مقتطف شريف محيي الدين - نهاية الفتنة الكبرى (حكمة الحسن بن علي رضى الله عنهما)

بعد مقتل الإمام علي رضي الله عنه، بدا للعقلاء أن الفتنة ستزداد اشتعالاً.
فقام أهل الكوفة، وبايعوا الحسن بن علي رضى الله عنه، فجعل على قيادة الجيش عبيد الله بن العباس.
هذا وقد خرج الحسن رضى الله عنه بجيش كثيف إلى المدائن للقاء معاوية ، يصفه الحسن البصري رحمه الله بقوله: استقبل -والله- الحسنُ بن علي، معاويةَ بكتائب أمثال الجبال.
وأتى معاوية حتى نزل مسكن، وهناك شاهد أهل الشام تلك الجحافل، فقال عمرو بن العاص:
إني لأرى كتائب لا تولِّي حتى تقتل أقرانها!
فقال له معاوية : أيْ عمرو!
إن قَتَل هؤلاءِ هؤلاءِ وهؤلاء هؤلاء مَن لي بأمور الناس، مَن لي بنسائهم، مَن لي بضيعتهم.
فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال:
اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه.
فأتياه فدخلا عليه فتكلما، وقالا له فطلبا إليه؛ فقال لهما الحسن بن علي:
إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها.
قالا:
فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك.
قال: فمَن لي بهذا؟
قالا: نحن لك به.
فما سألهما شيئًا إلا قالا: نحن لك به.
فقال الحسن:
ولقد سمعت أبا بكرة يقول:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يُقبِل على الناس مرةً وعليه أخرى ويقول:
"إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
و ضع الحسن بن علي بن أبي طالب
شرطا للبيعة، وهو أساس المبايعة التي قام بها أهل العراق له بأن يكونوا مسالمين مع من يسالمهم، ويعادون من يعاديهم،وبعد أن نجح الطرفان ووقوع الصلح بينهما حاول الحسن أن يقوم بتهيئة نفوس من معه بالصلح ومحاولة تقبله، فبدأ الحسن بالخطبة بينهم؛ حتى يبين ما تم بينه معاوية، وعندما كان يخطب بالناس هجم عليه بعض معسكرة يحاولون قتله، لكن الله أنجاه.
قام الحسن بن علي بن أبي طالب بالتنازل عن الخلافة، وقام بتسليم الأمر لمعاوية بن أبي سفيان، بعد أن أنجاه الله من الفتنة التي حدثت في المعسكر، ثم ترك المدائن وعاد إلى الكوفة وخطب في أهلها قائلاً:
إن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية؛ إما كان حقاً لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح هذه الأمة وحقن دمائهم، أو أن يكون لامرئ كان أحق به مني ففعلت ذلك.
لقد أنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم بما سيحدث بعد وفاته بثلاثين عامًا في معجزة عظيمة أسفرت عن التئام شمل المسلمين بعد عَقْدٍ كاملٍ تقريبًا من الفتن والمؤامرات والدسائس التي حاكها أهل الفتن من اليهود والمجوس والشيعة.
كانت تلك المرحلة المظلمة من التاريخ الإسلامي،مرحلة عصيبة، رأينا فيها أعنف مراحل الصراع على السلطة،حيث تداخلت الأمور واختلط على الناس الحق بالباطل،وامتلأت الدولة بالمغرضين والمنافقين، وضعاف النفوس، والمشائين بالوقيعة وإثارة الضغائن والأحقاد.....
و حتما سنخلص إلى أنه مهما بلغ شأن البشر، فإن للملك، والسلطة شئون، و شجون، وما هذه الدنيا إلا دار ابتلاء، فحتى صحابة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ،ليسوا معصومين من الخطأ، فقد تحزبوا وقاتلوا بعضهم، وكل واحد منهم كان يحسب نفسه في جانب الحق و الصواب.
الشيء المؤكد أنهم جميعا كانوا يفعلون ذلك ونيتهم خالصة لوجه الله.
لم يرَ العالم قطّ زماناً انتشر فيه العدل كزمن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ، وزمن الخلافة الراشدة ، وكانت خاتمةُ الخلافة الراشدة بالحسن بن عليّ رضيّ الله عنه وقد تحقّق قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الخلافة الراشدة بأنّها ستكون 30 سنة ، فكانت كذلك بنهاية عهد الحسن بن عليّ رضيَ الله عنهما.
هذا وقد تعددت الروايات حول كيفية وفاة الحسن بن علي رضي الله عنهما، ومن هذه الروايات :
دخل رجل اسمه عمير بن إسحاق مع صاحب له على الحسن بن علي فقال له الحسن أنّه قد لفظ طائفة من كبده بعد أن سُقي السمّ مراراً، فسأله الحسين رضي الله عنه عمّن فعل ذلك به، فأبى الحسن رضي الله عنه أن يخبرهم.
وقيل أنّ جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن هي التي دسّت له السم، حيث رُوي أنه مات بعد أربعين يوماً كان يبصق فيها دما وقطعا من كبده، ذكر الحسن لمن حوله أنه سقى السم من قبل عدة مرات كما رُوي أنّ والد زوجة الحسن الأشعث هو الذي سممه، وقيل إنّ معاوية أغرى أحد خدمه أن يسممه، كما قيل إنّ يزيد بن معاوية راسل جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن وطلب منها أن تدسّ السم لزوجها مقابل مبلغا كبيرا من المال، وأن يتزوجها.
رجّح ابن كثير عدم صحة رواية أن جعدة بنت الأشعث هي التي دسّت له السم،
كما استبعد علماء المسلمين أن يكون لمعاوية أو لابنه زيد أي صلة بموت الحسن وهذا لأن الأمور كانت قد استقرت بين المسلمين وهدأت الفتنة بالفعل بعد أن اتفق الحسن ومعاوية، وتنازل الحسن له عن الخلافة حرصا على وحدة المسلمين، وحقنا لدمائهم.
ومن بين ما تم ذكره إثباتاً لعدم صحتها أنّ الأشعث حما الحسن توفي قبل الحسن بعشر سنوات فكيف يأمر ابنته بقتل الحسن وهو ميت أصلا ؟!
نخلص إلى أن هذه الروايات لم تثبُت ببيّنة شرعية، إنّما كانت مجرد أقاويل لم تؤكّد، و المرجح بين علماء السنة أن الحسن لم يقتل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى