عبدعلي حسن - * (الهايكو العربي) / الإستعارة المنقوصة

مايزال الجدلُ والسجالُ دائراً حول مشروعية وجود قصيدة (الهايكو) في النسيج الثقافي العربي ، وقد انقسمَ العربُ من نقاد ومبدعين بين الرفض والقبول ، ولعل جانب الرفض ليس أنكاراً لمبدأ التأثر والتأثير والمثاقفة بين المجتمعات ، فقد وردت الينا من البنية الثقافية للٱخر اجناسٌ وانواع أدبية لم تكن من مكونات الثقافة العربية من قبل كالرواية والقصة القصيرة والقصة القصيرة جدا والشعر الحر-- لا أعني شعر التفعيلة -- وقصيدة النثر ، وقد تمكن المبدعون العرب من انتاج منجزات أدبية ثريّة أغنت المشهد الثقافي العربي لعقود طويلة وماتزال ، ولعلّ المعطيات الثقافية لهذا المنجز في صورته الإيجابية قد حسم الجدل الدائر حول ضرورة وجود هذه الأجناس والأنواع في النسيج الثقافي العربي مادام هنالك سعيٌ للاشتغال في منطقة قواعد وشروط كتابة هذه الأجناس وإضافة خواص جديدة لاتبتعد عن محركات الواقع بكل تمظهراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، كل ذلك وضع هذا المنجز في منطقة التأثير في المكون المعرفي والجمالية للمتلقي العربي وحاز على مقبولية وجود هذا المنجز ضمن مكونات المشهد الثقافي العربي ، اذن لامناص من فتح قنوات التأثر واستعارة الأجناس والأنواع الأدبية من بيئة الٱخر الثقافية الذي أنتجها وتوفير فرص الخصوصية الاجتماعية عبر محاولات التجريب والإضافة مع الحفاظ علىٰ مايميز كل نوع أو جنس من قواعد بنائية تحافظ على استقلالية الشكل الذي يميّزُ كل جنس عن الٱخر ، وإذا وضعنا ماذهبنا إليه ٱنفاً كمعيار لجدوىٰ استعارة الأشكال الإبداعية من الٱخر ، فإننا سنجد وعبر فحص المعطيات المتوفرة في المشهد الإبداعي العربي لقصيدة (الهايكو) بأن هنالك استعارة منقوصة تفتقر إلى جدوىٰ هذه الإستعارة مادامت تلك المعطيات قد نزعت المكونات البنائية والمعرفية والجمالية من هذه القصيدة المستعارة من البنية الثقافية للمجتمع الياباني ، ولعل هذا التقييم النقدي بحاجة إلى ادلّةٍ موضوعية كيما نكوّن وجهة نظر تقترب من القول السليم والسديد ، وليكون قولنا هذا جزءً من السجال،
وأزاء هكذا مهمة أرى من الضروري العودة إلى الأصول التكوينية لشعر الهايكو ومعرفة الظروف الموضوعية التي دفعت الىٰ ظهوره في منبته الأساس / اليابان ، كيما تتكون لدينا معرفة اوّلية على أقلّ تقدير كيما نتمكن من التوصل الىٰ قابلية هذا الشكل للترحيل الىٰ البنية الثقافية العربية بما تمتلكه من خصائص متباينة ومختلفة عن البنى الاجتماعية الأخرىٰ وبشكل خاص مميزات وخصائص اللغة العربية في استيعاب هذا الشكل بخصائصه الموضوعية ، لتوفير إمكانية استعارته ليكون واحداً من مكونات المشهد الشعري العربي ، فشعر (الهايكو) يُعدُّ واحداً من أهمّ الأشكال الشعرية في اليابان ، وهو عبارة عن قصيدة قصيرة متكونة من ثلاثة أسطر وبمقاطع لفظية موزعة بانتظام على ثلاث وحدات 5و7و5 ولعل هذه المقاطع تسهم في تحقيق الايقاع الداخلي ، وتمثل لحظة التنوير ، وتحاول التعبير عن البهاء الكامن في الحياة ، ويحضر فيها جلال الطبيعة والمظهر العابر للإنسان ومشاهداته الحسية والبصرية المشهدية حسب تماهي الشاعر مع الطبيعة والذوبان فيها والقبض على لحظة التنوير ، فتنطلق الألفاظ بطريقة عفوية وٱنية دون الخضوع الىٰ قواعد وزنية أو قافية ، وبعيدة عن المحسنات البديعية والمجاز ، إن هذه القواعد تعلّلُ مشروعية حيازة هذا الشكل تميّزه الإجناسي وخصوصية تعالقه بالمكان بعدّه مجالاً خصباً لإنتاج مشهدية كهدف نهائي .
من خلال التوصيف الٱنف الذكر لشعر الهايكو الياباني نستطيع أن نتلمس بعض المعطيات الجوهرية التي تحرص قصيدة الهايكو على ظهورها في مبانيها وتوجهها المضموني الذي نراه لايبتعد كثيرا عن منطقة تكريس البنية الصوفية في النص ،
ومن هذه المعطيات أن هذه القصيدة بدون وزن وبدون قافية وأنها متكونة من ثلاث مقاطع لفظية تتوزع على ثلاث أسطر ، وأنها لحظوية تسعى إلى رسم صورة مشهدية للطبيعة في تناغمها وانسجامها ، ولو بحثنا عن هذه السمات والمعطيات في قصيدة ال (هايكو) في النماذج العربية المقترحة فإننا سنجد انها اقرب إلى النص الوجيز /قصيدة الومضة من
قصيدة الهايكو مبنىً ورؤية ، إذ أن القصيدة القصيرة تمتلك امتدادا في بنية الشعر العربي قديمه متمثلاً بالتوقيعات و بيت القصيد في النص العمودي حتىٰ ظهوره بشكل مستقل منذ سبعينيات القرن الماضي عبر القصيدة اليومية تماهياً مع ايقاع العصر المتسارع وتطوره فيما بعد إلى قصيدة الومضة ابتعادا عن طول النص المبالغ فيه للأسباب العصرية ذاتها فضلاً عن إمكانية تحقيق الأثر البلاغي للنص ، وسنقوم بتحليل بعض النصوص التي يدّعي كتابها أنها قصيدة هايكو ،
(جراح تلو جراح
يحاول قلبي
تدوين خيباته
***. صباح الجاسم ...وردة بيضاء )
( انتباه
كدت على فيسبوك
أُضيف نفسي
***
سامر زكريا /سوريا )
( وما أقبحك
جميل انت خلف الأكاذيب
***
بلقيس خالد / هايكو عراقي / كينونة السراب )
إن النصوص الٱنفة الذكر تنتمي إلى قصيدة الومضة ، إذ أنها عمدت إلى المجاز والفنون القولية الأخرى من استعارة وتشبيه لتقديم صورة شعرية حرص الشعر العربي قديمه وحديثه على تخليقها عبر استخدامه للخصائص البلاغية للغة العربية، وتعد هذه النصوص استئنافاً لمحاولات التجريب والتجديد في الشعر العربي من خلال هذه الأشكال الوجيزة كقصائد قصيرة نراها بعيدة عن الموجهات البنائية والرؤيوية لقصيدة الهايكو وحسبما أوردنا من سمات هذه القصيدة ، وَحسْبُ هذه النصوص أنها تنتسب إلى بنية شعرية راكزة في الشعرية العربية .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى