محمد ابراهيم الصومالي - صورتي في مرآة كتاباتي

[HEADING=1]أنظر برؤى الأمل إلى حركة الحياة العقلية , في ارتقائها المحرور والمتعب قمم الحقيقة الساطعة , وفي مسيرتها الصعبة إلى الخلاص اليقيني .[/HEADING]
ألج عالم الأفكار , يتبدى لي في أوان تبصر وذكرى , أن نتاج الروح لم يتوقف أبدا , وأنه في تعاليه المتواصل يسلك طريق " التطور المنفتح " , وهو تطور يتنكب لمبدأ التجانس والتشابه بين الفرد وسائر أفراد المجتمع من الوجهة النفسية , ويقوم على مبدأ التنوع والتغاير الذي يرجع إليه , وحده , دفع الحياة الروحية في طريق التحقق والنمو .
في رأيي , لولا ظاهرة التنوع بين الكتاب والمفكرين لما أضيف جديد إلى تراث الإنسان الروحي .
فالإضافة التي تغتذي بها حركة الروح , وتسير صعدا باتجاه الحقيقة والخلاص , ليست غير نتاج التمايز الظاهر في شخصية الأديب بالقياس إلى سائر الأدباء , واختلافه عنهم بالنظرة إلى الحياة والكون , وفي تعبيره عن هذه النظرة .
يأتي الموت يخرج من تباعد حصل في الحياة إلى تآلف تم في مسيرة حركة الروح عبر التاريخ حيث النقائض تتهادن وتنتظم حلقات متشابكة متفاعلة فيما بينها . ويكسب هذا الجهد المتصافي رحلة ارتقاء الأفكار إلى مشارف الحقائق المحررة دفعا جديدا , وبعدا نفسيا بكرا هو من فعل التنوع والتباين الذي يؤدي إلى التباعد والافتراق في الحياة .
فعل الانتحار يضع حدا للحياة بمنطق من يريد ألا يولد , وبشهوة من يريد أن يرحل .
ولو لم يمت منتحرا لامتنع عليه أن يموت بعلة ما , لأنه أصيب بأدهى العلل ولم يمت , علة الحياة المنتقلة إليه بالولادة .
منذ البدء كانت كتاباتي وجها من أوجه عبادتي لنفسي التي خلقها المبدع , والواقع أنني أردت , منذ طفولتي أن أكون فريد عصري , فأحببت , عن عمد , صورتي في مرآة كتاباتي , كما يحبها من يتراءى في مبدع أفكاره وآثاره .
لذلك جاءت محبتي لنفسي عبادة لله خالصة ...
من يقرأ كتاباتي , يدرك تماما أن التباهي والإعجاب بنفسي هما , في الواقع , تحول وارتداد خائب لشعور الكره والازدراء الذي أقابل به التاريخ والجغرافيا والحضارة المزيفة والعولمة المفتعلة ...
ليس في شكل من أشكال الحب ما يدعو صاحبه إلى التهور , لأن محبة الذات كمحبة الآخر تحنو على موضوعها في محاولة المحافظة عليه , ودفع الأذى عنه .
ويظهر هذا التوقي حتى في حالة خفوت الحب وتناقضه في نفس صاحبه , عندما لا تكون العاطفة , في توجهها إلى الذات , موضوع حبها , هياما وتدلها .
أعيش في ألم التأرجح المأساوي بين النقائض , فأنتقل من الإلحاد بكل الأشياء إلى الإيمان المطلق , ومن القديم التراثي إلى الجديد العصري , ومن الزمني القياس إلى الديني المسار , ومن النبل والرفعة إلى الضعة والسقوط , ومن النضج الفكري والوحي إلى الغرارة في التفكير ... على علم مني بأن هذه النقائض واحدة في الجوهر ... ولا شيء يستوجب الاهتمام ما دامت الأضداد واحدة في الجوهر .
وددت في حياتي أن أختار , من جملة المفاهيم العارضة والسلوك الطاريء , ما أنتصر به على عصابي فأندفع في قلب الحياة أذوقها بلذة الإنسان السوي , فاخترت الرفض والقوة والإيمان , كأشياء ورثتها عن الأجداد ولم أخذها بحيلتي وإرادتي , كما اخترت السخر من حكمة الإنسان والأرض .
وقد وقفت من هذه الأفكار والنظائر موقف المحتمي بها , الهارب من خوفه إليها , لا موقف المؤمن بصدقها وأحقيتها .
فلست أستطيع الاختيار . ومحاولتي هذه تشبه محاولة من يتفانى في مساعدة الآخرين لغرض الاحتماء بهم هربا من وساوسه وأشباح نفسه .
النفوس غير المتعافية وحدها تشعر بأنها موجودة وبأنها تحيا , وأنا أكثر إحساسا بالوجود وبالحياة .
صرفت عمري بين الإحساس العميق بالحياة وبالوجود في مجاهدة لمحبة الحياة وتذوقها واحترامها وتعظيم الذات .
أنا في ظمئي إلى المطلق , وفي تطلعاتي إلى الكمال , لم أجد بدا من أن أقف في مواجهة مع القدر .
لأنني أعي تماما حالة عدم التكافؤ بين تطلعاتي العملاقة وقدراتي المحدودة على تحقيقها .
ويتدخل القدر ليفصل بين القناع والوجه فصل الأمنية العريضة عن الفعل القاصر .
أتألم للمحبة المتعاظمة أو المخبوة للذات , إذا تحولت قناعا مستعارا من خيوط البطولة المتفانية , والحب المتوهج المتفائل , تخفي بشاعة الحياة في انطباعها داخل النفس , وفداحة الشعور بأن أي تحرك إنساني , مهما يكن صغيرا وعاديا , هو ضرب من الصراع , ولكن بلا إيمان , وزودا عن لا شيء ...
المعنى الآسن العفن للحياة هو الذي فجر في دخيلتي افتخارا كاذبا بالنفس ونفاقا في التعامل مع الآخرين , وتقديسا مخادعا لمظاهر القوة , وشعورا كلبيا أمام النظم والقيم والأعراف , وجرأة خائفة تقتلني بكثافة الحب التي تقتل بها بعض الحيوانات بعضها الآخر اثر عملية المضاجعة .
كيف يمكن أن يكون الافتخار بالنفس زهوا حقيقيا , واختيالا متشاوفا , وإعراضا صريحا عن التواضع , وقد تساوى في هذا الزمن العاهر الشموخ وخفض الجناح ؟
وكيف يمكن أن يكون التقديس للقوة تحرقا إلى البطولة , وولها بالخارق , واحتقارا للضعف , وقد استوت في هذا العصر الصلادة والخور ؟
وكيف يمكن أن يكون احتفائي بالشمس فرحا بالكائنات , وتفاؤلا بالبدايات , ولعنة للظلمة , وقد ألف الواقع بين النور والعتمة ؟
وكيف يمكن أن يكون اطمئناني للصداقة بين ذوي الخلق الرفيع , ومقياس الاستمرار رهن بمدى تقاطع المصالح الآنية ؟
وكيف يكون الحب مودة ورحمة بين ذكر وأنثى ؟
وقد ربط كل منهما هدفه بأدرانه النفسية , ومكاسبه التي يحاكيها ؟
أقبل بفرح كبير , ورضى وتسليم , كل ما ليس لي عليه فعل من أحكام الله والطبيعة .
فالموت بالنسبة لي , يتأدى عن إرادة مفارقة لإرادتي , وأخضع لقانون علوي فرضته القدرة الإلهية .
لذلك فالحكمة في العيش وفاقا لهذا القانون وأتقبل أحكامه بقناعة من يرد شيئا معارا , لا بخيبة من يفقد ملكا منتزعا ...
إن لهفتي على الحقيقة , وغيرتي على انتصار القيم الروحية , ودفاعي عن كرامة الإنسان سببا في إحساسي العميق بقيمة الحياة وجداء الكتابة .
في اعتقادي الراسخ أن شوط الحياة لا ينتهي عند القبر , وقد دلني إيماني على أن الخروج من العالم بالموت ليس خروجا من الوجود إلى العدم , بل انه خروج من الوجود الظل إلى الوجود الحق ...
إن يقيني بالحياة الآخرة هو الذي حدا بي إلى محبة الحياة الدنيا للارتفاع بمن فيها من البشر عن باطل التحولات إلى يفاع الثوابت من خوالد المطلقات .
كتاباتي على اختلافها مضمخة بالإخلاص , عامرة بالتفاؤل , حافلة بمعاني الرفعة , مجلوة الأفكار بأسلوب راق يشف , , عن لطائفي الذهنية , وألق لمحاتي الرائدة .
أضمن كتاباتي عصارة التأمل , وأكشف فيها عن تفاؤلي بالغد , وأنظر إلى ما أنا فيه نظرة تقدير .
وما أكتب اليوم , إنما يعبر عن تلك اللحظات النفسية التي تبدع الفن .
وهي لحظة حضور النفس لذاتها .
والتعبير عما أحسه في لحظة غنية من لحظات الحياة .
حيث تتوضح في هذه اللحظة علاقتي بنفسي , وبالآخرين وبالعالم .
والفن الذي أبتكر ليس غير ديمومة أدأب على الوصول إليها والاتحاد بها لأنها منبع كل خلق أصيل .
أعتبر كتاباتي شاهدا حيا على مواقفي من قضايا الحياة , إنها حصيلة لقائي ورؤيتي بلمحة معمقة لتاريخي .
وقد تجسد في زمن حاضر بفعل الذاكرة الحانية على غابر الأحداث ومنجزات الروح , تنجيها من تبدد وضياع .
في سكرتي بالحق أتمثل نشاطي الروحي في لحظة شعشعانية , وأرى تاريخ فكري الحي , وقد جمد في زمن متحجر , اتخذ له مكانا تنعكس فيه خصائصي الأدبية وسجاياي الإنسانية .
أعرضت متعمدا عن كل دعوة مباشرة إلى المباديء التي يروج لها ... وأطللت من زاوية واسعة على مواضيع روحية أعالج بها مسائلي , وكل ما كتبت , يدل بايجابية إلى نظرتي الخاصة بقضايا الدين والروح .
وتدل على إيماني الراسخ بالقيم الروحية والخلقية الرفيعة .
رابطا كل الأشياء بقوة الشعور عندي وصدق إيماني بتعاليم السماء .
أهدف في كتاباتي على تنوعها إلى ضرورة الإيمان بوجود قيم جمالية وفنية ثابتة لا يعتريها تغير .
بحيث يتصل الفكر الحاضر بالفكر الماضي اتصالا وثيقا بفعل الإيمان , ويرتفع الفن عن الأحكام النسبية بعد الحد من تغير قيمه وتحول مفاهيمه .
هادفا في نتاجي الفكري إلى تدعيم حضارة الروح , وتعزيز الأخلاق , والرجوع إلى الوحي في محاولة لإعادة بناء اليقين .
أضمن نتاجي المتعدد أمشاجا من الفكر الماورائي , بروح مرنة منفتحة على كل الأفكار الدينية , في محاولة للإيفاء بتطلعات الإنسان إلى حياة أفضل .
أفعال الإنسان تتأتى عن الشهوة والغضب , ومتجذرة في قلبه بوسائل القمع والقهر , ويبرز في كل بقاع الأرض وجه الحياة الإنسانية المظلم , ويبلغ شأوه العميق في صراخ المعذبين في الأرض , وتصدعهم أنينا , وتفتيشهم , على الرغم من ألمهم الممض , عبر ليل التجلد والاحتمال , عن ندوب جراحات في السماء يتداوون بها .
وإنني مؤمن تماما بنهاية قيامية تخرج الإنسان من أرض الألم والشقاء , وتحرر الأنفس المعذبة لتعود إلى مبدئها فتسعد بحضرته .
أعتبر التاريخ الإنساني خدعة وسراب , ينطوي على كم كبير من المخازي والشرور .
والخروج من هذا العالم لا يتحقق إلا بالنفاذ من حدود الزمان والمكان .
كتاباتي تعبر عن نظريتي التي تربط الأرض بالسماء ربطا متفائلا , فحركة الحياة متعالية إلى الأخلاق , عندما ترتبط بالمعنى الواسع لها , لتعبر عن فعل التناغم القائم فيها بين مظهري المادة والروح , بين المعقول واللامعقول , وبين اللزوم والمصادفة , وتتعاظم الفائدة عندما نتلمس الانسجام داخل العالم .
أنا مؤمن بالله عن طريق ما يرد منه إلى الفكر الذي يصنع الحضارة من بوارق واشراقات .
وهذه السوانح الملهمة هي التي تنقي الروح من شوائب الغضب وتسمو بها إلى العطاء المجدي .
أكتب لأغلب فعل الخير على الشر في نيات البشر وأفعالهم , وأحرض الإنسان كي ينطلق من موقف متفائل إلى التغني بمنجزات الروح , والسمو بمعاني الحضارة عن مؤثرات الغرائز والنزوات ... وبهذا أقوم بتعميق إيمان الإنسان بجمال الحياة وسموها , على الرغم من المظالم والفواجع التي يعانيها في مسيرته ...
أؤمن أن الشرور والنواقص التي تعترض سير الحياة , تتأتى عن ارتباط نظرتنا إلى هذه الشرور والنواقص برؤية جزئية ضيقة , توقفنا من لوحة الأفعال الحاصلة والأحداث الواقعة على بعض ألوانها القاتمة . وهي ألوان إن عرضت لنا من زاوية حادة بدت معتمة , وان عرضت لنا من زاوية منفرجة ظهرت واجبة في موضعها , منسجمة مع ما يجاورها من أصباغ , ضرورية لتمام معنى اللوحة في دلالتها على مقصد صانعها من إرادة الخير ورعايته .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى