رسائل الأدباء ثلاث رسائل من عبد المجيد مصطفى إلى محمود درويش

* رسالة رقم 1
من عبد المجيد مصطفى إلى محمود درويش

28/9/1965
لأول مرة أكتب إليك بضع كلمات لعلها تجد طريقها إلى سجن محمود الصغير. إن هذه الكلمات أولا وقبل كل شي أصغر مما أن تعبر عما في أنفسنا. محمود أرجوك أن تسمع لي، إني لن أعرف ولن أجرب ما هو وقع سجن صديق أخ عرفته وعرفت ذاته مثلك أبدا "صدق أو لا تصدق. إنك لا تحب المجاملات" شعرت في هذه المرة في حياتي أني ملزم أن أكتب لمحمود كل شيء لدينا، اسأل نفسك تجيبك عنا"
الجبال في محيطنا لن يطرأ عليها شيء يذكر وأنت بعيد عنا، أرجوك أن لا تنسى أنك دائما معنا مهما بعدت عنا، أنا اشتغل في المَكِر وأحمد [شقيق محمود] يقتل الفراغ بالنوم والمطالعة أحياناً وينتظر حينما أعود في المساء لنعيش في جدال تعرفه تماماً ونستقي من أوضاع وأحوال كل الأحداث على مدى مفهومنا وما نعرف.
كم وددنا لو كنت طليقا [ثم كلمة غير واضحة ربما تكون: طيرانا]. كنا بحاجة إليك لقضاء بعض الليالي سويا ولكن كاسك شربناه عنك لأني أعرفك أنك تحب أن تشرب ولكن ليس بإمكانك الآن أن تفعل ذلك وكلنا في انتظارك لنشرب ثانية.
آمل أن تكون نفس محمود التي عهدتها وعزيمته على المضي قدما إلى الأمام في طريقنا "تحدى السجن والسجان، إن حلاوة الإيمان تذيب مرارة الحنظل، أماماً أيها البشر"، أقول لك ومعك: إيماننا لن يتزعزع وسننطلق إلى الأفضل والأعلى معك على نفس الطريق رغم أنف الظالم. نحن بشر ولنا الحق في الحياة مثل كل البشر. قدماً يا محمود إلى الأعلى إلى الأسمى.
ملاحظة:
علمت أنك زرت البيت وكم كنت مسروراً بذلك ولكني آسف جدا لأني لن أراك. وصلت متأخرا بعد سفرك إلى سجنك الصغير بنصف ساعة.
الآن أخبرك عن أصدقائنا في الجريدة: سميح كما هو لم يطرأ عليه أي تغييرـ فهيم رُزِق ولدا، ونحن بانتظار فاطم [زوجة عبد المجيد] حتى تلد وأمل أن يكون ذلك في تموز.

***

*رسالة رقم 2
من عبد المجيد مصطفى إلى محمود درويش

4-10-1967
عزيزي محمود
سلامي إليك وأملي أن لا تكون قد نسيت صديق شاركك أحلامك وآمالك في يوم ما. ما كنت أود لي أن أبعد عن حمى وطني وأهلي والأصدقاء ولكن هذه سنة الحياة تفرض على الإنسان أشياء لا يريدها ولا يخطط لها حين ميلاده.
كتب إليّ الأخ غسان [كنفاني] رسالة في 21/7 يشكرني بها على إرسال الهدية إليه. وأكتب لك حرفيا ما جاء في رسالته، أي بعض منه:
"أرجو أن تكونوا قد اطلعتم على سلسلة من المقالات التي كتبتها حول الشاعر وزملائه بالإضافة لكتابي..* الذي لا أشك أنكم اطلعتمم عليه. وأنا أحاول الآن أن أكتب مجددا حول هذا الموضوع ذاته "وأرجو أن لا أكون ثقيلا حين أطلب منكم مساعدة أحتاجها فعلاً" "هذا القول لي طبعا" [جملة معترضة من عبد الفتاح]. أحاول أن اصدر كتاب ضخم عن الأدب في... [فلسطين المحتلة] وسأحاول بجهدي أن يكون موضوعياً وشاملاً قدر الإمكان ولذلك أرجو بحرارة أن تزودني إن أمكن بما يلي:
(1) [ نسي عبد الفتاح كتابة الرقم 1، فأضفناه] نبذة عن حياتك بالتفصيل وصورة أو أكثر، وإن أمكن نماذج جديدة من إنتاجك خلال العام الماضي. وسأبذل جهدي أن أنشر ذلك في صحف بارزة أي إنتاج شعري لم ينشر من قبل أو نشر على نطاق ضيق.
(2) إذا أمكن أن أحصل على ديوان توفيق زيّاد وسميح القاسم وغيرهما. وعلمت أنه صدر لتوفيق زيّاد كتاب، هل ممكن أن أحصل عليه؟
(3) إذا كان ممكن [في الأصل] أن أحصل على إنتاج قصصي ومسرحي. ونشرنا شيء [في الأصل] من مسرحية (بيت الجنون)* على حلقتين ولاقت صدى لا بأس به في الأوساط الأدبية. هل أستطيع الحصول على أعمال أخرى لهذا الكاتب أو سواه.
أوجز لك [يا محمود] الكلمات الأخيرة [لغسان] "لا أريد أن أثقل عليك، -أي أنا- [جملة: "اي أنا" من عبد الفتاح] إلا أنني أعتقد أنني عاجز عن إيجاد وسيلة أخرى في مهمة أخذتها على عاتقي رغم صعوبتها وهي تعريف أدب... [المقاومة في فلسطين] الذي هو جزء حيوي من الجسد الأدبي العربي المعاصر لقرّاء العربية. وإذ أشكركم سلفاً فإني أعلمكم بأنني على استعداد لدفع تكاليف كل ما تعزمون إرساله لي لدى أول إشارة منكم، راجياً أن تتوطد العلاقة. أود كثيرا لو أسمع قريباً منكم. بإخلاص غسان".
رجائي أخي محمود [والكلام لعبد الفتاح الآن] أن لا تخيب أملي فيك، وهذا واجبي نحو الصداقة التي تربطني بك. إني مستعد لكل شيء مهما كلفني، ذلك لأني أشعر هنا فقط أني أتحرك، ولكن روحي ما زالت متعلقة على أشجار زيتوننا الأخضر، فإن ذبل ومات ذبلت أنا وانتهيت. كن متأكدا مهما كنت بعيدا عنكم أبقى قريباً منكم أكثر من أي وقت مضى لأن طبيعة الحياة هنا جافة لا روحانية ولا حتى الواقعية فيها بل الفوضى الغربية تسودها في جميع نواحي الحياة. ليس من وجود للقيم والأخلاق في المجتمع الغربي. هذا تأكدت منه. ولكني أعرف ما أريد أنا من هذه البلاد وأحقق كل خطوة بتأن وثبات ولا يمكن لي إلا أن أنفذ ما وعدت به نفسي وأصدقائي.
أخي، لقد حرمتني طوال هذه المدة من اللقاء معك ولو مع كلماتك المكتوبة. إنك لن تعودني على ذلك. أو بالأحرى لم أعود نفسي على جفاءك لأنني حينما كنت في البلاد إذا غبت عني أسبوعين كنت أبحث عنك لألقاك، ولكن أطلب منك الآن أن ألتقي معك بكلمات لأتبادل الأحاديث والاشتراك في السهرات لأن البعد سبب ذلك.
الآن أكتب لك عني شخصياً: أسير بعملي وأربح من ناحية مادية وأتعلم اللغة ليلاً، وناوٍ في السنة القادمة أن أدخل معهد صناعي ليلي لعلي أستفيد من وجودي هنا على مستوى أفضل.
من ناحية الأصدقاء لا وجود لهم. هنا كل شيء مبني على أساس مادي. كم تملك من الدولارات تسوى فقط. هذا كل حساب البشر هنا، حتى شبابنا العرب، وهذا مؤسف، بدأوا يستعملون هذه المقاييس المادية. أظن أحياناً أنهم على حق لأنك إذا تحدثت مع أبناء هذه البلاد عن الإنسانية وأخوة الإنسانية أولاً يكون الشخص في موضع للضحك والسخرية. هذه ثقافتهم في الغرب كل شيء مبتذل ومادي لا روحانية فيه. أما البلاد: إنها جميلة وغنية، وهذا ما يعمي قلوب وأبصار أبنائها أن يتطلعوا بعين الحب نحو الشعوب الأخرى. والتعليم هنا مرتبط ارتباطا كليا في الولايات المتحدة، والمبرمج لحياتهم أمريكا. فماذا تتوقع من شعب يقوده عصابات تشيكاغو ولوس أنجلوس غير النوع من هذه الثقافة. على كل حال إني أعرف ما أريد وهذا كل ما يهمني في الأمر.
لقد وصلتني ثلاثة أعداد جديدة من الإتحاد وآمل أن تصلني دائما مع الجديد. وفي هذا اليوم أرسل بعد ساعتين المبلغ الذي طلبه يوسف صباغ إلى حساب الجريدة في البنك العربي.
وأسف يا محمود أنها لم تصلني إلا رسالة واحدة من أحمد لا أكثر. لعل تأخير ذلك لخير. ولكن لا أظن أنه لا يمكن [لـ ] صديق قضيت معه العمر الطويل أن لا يمكنه أن يكتب رسالة ولو كل شهر مرة. أكرر أسفي وأقول أشكر أصدقائي وأشكرهم دائما في جميع الحالات والظروف.
سلامي إلى جميع الأصدقاء والى عائلتك خاصة الوالدين والإخوة جميعاً، وأمنياتي لك خاصة، وآمل أن لا تخيب رجائي فيك وتكتب إليّ بعد هذا الوقت الطويل.
نحن بانتظار الرد ولا تنسى أي شي.
واسلم لمن لا ينساك.
عبد المجيد
4/10/1967
_______________
* كتاب (أدب المقاومة في فلسطين المحتلة) الذي صدرعام 1966.
* (بيت الجنون) مسرحية لتوفيق فياض.

***

رسالة رقم 3
من عبد المجيد مصطفى إلى محمود درويش

20/12/1967
عزيزي محمود
تحياتي لك
أكتب إليك وأنا على أمل أن تجيب ولو على رسالة واحدة من رسائلي، وهذا راجع إليك إذا أردت، بعد أن نفذ صبري من الانتظار الطويل وضغط الأخ غسان علي وتسائله عن عدم تلبيتك لأي طلب من طلباتي المتكررة. أخاف أن يظنني كاذباً لأني وعدتك ووعدته. لقد أرسلت له جميع القصائد التي نشرت في الإتحاد والجديد، وهو يريد أن يصله كل عمل أدبي عن طريقك، أي ما ينشر في الجديد والإتحاد. ومما يؤسفني أن الجديد خاصة يتأخر عن موعد وصوله، وأنا أحتفظ بجميع الأعداد لي على الأقل. إن لم أقرأ رسالة منك شخصياً [فأنا] اقرأ ما تكتب في الصحف. فإن كان ممكن أن ترسلوا لي من كل عدد جزئين [يقصد نسختين؟] لكم الشكر، لكي يتمكن صديقنا أيضاً من الإطلاع على كل شيء. وطلب مني برسالة خاصة أن أشدد في طلبي، فلا أعرف كيف أشدد عندما لا أجد من يرد عليّ،
قرأت أنه سيصدر لك قريباً ديوان جديد. أرجوك أن ترسل إلي ثلاثة [دواوين، أي نسخا من الديوان] إلى أصدقائنا الذين تعرفهم، وثلاثة [أخرى] لي واحد، ولصديقين هنا يدرسون في الجامعة قرأوا ديوانك مني وتمنوا أن يمتلكوا أي شيء من إنتاجك. وأرجو أن تفهمني ولا تثور. كل شيء بثمنه ما عدا الهدايا الخاصة. أنا بانتظار الرد على رسالتي ورسالة الأخ غسان ضمن رسالتك اليّ.
ضمن رسالتي رسالة من غسان لأثبت لك صدقي في طلبي هذا بتوقيعه [رسالة غسان منشورة أدناه، وقد كتبت بتاريخ 15/12/1967، أي قبل رسالة عبد الفتاح هذه بخمسة أيام]. أتمنى لك كل خير، وأنا منتظر الرد سريعاً إذا أمكن.
سلامي الى جميع الأصدقاء وخاصة أبو ماجد.
أخيك [في الأصل] عبد المجيد
20/12/1967

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى