أ. د. عادل الأسطة - "أسامة العدناني" سيرة روائية جزئية لنجيب نصار (١٩٣٣)

أنفقت في الأسبوع الماضي ثماني ساعات أدقق في رواية فلسطينية غير معروفة للدارسين، وأحققها ما أمكن أيضا، للمفكر الفلسطيني نجيب نصار صاحب مجلة «الكرمل» وروايات «مفلح الغساني» و»في ذمة العرب» و»شمم العرب»، وقد عرفت بها من خلال صاحب دار الرقمية فؤاد العكليك الذي يعدها للنشر باتفاق مع الدكتور سليم تماري الذي اكتشف الرواية وألقى محاضرة عنها وعن «مفلح الغساني» باعتبارهما سيرة ذاتية لمؤلفهما نفسه.
أعادتني القراءة إلى الدراسات التي أنجزت عن الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ وإلى بعض ما كتب عن نجيب نصار، وهو ما أفعله غالبا في كتاباتي، لأرى إن كان أصحابها ذكروا «أسامة العدناني» وتوقفوا أمامها، فأفيد أولا وأتلافى التكرار ثانيا، فلم أعثر، فيما طالعته، على ذكر لها، وبعد الانتهاء من قراءتها تساءلت إن كان نشرها سيجعل دارسي الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ يعيدون النظر في بعض أحكامهم فيما يخص الشكل الفني للرواية وبعض الموتيفات/ اللازمة/ الأفكار فيها، وكنت شخصيا عالجت موضوعي اليهود والإنجليز في الأدب الفلسطيني بشكل عام.
هناك دراسات كثيرة تناولت الرواية الفلسطينية في تلك الفترة وتناولت نجيب نصار أيضا، ومما قرأته ما كتبه عبد الرحمن ياغي وإبراهيم السعافين وواصف أبو الشباب وفيصل دراج ولم أقرأ فيما كتبوا ذكرا لـ»أسامة العدناني».
إعادة طباعة الرواية ستقدم لنا خدمة جليلة لإعادة النظر في بعض الأحكام عموما، وقد تعدل قليلا أو كثيرا منها، إن في بعض الظواهر النقدية أو في بعض الموضوعات والأفكار، ولسوف أكتب عما يخص دراساتي السابقة، وتحديدا ما يخص أربع أفكار هي:
- رواية السيرة الروائية في الأدب الفلسطيني.
- لازمة توظيف الحركة الصهيونية للفتيات في الأدب الفلسطيني.
- صورة الإنجليز في الأدب الفلسطيني.
- صورة الأتراك في الأدب الفلسطيني.
تعد «أسامة العدناني» أقرب إلى سيرة ذاتية محددة لفترة من حياة كاتبها لا تتجاوز نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية عهد الانتداب البريطاني. إنها شبه مذكرات في الوقت نفسه يكتبها نصار بأسلوب روائي، كما فعل بالضبط في روايته «مفلح الغساني»، وما كتبه فيصل دراج عن «مفلح الغساني» ينطبق تماما عليها؛ أسلوبا وصياغة، بل إن الثانية تتناص مع الأولى، حيث يشير بطلها أسامة إلى نجيب نصار وبطله مفلح أكثر من مرة ويأتي على جدل نجيب مع المفكر المصري شبلي شميل حول الأجدر بالأرض؛ الذي يعمرها أم الذي يهملها.
ولا تخلو الرواية من لازمة توظيف الحركة الصهيونية للفتيات للاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وهي بذلك تعد أسبق من مسرحية محمد عزة دروزة «الملاك والسمسار» (١٩٣٥) ومسرحية برهان الدين العبوشي «وطن الشهيد» (١٩٤٧)، وإذا كان خليل بيدس وظف هذه اللازمة في روايته «الوارث» (١٩٢٠) فإنه كتب عن بيئة غير فلسطينية وعن فتاة يهودية لا فتاة صهيونية.
وتعد «أسامة العدناني» مهمة لدراسة صورة الإنجليز في الأدب الفلسطيني، فقد ظهر هؤلاء في الأدبيات الفلسطينية بصورة سلبية بشكل عام، وهنا يتحدث أسامة/ نجيب نصار عن نماذج إنجليزية تتفاوت فيما بينها ويميز بين الإنجليز كمستعمرين وبين الإنجليز كعلماء ومفكرين وأدباء ورجال قضاء في بلادهم، فيبدو معجبا ببلاد الإنجليز ومتوجسا من جنود وضباط الانتداب.
وتبقى صورة الأتراك، وأظن أن لأعمال نصار قيمة عالية لم يلتفت إليها من قبل إلا نادرا في الكتابة عن الأتراك في أدب تلك المرحلة.
كما يرد في كتابة دكتور دراج عن نصار، فإنه كان عروبيا في زمن الأتراك دعا إلى القومية العربية، ونجا برأسه مرتين متتاليتين، وكان وطنيا في زمن الانتداب، فالإنجليز الذين رحب بهم سرعان ما ارتاب فيهم، بعد أن لاحظ تعاونهم مع الحركة الصهيونية ووقوعهم تحت تأثيرها، وفي هذه المرحلة أخذ يقارن بينهم وبين الأتراك، واضعا القضية الفلسطينية في سلم أولوياته.
يفتتح نصار «أسامة العدناني» التي كتبها في زمن الانتداب البريطاني بالأسطر الآتية:
«خرج أسامة بريئا من ديوان حرب الحكومة العثمانية في الشام، وهو يحمل في نفسه احتراما لكبار الأتراك، لأنه أيقن أنهم يرجعون عن الخطأ متى تبينوه ويحترمون الإخلاص ويقدرون الرجال، ولكنه آلى على نفسه أن يبقى بعيدا عن السياسة، لأسباب شتى، منها أنه لم يكن يرى للعرب مصلحة في الانفصال عن الأتراك».
ثم يبدي عدم اطمئنانه للحركة العربية وخشيته من كون انتقاض العرب على الأتراك ضارا بالعرب.
والكتابة تطول ولا تغني عن قراءة الرواية.

د. عادل الأسطة
2021-10-31



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى