أمل الكردفاني - الرسالة الثالثة: الإسلام، كرسالة ثقافية

هناك قضايا تثار حول أحكام الشريعة، مثل نصيب المراة في الميراث، ونفقة الزوجة، وقطع اليد..الخ.
في الواقع كل هذه الأحكام، لا تتعلق بالإسلام، بل بتنظيم الإسلام لواقع مكة والمدينة فقط. إن كل أحكام الإسلام التي يطلق عليها أحكاماً شرعية، ليست كذلك، بل تنظيماً وقتياً منحصراً في إطاره الزماني والمكاني.
وبغض النظر عن كل شيء، فإن تلك الأحكام، والتي لا تطبق اليوم في غالبية دول العالم، لم يفضِ عدم تطبيقها إلى إحداث بلبلة في مؤسسات تلك الدول. كما أن ما تضعه الدول من أحكام (قوانين) أخرى، لم يؤدِ إلى إضعاف تلك الدول.
لذلك فتلك الأحكام لا يمكن أن تمثل رسالة الإسلام (كدين) ما دامت غير جوهرية، بحيث لا يتوقف على وجودها الوجود وعلى عدم العدم. بالعكس؛ تلك الأحكام، تظل تدخلات سياسية وضعية لمعالجة واقع معين (إجتماعي) في تلك الحقبة.
أما الإسلام كجوهر، فهو رسالة عالمية، ولكي تكون عالمية، فلا يمكن أن تُخضع العالم لثقافة مكة والمدينة قبل أربعة عشر قرناً، بل يجب أن تكون رسالة ثقافية.
أي أنها رسالة تدعوا إلى المُثُل العليا، تنادي بالإنسان السوبر، ولكن بمفهوم مخالف لنيتشه، فالإنسان السوبر هو الإنسان الذي يضع القيم الإنسانية كثقافة ملازمة لمنهجه الحركي في عالمه. إن المسألة لا تتعلق بميراث الأنثى لنصف التركة (لأن المرأة في تلك الأزمان كانت تحيا داخل خيمة والدها أو عمها ثم خيمة زوجها ثم القبر). أما اليوم فهي ليست كذلك. لذلك فحكم ميراثها حكم مؤقت ومحدد بزمانه وبمكانه. أما الرسالة الثقافية فهي (العدالة). أي ان الإسلام وجه لاهوتي للفلسفة الأفلاطونية. وهي لا تختلف عن المسيحية، فالمسيح رفض البيروقراطية الدينية، ولم يضع أي طقوس كما فعل من بعده بولس، بل على العكس، كان المسيح صاحب رسالة ثقافية، تؤسس لنبذ الظلم والرحمة والحب.
إن المسلم يسرق ويُصلي، لأنه يتبع المفهوم النظامي لا الثقافي للإسلام. والحقيقة فإن المفهوم النظامي محل جدل كبير منذ وفاة الرسول (ص)، بحيث أضحى ربط الإسلام بالمفهوم النظام مفضياً إلى نهاية الإسلام المحمدي نفسه، وظهور إسلامات (وضعية)، فلكل فرد فهمه الخاص للإسلام. فما ان توفى الرسول حتى ظهر ما سموا بالمرتدين ولم يكونوا مرتدين بل كانوا أصحاب فهم يخالف فهم أبي بكر، وظهرت المذاهب والطوائف والفرق، وتشتت ذلك الفهم النظامي للإسلام عندما أضحى لكل فرقة فهمها النظامي الخاص، ولكن ما لا يمكن أن يتبدد هو الإسلام كرسالة ثقافية (تعاليم) تشمل العبادات الخمس الركنية (الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج) كثوابت وسِمة مُميزة.
الإسلام الثقافي هو الذي ينادي بالقيم الأخلاقية العليا، الخير والحق والجمال -مقاربة للفلسفة اليونانية- كجوهر للدين، وبدونها فلا قيمة للسمات الظاهرية (العبادات). وهكذا تكون الرسالة الثالثة رسالة تعاليم تربوية، ذات بعد نفسي بنائي، تجعل السارق غير مسلم مهما صلى وصام، لأنه انتهك الأساس والجوهر لا السطح والعرض وتجعل الرسام والنحات والفنان مسلماً لأنه اتبع مُثل الجمال، والحاكم العادل مثل الحق، والزارع والصانع مثل الخير وفي كل خير.
أما المفهوم النظامي للدين (كله) يكون قد انقضى بانقضاء محله (بيئته) (زماناً ومكاناً).
والله أعلم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى