لطيفة زهرة المخلوفي - الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي.. الحلقة الثانية

الحلقة الثانية


قدمت الكاتبة والمترجمة النسوية رحاب منى شاكر اسهامها القيم مقتفية أثر الحريم في كتابات فاطمة المرنيسي، وذلك من خلال تتبع الارث الغني للمرنيسي كصوت نسوي ارتفع من داخل مجتمعات الحريم.
سبق وأشرنا سابقا حصر رحاب منى شاكر تمظهرات الحريم في : الحريم العائلي، الحريم الجنسي، الحريم الاقتصادي، الحريم السياسي، والحريم الأوروبي.
وسنتوقف في هذه الحلقة عند مفهوم الحريم الاقتصادي، من خلال استدعاء "نساء الغرب، دراسة ميدانية (1985)". وهو أحد البحوث الاجتماعية المبكرة للمرنيسي.
عمدت الدراسة الى تسليط الضوء على المساهمة الاقتصادية للمرأة البدوية في غرب المغرب، وتشير المرنيسي الى أن تدني حال المرأة اقتصاديا راجع إلى انقسام المجال الاجتماعي إلى قسمين : أحدهما خصوصي والآخر عام، الأول منزلي والثاني اقتصادي.
وهو انقسام تراه رحاب منى شاكر ذو بعد عميق مما جعله أرضية ترتكز عليها بنية الحريم.
وفي سياق التفصيل في الحريم الاقتصادي، أشارت المرنيسي إلى أن ارتباط المرأة بالخاص والمنزلي (أي بالحريم)، لا يعني أنها لا تعمل، فالمرأة تعمل طوال النهار، لأنها أول من يستيقظ، وآخر من ينام. لكن عملها غير مأجور، ولا يحصل على التقدير الكافي رغم أهمية أعمال الرعاية، لا يقتصر جهد النساء على العمل المنزلي بل يتعداه في المجال القروي الى العمل الفلاحي من حرث وجني، وعناية بالأرض ورعي الدواب.
ان المرنيسي من خلال بحثها اعلاه سلطت الضوء بشكل مبكر على أحد النقاشات الهامة اليوم في الحركة النسوية، وهي النساء داخل دائرة اعادة الإنتاج، والتي تنتج النساء من خلالها الحياة فيراكمن الشقاء والتبعية وتراكم الرأسمالية الثروة والربح.
توضح الكاتبة أنه حتى عندما تنتج المرأة أشياء صالحة للبيع، يكون رب الأسرة هو الوسيط بينها وبين السوق سواء كان أبا أو زوجا أو أخا، ويظهر هذا جليا في نسج النساء للزرابي التقليدية ومختلف الاعمال اليدوية بالقرى، حيث تبقى علاقتهن بالسوق غير مباشرة.
تحكم مجتمعات الحريم قبضتها على حياة النساء، فعندما تتجاوز المرأة حدود الخصوصي إلى العام من أجل العمل أو شيء آخر تواجه رفضا كبيرا من محيطها الذي لا يمد يد العون، بل تواجه بالعقاب على جرأتها بنبذها أو باستسهال اتهامها بالفساد الجنسي.
وفي حالات عدة بحصرها في مجال العمل الجنسي المأجور.
على امتداد مسار حياتها، دافعت المرنيسي بشدة على ضرورة تحطيم الحاجز بين الخاص والعام الذي يكبل طاقات النساء ويقيد حركتهن، وفي المقابل دافعت عن أهمية العمل المأجور؛ اي حين تتلقى المرأة أجرا لقاء عملها.
ترى المرنيسي أن هذه الخطوة اشارة لبداية هزيمة العملية الصامتة للسيطرة الأبوية.
إن كسر الحريم الاقتصادي خطوة لها أهميتها في المجمتعات عامة، خصوصا انها ترتبط بشكل بنيوي بالتوزيع العالمي للثروة، لكن عملية التكسير هذه كما نراها لا ترتبط أبدا بتحسين سلوك الرجال أو تقوية عزيمة النساء. لأنها سؤال اجتماعي وليست مجرد شأن هامشي، الاجابة عن هذا السؤال سياسية. لأن الهموم والمآسي اليومية للنساء هي بالضرورة قضايا كبرى، وحلها لا يمكن أن يكون ذو نجاعة الا عندما يبوثق مختلف منطلقات النضال النسوي.

لطيفة زهرة المخلوفي -



240566364_2074933992670001_2490689722354361662_n.jpg


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى