براتراند راسل - الدين و الأخلاق

يقول كثير من الناس لنا أنه بدون الإيمان بالإله لا يمكن للإنسان أن يكون سعيداً ولا فاضلاً. بالنسبة إلى الفضيلة يمكنني أن أتكلم فقط انطلاقاً من المشاهدة، وليس من التجربة الشخصية، أما بالنسبة إلى السعادة، فلا المشاهدة ولا التجربة قادتاني إلى التفكير بأن المؤمنين أسعد أو أشقى، بصورة عامة، من غير المؤمنين. إن من المألوف أن نجد أسباباً كبرى للشقاء، لأن من الأسهل على المرء أن يفتخر إذا ما كان باستطاعته أن يعزو شقاءه للافتقار إلى الإيمان، بدلاً من أن يعزوه للكبد. أما بالنسبة للأخلاق فإن قدراً كبيراً منها يتوقف على الكيفية التي نفهم بها هذا المصطلح. من جهتي أعتقد أن أهم الفضائل : اللطف والعقل. العقل تعوق عمله العقائد كلها، أياً كانت، و اللطف يحول دونه الاعتقاد بالإثم والعقاب ( وبالمناسبة هذا الاعتقاد هو الوحيد الذي ورثته الحكومة السوفييتية من المسيحية الأرثوذكسية ).

ثمة طرق عملية جديدة يمكن من خلالها للأخلاق التقليدية أن تتدخل بما هو مرغوب فيه اجتماعياً. إحدى هذه الطرق منع انتقال الأمراض التناسلية. لكن الأكثر أهمية هو تحديد عدد السكان. إن التحسينات التي أدخلها الطب جعلت هذه المسألة أكثر أهمية بكثير مما كانت من قبل. فإذا لم تُغيِّر الأمم والأعراق، التي ماتزال غريزة الإنتاج كما كان البريطانيون قبل مائة عام، عادتها في هذا المجال، فلا أمل للجنس البشري في أن يتوقع سوى الحرب والفقر المدقع. وهذا أمر معروف لكل دارس عاقل، لكن لا يعترف الدوغمائيون اللاهوتيون به.
أنا لا أعتقد أن اضمحلال الإيمان الدوغمائي يمكن أن يفعل أي شيء سوى الخير. كما أقر في الحال بأن نظماً دوغمائية جديدة كالنازية والشيوعية، هي أسوأ بكثير من النظم القديمة، لكنها ما كانت لتستطيع أن تقبض على أذهان الناس لو لم تكن عادات دوغمائية متزمتة قد غُرِست في تلك الأذهان أيام الشباب. فلغة ستالين ما تزال ملأى بالآثار المتبقية للمعهد اللاهوتي الذي تلت فيه تدريبه. أما ما يحتاجه العالم اليوم فليس العقيدة المتزمتة، بل موقف التحقق العلمي، يدعمه الاعتقاد بأن تعذيب الملايين أمر غير مرغوب فيه، سواء وقع على يد ستالين، أم على يد آلهة متخيّلة تشبه المؤمنين.

____________________
📕
براتراند راسل، لماذا لست مسيحياً، ترجمة عبد الكريم ناصيف، دار التكوين، سوريا، ٢٠١٥.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى