محمد بشكار - رسائل الكفران.. الجزء الثاني والعشرون

1
البوعزيزي.. هذا البائع المتجول الشاب الذي أحرق نفسه احتجاجا على الظلم، مازال يتجول ليس بعربة الخضار والفواكه، ولكن بنيرانه التي انقلبت لثورة ياسمين لم تنطفىء في تونس، بل اندلعتْ بلهيبها لِتنْشُب في كراسي بعض الأنظمة العربية وتُسقِطها، وها هي تونس تُقدِّم مرة أخرى بثورة رئيسها على الحاشية أبلغ درس، لا يهم أن تُحيط ذراعيكَ لِتسْتَفْرِد بكل الطاولة، لا يهم أن تُوصَف بالديكتاتور حين تغلق البرلمان وتُسقِط الحكومة لتتمتع مُؤقَّتاً بالسُّلطات المُطلقة، ما دام من أوكِلتْ لهم هذه السلطات قد شطُّوا في استعمالها وأهملوا الشعب، المُهِم أن تعْصِف بالأوراق التي غطَّى يابسها على الأخضر في الأغصان، تماما كما يصنع الخريف بالربيع، والأهم أن تقْلب هذه الطاولة وتَسْتبدِل كؤوسها وصحونها بعد الانكسار بأخرى غير مَغْشوشة من بلَّور وبَديع!
2
أنْ تمتلك كل شيء وتكتب دون خشْية من الخسارة، ذلك ما يُمكن أنْ نُسمِّيه جُرأة القلم ويستحِقُّ وِسام الجسارة !
3
أجملُ الرسائل وأصْدَقها..تلكَ التي نكتبها كما لو سنبعثها لأنفسنا !
4
أشدُّ ما يتمزَّق الفرد إلى قردين، أنْ يعيش في بلد، يصدُق فيه الخبر حيث يريده كاذباً، ويكذب حيث يريده صادقا!
5
من طبعي أن أشْكُر الحياة على كل شيء.. ولكن أشكرها أكثر حين تضطرُّني لِأراجع نفسي حتَّى في سلَّة المُهْملات !
6
لا أسمع اليوم إلا أيُّها المتألق أو أيتها المتألقة، ولأنَّ شِدة الأشعَّة تغْشي العيون فلم نعُد نعرف مَنِ الصَّادق ومَنِ المُنافق، أكتفي بالقول إني أعرف مُثقَّفين يُعتبرون في مراتب الضياء شموساً، ولكنهم من فرط ما لبسوا عباءة الظل لا أحد يذكرهم بذبالة شمعة !
7
بعضُ الوجوه لا يقف داءُ فقْر الدم حائلا دون أن تحْمَر خجلا !
8
للفاصلة دورٌ بليغٌ، فهي تَصِل ماضي الجُملة بمستقبلها دون أن يختلَّ المعنى، ليس فقط في المقالة بل حتى في الحياة !
9
لا أعرف هل هي موضة العصر أو لدواعي الصَّلع المُبكِّرْ.. كُلَّما ألقيتُ بصري لا أجدُ رأساً تعلو على القبعة !
10
إذا أُهْدِيتْ لك في حفل التكريم "صينية" ومعها "براد" فما عليك إلا أن تُكمل بقية عُمرك شاياً !
11
لم أستمتع اليوم بما يكفي بجمال النَّرْجس الذي صادفتُه في طريقي، فقدْ تذكرتُ أنَّه النَّرْجس ذاته الذي ينبتُ في بعض الأنفس !
12
مهما عَلَوْتَ فلن تنال القيمة إلا إذا أصبحتَ مرجعاً في الهامش أسفل المقالات !
13
أحِبُّ قلبها حين تصيبهُ غيرةٌ شديدةٌ من إيقاع نبضي !
14
ليس مُطاردة الجميلات.. بل الانزياحات التي لا تَخْطُر على الدَّهشة ما أوْصلَ بعض الشعراء للجنون !
15
مَنَ كان كالنَّرْد بأكثر من وجه، أصبح هدفاً سهلاً لمُقامرين يُطاردهم سوءُ الحظ !
16
لأني موقنٌ أن التَّاريخ هو القارىء الكبير لكل ما أكتبه من رسائل طيلة حُزني أو فرحي، فلن أنتظرَ جواباً في الحين!
17
نحْتاج لِمن يُنتج أفكارا تُواكبُ وليس تركب على ما يُصدره المجتمع من أصوات جريحة، ما أبْخسها تجارة لا تُحقِّق الربح إلا بتكرار الصدى!
18
الشَّجرة لا تستطيع أنْ تَبْرَح مكانها، ولكن من باب تغيير الروتين والتَّخلُّص من الضجر تُغيِّر الأوراق!
19
الحقيقة التي تقولها من المسافة الأقرب للقلب، يَسمعُها الآخرون من مسافة العصا التي تنهال على الشَّاة القصية !
20
قد تُولد أجْمل القصائد من واقعٍ طريح الإنعاش !
21
للموت حساباته البيولوجية التي تحصي عدد الأنفاس، ولو كُنَّا نتمتَّع بِدقَّتها لاخْترنا لِمُلاقاته التَّوقيت المُناسب !
22
القبر يلي القبر لِتتَّسع الحفرة، والسطر يمحو السطر لِتَضْعُفَ الذاكرة !
23
شتَّان بين الغَزَل والتَّحرُّش، لذلك نجدُ ببعض الدول شوارع راقية ترتادُها بخُيلاء كُل مَنْ تُريد أن تشنِّف أسماعها بالنداءات الشَّجِية، ولكن أجمل الغزل ما يَصْدُر من المرأة للرَّجل بكل اللغات الإشارية والمهموسة، ولن أبالغ إذا قلتُ إنَّ بعض هذا الغزل حين يسمعُه الرجل، يُعيد لآدم فِردوسَه ولو في الأرض، كما لنْ أحتاج لِتحذير المُغَازِلة أنه سيعود حتماً لقضْم التُّفاحة من جديد !
..............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 29 يوليوز 2021 ، وهو العدد الأخير في هذا الموسم الثقافي، ليستأنف الصدور في سبتمبر القادم إن شاء الله.


1627579737545.png





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى