عواطف أحمد البتانوني - شَرُّ البليَّة.. قصة قصيرة

قسمُ الولادةِ بمستشفى حُكومى . المكان أشبه بموقف للأرياف فى يوم خميس، المرأة على طاولة الولادة تصرخ، الحكيمة " فوقية " تنادي بأعلى صوتها.. يا دكتور" تامر": "الحقني .. العيِّل نازل بالمقلوب، الولادة عسيرة.. " .يرفع الدكتور "تامر " صوته قائلاً لها بعصبية:
ـ تصرفي . هل تراني ألعب! عندي عملية مستعجلة. أين هو الدكتور "سيفّ؟
ـ إنه فوق مكلف بعنبر "المواليد الجديدة" مكان الدكتور "فادي" لأنه مريض.
تنادي : " يا أم منى .. الحقيني بماء دافئ ولفة قطن، وابحثي لي عن الدكتور "محمد". أم منى تزن مائة كيلو على الأقل، تهرولُ بشكل كوميدي، لتلبي طلبات رئيسة الممرضات و تشاركها " أم عبده " و"أم عيد". الممرضات كلُّهنَّ تبارك الله في وزن البط السمين. يبدو أن طعام المستشفى دسم جداً فضلاً عما يستحوذون عليه من طعام المرضى ـ إكراميات طبعاً. المرأة يتعالى صراخُها حتى بُح صوتُها. الحكيمة "فوقية" تنهرها بشدة: " اكتمي الطلقة.. بلاش صوت، أنتِ أول مرة تلدي؟ تردُّ المرأة: " أنا عندي فى وش العدو خمسة". قالت فوقية بعصبية : "جتكم الهم ، هو أنتم أرانب! عندما لمحت الدكتور عبد الله نادته: " يا دكتور عبد الله: " الحقني .. الله لا يسيْك، الولية حتموت. ما كاد الدكتور عبد الله يُلقي نظرة ويستعد للمساعدة، حتى أظلمت الدنيا. النور انطفأ. زعق الدكتور في قرف: " أين "سيد" الكهربائى، إيتوا به من تحت الأرض. مرت عشر دقائق قبل أن يهل "سيد" باسماً فى هدوء، وهو يقول : " يبدو يا دكتور أن المصباح احترق ، سأغيره حالاً" . وضع مصباح النور فوق طاولة الولادة مباشرة ، ثم أسند السلم على سرير المرأة المستغيثة، فما كاد "سيد" يحرك المصباح المحترق لتغييره ،حتى سقطت كمية من الأتربة كانت فوق الغطاء البلاستيكي الذي يعلو المصابيح ، و سقطت كمية لا يستهان بها من الأتربة من السقف الهش بفعل الرطوبة وعامل الزمن على جسد المرأة الممدود وعلى رأس الدكتور، وغطتْ مساحة من أرضية العنبر. سبَّ الدكتور ولعنَ. بينما اكتسى وجه المرأة المبلل بالعرق بالشحوب والاصفرار. أما الأسطى الكهربائي، فهو ثابت هادئ، وأما الممرضات فيتضاحكن غير آبهات ، في حين توزع عشرات الطلبة فى أرجاء العنبر وفى الممرات لدراسة الحالات على الطبيعة. مع رجوع النور مباشرة، صرخ المولود لينضم في "ساعة رائعة" إلى العالم الحافل بالمسَّرات!!! عندما حملتْه الحكيمة "فوقية" إلى عنبر المواليد، كان الدكتور "سيف" يقف أمام منضدة حافلة بالشاش والقطن والخراطيم وأدوات لا يعرف كنهها، وأمامه عدة مواليد قد خرجوا توا إلى الدنيا. فمنهم الصامت ومنهم الصارخ ومنهم الهادئ ينظر كأنه يستطلع هذا العالم الغريب. كان الدكتور "سيف" يدندن محاولاً التسريةَ عن النفس : " السَّحْ الدَّحْ امْبُو/ الوادْ طالعْ لابُوه ْ / يا عينى الواد بيعيِّطْ / هاتو السُّكَّرْ واسْقُوه". ما يكادُ يطمئن على مولودٍ ويعطيه للحكيمة، حتى تأتيه "أم منى" بمولودٍ جديد. فجأةً ضحِك الدكتور "سيف" ضحكاتٍ عاليةً. قالت "سمية" الحكيمة، والنبي بتضحك علي ليه يا دكتور سيف!! دا أنا حقع من طولي من التعب.
قال: ما هو" شَرُّ البَلِيَّة ما يُضْحك " اللى بيقولوا عليه. روقي.. روقي.. تعرفي أنا نفسى فْ إيه دلوقتِ؟ طَبَق كُشَري لذيذ، وكُبَّاية شاي مضبوط..
Écrire à عبدالجبار العلمي
Aa
  • Like
التفاعلات: محمد جنينة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى