مقتطف شريف محيي الدين - يسألونك عن العدل: قل مات عمر

فهل حقا بموت عمر، مات العدل!؟
إنه الخليفة الراشد الخامس : عمر بن عبدالعزيز، والكنية، أبو حفص.

اسمه : أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة ...

الفترة التي تولى فيها الخلافة : سنتين 99 – 101 هـ, 717 – 720

كان هذا الخليفة ورعا تقيا ،أشبه ما يكون بصحابة الرسول ص.
وكانت تربطه صفات كثيرة، بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي هو جد أمه، وقد شبه به كثيرا في تقصيه وبحثه الدائم عن إقامة العدل، وشدته وحزمه مع نفسه، وقد أخذ من أبوبكر الصديق رضي الله عنه، رحمته ووداعته. .. فهو قد جمع صفات عظيمة لخليفين راشدين جليلين، وهو ما لم يجتمع في أحد من قبله.
ومما يذكر أن بني هاشم وبني أمية جدهم واحد هو عبد مناف.
الأمر الذي جعل يوما معاوية بن أبي سفيان يظن أن جدهم الواحد هذا هو سبب، دفاع على بن أبى طالب عنه، حين رد غيبته في أحد مجالس المسلمين، على الرغم مما كان بينهما من خلافات ونزاع كبيرعلى السلطة .

***
عمر بن عبدالعزيز، لقب بخامس الخلفاء الراشدين، ووضعه المسلمون معهم في مكانة واحدة، ويا لها من مكانة عظيمة لم يحظ بها أحد سواه.
اشتهر بحكمته ورحمته ورجاحة عقلة، لم يخش أحدا سوى الله، حتى أنه قام بجمع كل أموال بني أمية المأخوذة عن غير حق، وقام بإيداعها في بيت مال المسلمين.
بسبب عدله اختفى الفقر وانعدمت البطالة من شتى بقاع أرض خلافته....
حتى أنهم حين كانوا يبحثون عن الفقراء ليعطوهم من بيت المال لم يجدوا أحدا!!
أمرهم برد الدين عن الغارمين، وتزويج غير القادرين على الزواج، ومع ذلك لم ينفد بيت المال.
حتى أمرهم عمر بأن يلقوا بالقمح فوق رؤوس الجبال كي لا يقال أن طيرا جاع في بلاد المسلمين.
كان مبدأه أن العدل هو أساس رقي وتقدم الشعوب، وأن الرحمة فوق العدل.
لم يطلب الخلافة بل جاءت إليه دون رغبته وحين خطب بالمسلمين كي يعفي نفسه منها ويطلب منهم أن يختاروا من يرتضونه، أعلنوا تمسكهم به وأنهم لا يرضون عنه بديلا، فعلم أنه لا مناص له من هذا المنصب العظيم وتلك المسؤلية الكبرى أمام رب العباد، والذي هو لا يخشى أحدا سواه.
***
عمر لم يكن إلا عبدا مؤمنا صالحا، ولم تأخذه الدنيا بزينتها وبهجتها، لم يفتنه المنصب أو الجاه أو السلطة، لم يعنيه سوى آخرته والاستعداد الدائم للقاء ربه.
نزع الأسوار والحلي الذهبية من يد زوجته، ثم وضعها أمامها وخيرها بين استعادتها أو اختياره هو وحده، فكان هو خيارها.

وبينما كان أبناء رعيته يرتدون الملابس الجديدة احتفالا بالعيد كان ابنه يرتدي ملابس بالية قديمة، و بمشاعر الأب دمعت عيناه، خشية أن يكون بقلب ابنه حزن أو انكسار، ولكن ابنه الصالح، قال له :
يا أبي أنا لا يعنيني سوى رضا ربي ورضاك عني
***
في أثناء تداوله مع أحد المسئولين كان الوقت ليلا وكانت شمعة تضيء المكان، حتى بدأ ذلك المسئول يتحدث مع عمر عن أحواله الخاصه، فأمر عمر بإطفاء الشمعة، وأتى بشمعة صغيرة ذات ضوء شحيح.
سأله الرجل لما فعلت ذلك، فأخبره، أن الشمعة الأولى من بيت مال المسلمين وأنه حين فرغ من الحديث عن الرعية وبدأ في أحاديث خاصة، فكان عليه أن يأت بالشمعة الثانية التي هي من ماله الخاص

***
مات عمر مسموما بعد أن وضع له خادمه السم في شرابه.
وكان هذا انتقام أمراء بني أمية منه، بعد أن جردهم من أموالهم التي سلبوها من المسلمين بغير حق وبعد أن قطع عليهم، كل طرقهم وأساليبهم، لنهب البلاد، فباتوا مثلهم مثل أي فرد في الرعية...
اعترف الخادم له بأن ما فعله كان مقابل ألف دينار، وتحريره من الرق .
فأمره عمر بإيداع الألف دينار في بيت المال وسامحه، وعتقه وطلب منه أن يهرب في مكان لا يعرفه أحد.
***
عندما وصل نبأُ موتِ الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله إلى إمبراطور الروم " ليو الثالث " الذي كان خصمًا عنيدًا لدولة الإسلام ، دمعت عيناه، فلما لاحظ أفراد حاشيته حزنه تعجبوا، وسألوه عن ذلك فأجابهم قائلاً : ماتَ والله رجلٌ عادلٌ، ليس لعدله مثيلٌ، ولا ينبغي أنْ يَعجبَ الناس لراهبٍ ترك الدنيا ليعبدَ الله في صومعته،إنما العجبُ لهذا الذي أتته الدنيا حتى أناختْ عند قدمه فأعرض عنها .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى