أ. د. عادل الأسطة - كما لو أننا هنود حمر، كما لو أننا سود جنوب أفريقيا قبل أربعة عقود :

عندما علا صوت المآذن صباح أمس يقرأ فيه القاريء الآية القرآنية ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ... ) قلت :
- خير ! اللهم اجعله خيرا .
وذهبت بي الظنون مذاهب شتى ، فتساءلت إن كانت شخصية كبيرة مهمة انتقلت إلى رحمته تعالى وهي على رأس عملها ، وسرعان ما اتضح الأمر .
الشهداء كانوا أربعة من جنين ، وسرعان ما تذكرت قول الشاعر مظفر النواب في أبناء جنين ومخيمها في نيسان ٢٠٠٢ :
" هذا الفتى البهي من جنين
حذاؤه أشرف منهم جملة ومفردا
هيهات أن يلين " .
وظللت عصر أمس استمع ، من خلال إحدى الإذاعات ، إلى الأغاني والقصائد الوطنية التي تليق بالمناسبة ويتكرر بثها كلما جدت مناسبة ، وما أكثر ما تتكرر اعتداءات جنود شعب الله المختار على " الغوييم " من الفلسطينيين !
كما لو أننا صرنا الهنود الحمر الذين قتلهم الرجل الأبيض يوم استعمر أميركا ، وشاعرنا استعار حكاية الهنود الحمر وجعل أحدهم يلقي خطبته ما قبل الأخيرة أمام الرجل الأبيض . هل كان محمود درويش في قصيدته يلقي خطبتنا ما قبل الأخيرة أمام أبناء الشعب المختار ؟
كما لو أننا صرنا زنوج جنوب أفريقيا قبل أن تتهاوى دولة جنوب أفريقيا العنصرية ، أيام كان السود يعيشون في معازل خاصة - إن خرجوا منها أطلق الرجل الأبيض عليهم الرصاص !!
هل صارت جنين ومخيمها وقراها معازل للفلسطينيين ينبغي أن يعيشوا فيها كما كان السود في جنوب أفريقيا يعيشون ؟
آخر ما قرأته عن الحلول السياسية المقترحة من دولة أبناء العمومة حل الإقصاء ؛ إقصاء الفلسطينيين ممن يقيمون في منطقتي ألف وباء ، بل ومنطقة ج ، عن المناطق اليهودية بحيث لا تحدث احتكاكات . هل الاغتيالات تمهيد لهذا وتحذير للفلسطينيين أيضا ؟
وأنا عائد مساء من غرب نابلس إلى شرقها عرفت أن المستوطنين سيدخلون الليلة إلى مقر قبر النبي يوسف ليتعبدوا فيه . هذا يعني أن على الفلسطينيين الانسحاب من المكان ، ويعني أيضا أن من لا ينسحب قد يعرض نفسه للخطر ، وما أكثر ما يعرض الشباب أجسادهم للخطر ، إذ يعدون ويستعدون لقذف المستوطنين وسيارات الجيش التي تحرسهم بالحجارة ، وفوق هذا إغلاق الشارع وإشعال الإطارات المطاطية .
على زاوية الشارع القريب من مقر النبي يوسف يبيع يوميا ، مساء ، صاحب سيارة الشاورما ، وغالبا ما يكون الزبائن ينتظرون دورهم . الليلة لم يكن صاحب المطعم المتحرك موجودا ، وعرفت من أخي أن المواطنين الفلسطينيين يكونون، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ، على علم بقدوم المستوطنين ، وأن عليهم - أي المواطنين - أن يخلوا الشوارع وأن يغلقوا المحلات ، حتى يقرأ المصلون أسفار توراتهم بهدوء ، فيتقبل الله طاعاتهم ويباركهم ويفضلهم على العالمين .
كما لو أننا الهنود الحمر ، كما لو أننا سود جنوب أفريقيا في القرون الماضية !!
هل ستكون نهايتنا نهاية الهنود الحمر أم ستكون نهاية دولة الاحتلال نهاية دولة جنوب أفريقيا قبل ثلاثة عقود ؟
الطريف أنني وأنا جالس ظهرا في مقهى رصيف جلس إلى جانبي أحد معارفي ممن يعملون في فلسطين المحتلة ١٩٤٨ وأخذ يتحدث معي ويكيل لأبناء العمومة المديح بلا حساب . هل رأى فيما كتبته مرة تحت عنوان " في مديح الاحتلال " كتابة جادة لا كتابة ساخرة ؟
رحم الله شهداءنا وألهم ذويهم الصبر والسلوان ، والخزي والعار للقتلة .
صباح الخير
خربشات عادل الاسطة التي لا تنتهي . ( ذاكرة سهام داوود )
١٧ آب ٢٠٢١ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى