العصور الوسطى وذلك لا ضير منه, كما فى قول الشاعر أحمد لمْسيّح : ( هَمّى قَوَّس اِحْواجبو ) .
* مقتطف من الفصل الثالث من كتابى النقدى "الشعر العامى العربى .. وقضايا الشكل والتاريخ والتدوين" ـ قيد المراجعة النهائية

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى