مقتطف فراس زوين - قراءة في كتاب دعونا نتفلسف

الفلسفة لا تحتاج بتاتاً الى المفردات الوحشية التي يثقل بها كاهلها، لان القضايا التي تطرحها تعني أي شخص راغب في معرفة أحوال العالم وفهمه، ولذلك لابد من تناول الفلسفة بلغة خالية من الرطانة" بهذا الاقتباس يفتتح الكاتب علي حسين كتابه "دعونا نتفلسف" كمدخل يختزل من خلاله العديد من الافكار والكلمات، وليبين الفكرة او الهدف الرئيسية لهذا الكتاب الذي وضعه تلبية لطلب العديد من اصدقائه بالكتابة عن الفلاسفة بنفس الأسلوب الشيق والمبسط الذي خرج به كتابه "في صحبة الكتب" كما صرح بذلك في المقدمة.


يطرح الكاتب في مقدمة الكتاب ان من حق كل انسان ان تكون له فلسفته الخاصة اتجاه نفسه واتجاه ما يجري من حوله، وهذا هو الضمانة لتجديد الحياة باسرها، وبالرغم من ان "علي حسين" لا يهتم بالوقوف على تعريف محدد للفلسفة كما يراها افلاطون او برديائيف او ديكارت او هيدغر او ماركس او كامو او اي فيلسوف الا انه يرى ان على جميع الناس ان يكونوا فلاسفة، لا على طريقة سارتر او برجون او الفارابي بل على اعتبار ان الفلسفة نشاط انساني يمارسه الجميع، من خلال محاولاتهم فهم العالم من حولهم، وطرحهم الأسئلة التي تستحضر الوجود الإنساني باعتباره سؤال او مشكلة، هذه المشكلة التي تعد الحجر الرئيسي للفلسفة، فما الفلسفة سوى المحاولة التي يراد بها معرفة الكون والانسان ولكن بشرط قيام المشكلة التي يحس بها الانسان ويحاول إيجاد حل لها.

ومن حق القارئ عند هذه النقطة ان يبدي اعتراضه، فاذا كان الفلسفة نشاط انساني عام، وسؤال المعرفة متاح للجميع، فلماذا الفلسفة في عالمنا العربي فكرة بعيدة المنال ؟؟ واذا كانت القضية هي ممارسة عملية يقوم بها كل انسان وان لم يكن فيلسوف، فان المنطق يدفع باتجاه ان تكون الكتابات الفلسفية في حدود المستوى العام للفكر، وهذا خلاف ما يجده القارئ البسيط عند تصفحه لمعظم كتب الفلسفة، ويصطف علي حسين مع القارئ في اسئلته عن أسباب غموض هذه الكتابات وتعقيدها، ويبدي رأيه بإجابة ستمثل دافعه الرئيسي لتأليف هذا الكتاب "دعونا نتفلسف" والتي يبينها بكل وضوح في لقاء متلفز له يتحدث عن هذا الكتاب فيجيب بان مشكلة الفلسفة وصعوبتها بالنسبة للقارئ العادي تكمن في ترجمة وتقديم هذه الكتب، فلا شك ان الفلسفة ومباحثها واسئلتها كتبت اصلاً لعامة الناس، وان ما قالوه لم يكن كلاماً مبهماً بل كان فكراً واضحاً، وان الرؤى الكبيرة التي جاء بها فلاسفة مثل سقراط وروسو وسارتر استطاعت ان تحرك الجماهير وان تحدث تغييرات في المجتمع انطلاقًا من ابسط مكوناته وهم العمال والفلاحين والكسبة من الناس اكثر من انطلاقها من الطبقة المثقفة والواعية، وهذا يدل بحد ذاته على ان هذه الفلسفات كانت متاحة لكل الناس وكتبت لكل الفئات وليست حكراً على طبقة محدودة دون أخرى.

في كتاب "دعونا نتفلسف" حاول علي حسين ان يعود بالفلسفة الى مهدها الذي انطلقت وان يربطها بجذورها وبيئتها من خلال خمسة وعشرين موضوعا ضم في طياته بعض من السير الذاتية والمواقف والقصص والأزمات الفكرية والمتبنيات العلمية لخمسة وعشرون فيلسوف، ساهموا في تغيير عالمنا ودفعه نحو الافضل، ابتداءً من طاليس وانتهاء بسارتر مروراً بسقراط وافلاطون وارسطو وهيغل وديكارت وسبينوزا وهيوم وهيغل وكيغارد ونيتشه ورسل وعبدالرحمن بدوي وغيرهم ممن مثلوا الخط العريض للفكر الإنساني في تاريخه الطويل، وعملوا على توجيه الفكر والحضارة الإنسانية نحو التطور والرقي، ونجحوا في تأسيس ام العلوم التي قدر لها ان تتفرع لتشكل العديد من الاختصاصات العلمية والأدبية كعلم النفس والاجتماع والرياضيات والتاريخ بل وحتى علوم الفلك والفيزياء وغيرها من العلوم التي كانت تعد (حتى وقت قريب) احدى فروع واهتمامات الفلسفة والفلاسفة.

ان الأسئلة والأفكار والفلسفات التي طالما كانت حكراً على المكتبات ورفوف المختصين من القراء والمهتمين بالدراسات الفلسفية، هي هدف الكتاب الرئيسي، في محاولة لجعلها متاحة للجميع، وبإمكان أي قارئ ان يطلع على هذه المقدمات وان يستمتع بها ويعيش عوالم الفلاسفة ومحنتهم في بحثهم الدؤوب عن إجابات لأسئلة الوجود الخالدة، وسيمكننا الكتاب من الاطلاع على العديد من الأفكار العظيمة في طور نشأتها الأولى والتعرف على العقول الجبارة التي تمخضت عنها هذه الأسئلة، من خلال تقديم الفلاسفة وافكارهم بأسلوب سلس وبسيط ومتاح للجميع بعيد عن التعقيد ودون الخوض في التفاصيل التي يتركها للراغب بالبحث من خلال وضعه لقائمة بالكتب المختصة والتي ينصح بقراءتها في نهاية كل فصل من فصول الكتاب الخمسة والعشرين، بالإضافة الى قائمة اخرى في نهاية الكتاب تضم مائة كتاب في الفلسفة وتاريخها وافكارها واسئلتها تضمن لمن يقرأها المعرفة الفلسفية التامة .

قد لا يكون كتاب "دعونا نتفلسف" هو الأول من نوعه وليس الاخير في فكرته ومضمونه، فقد سبقته العديد من الكتب التي تناولت نفس المواضيع وبنفس الاهداف، ولكن ما يميزه هو اسلوبه السلس ولغته البسيطة والبعيدة عن التكلف والتصنع، والتي نجح علي حسين من خلالها في جعل الفلسفة متاحة لأكبر عدد من القراء، ويمكن اعتباره مقدمة ومنطلقاً لعناوين أخرى اكثر تعقيدا واكثر تخصصاً وهذا بالضبط هو هدف الكاتب والكتاب.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى