ديوان الغائبين ديوان الغائبين : الطـاهر الحـدّاد - تونس - 1899 - 1935 م

الطاهر بن علي بن بلقاسم بن فرحات الحداد الفطناسي الحامّي.
ولد في مدينة تونس، وبين أحيائها سعى، وفي ثراها ثوى.
تعلم بالكتاتيب القرآنية، ثم بجامع الزيتونة حتى أحرز شهادة التطويع عام 1920، ثم حصل على الجزء الأول من شهادة الحقوق.
اشتـغل محــاسباً بأحد المتاجر التونسية، ثم موظفاً بالجمعية الخيرية الإسلامية، وهو من مؤسسي الحزب الحر الدستوري التونسي 1920، ومن مؤسسي أول حركة نقابية تونسية 1924، وكــان عضــواً بجمعيات: مقاومة البدع والإسراف، إخوان الصفاء، الخيرية الإسلامية.
اشتهر كتابه «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» وأثار حواراً فكرياً وحضارياً، وقد أقيم للمؤلف حفل تكريم بمناسبة صدور الكتاب (أكتوبر 1930).
كان يوقع بعض قصائده بتوقيع مستعار، هو «ضمير».
نال وسام الاستحقاق الثقافي - تونس 1995.

الإنتاج الشعري:
- له: «ديوان الطاهر الحداد» - المركز الوطني للاتصال الثقافي - الأطلسية للنشر - تونس 1997.

الأعمال الأخرى:
- له مجموعة من الرسائل، نشر أغلبها في كتاب: الحداد وفكر الاختلاف، تأليف محمد الميّ - دار أسود على أبيض - تونس 1999، وله مجموعة من المقالات نشرت في الكتب التي أسهم فيها، والكتب التي كتبت عنه. و له كتاب: «خواطر» (تحقيق وتقديم محمد أنور بوسنينة) - الدار العربية للكتاب. تونس، ليبيا 1975، وله بحوث مهمة بعضها بالاشتراك: «الشعب التونسي والتجنس»: تونس - 1924 (بالاشتراك). و« الجناة» - تونس 1925 (بالاشتراك)، و«العمـــال التونسيــون وظهــور الحــركة النقــابـــية» - مطبــعة العــــرب - تونس 1927، و«امرأتنا في الشريعة والمجتمع» - المطبعة الفنية - تونس 1930، و« التعليم الإسلامي وحركة الإصلاح في جامع الزيتونة» (تحقيق وتقديم محمد أنور بوسنينة) الدار التونسية للنشر - تونس 1997.
«الوطن» هو الموضوع الأساسي والمحوري في شعره، من ثم تكتسح الفكرة المسيطرة مطالب النداوة الفنية، فالشعر عنده وسيلة لإبلاغ الأفكار، وسيلة إلى غاية. ولعل هذا أساس عدم مسايرته لاتجاهات التجديد في عصره، إذ ظل تقليديًا مقتديًا في نظمه، لا يتأنق في اختيار اللفظ، ولا يتروى في تنويع الإيقاع، فالأقرب إلى فكرته هو الأولى بأن يقال، ولهذا تراجع دور الخيال، وعبر فكر الحداد إلى دراساته ومؤلفاته التي يمكن أن ينظر إليها في ضوء شعره، أو العكس.

مصادر الدراسة:
1 - أبو القاسم محمد كرو: عبقرية الحداد - دار المغرب العربي - تونس 1999.
2 - أحمد خالد: الطاهر الحداد والبيئة التونسية في الثلث الأول من القرن العشرين. الدار التونسية للنشر 1967.
3 - محمد المرزوقي، والجيلاني بلحاج يحيى: الطاهر الحداد: حياته، تراثه: دار بوسلامة للنشر. تونس 1967.
4 - ABDEL MALEK (Anouar) Anthologie de la littérature arabe contemporaine : Les Essais. Editions du Seuil - Paris 1965.
5 - Julien (Charles André): L'Afrique du Nord En Marche Editions Julliard 1952.

أملــي

أيـا غائبـاً عـن نـاظريَّ بعـيــــــــــدا = لأنـتَ بقـلـبـي قـد سكـنـتَ وحـيـــــدا
أنـاجـي بك الأشـواق وهْي تهـزّنـي= إلـيك فأحـيـا فـي هـواك سعـيـــــــــدا
ومـا هـذه الغارات تغزو جـوانـبــــــي = سـوى شُعَلٍ تذكـي اللهـيب شديــدا
فأنـت سنى روحـي وأنـت يـقـيـنهــــا = وخمـرةُ أنْسـي إذ بقـيـت وحـيـــــدا
عذابـي وبؤسـي فـي سبـــيلك جنةٌ = أغنِّي بـهـا شعـري إلـيك نشـيــــــدا
سألـتُ ورودَ الروض عــــــــــــنك فأطرقتْ = وغابـات سَرْوٍ فـانْحنَيْنَ سجــــودا
وشمَّ جـبـالٍ بـالسمـاء تعـــــــــــــلّقتْ = وعقـد نجـومٍ بـات فـيك سهـيـــــــدا
وعـمقَ بحـارٍ ضجَّ فـيـهـا ضجـيجُهـــــــــا = كـمـا رنَّ سجْعُ الطـير فـيك نضـــدا
رأى فـيك هـذا الكـونُ صـبــــــــوةَ نفسه = فأغرق فـي الـذكرى وهـام شـريدا
جـمـالٌ وسحـرٌ فـــــــــــــي جلالٍ وروعةٍ = تصـوغ مـن الكـون القـديـم جـديـدا
أراك مع الفجـر الضحـوك يسـرُّنـــي = كـمـا كـنتَ لـي فـي الـدّاجيـات عـمـيدا
أراك مع الـبحـر الغضـوب مزمـجـــــرًا = كـمـا كـنـت فـي الأرواح أصلـبَ عـــــودا
أراك بقـلـب الـبحـر يعطـي جـواهــراً = كـمـا كـنـت فـي الأرواح أوسعَ جــــــودا
أراك مع الـبحـر الـمضـاحك أبحــــــــرا = يـقبِّلُهـا وجـداً ويكرم جـيـــــــــــــدا
عـلى الفضة الـبـيضـاء سـال نُضـــارُهُ = يرقُّ كقـلـبٍ بـات فـيك سَهـيــــــــــــدا
يـقـيـنـي لأنـت الله فـي الكـون فـاعـلاً = مـثـيراً لـمـجـد النـابـهـيـن مُعـيــــدا
يـخـافك رعـديـدٌ ويجفـوك جاهلٌ = وتسمـو بأرواح الكرام بعـيـــــدا
لقـد ضـاع قـومي إذ جفـاكَ انخداعُهـم = وشـاؤوا هـوانـاً للحـياة مبـيدا

*******

حيرتـــي

قـلـبـي كلـيـمٌ وطرفـي سـاهرٌ أرِقَا = ومهجتـي فـي عـنـاءٍ دام واتَّسقـا
وقـاربتْ كبـدي تـنشقُّ من فكَرٍ = قـد أورثَتْنـي ذهـولاً حـيرةً وشقــــا
أبـيـت بـالليل والتفكـير مـصطحبي = وسوء حظي لأبواب الهدى رتقا
إني اتّهـمتُ دلـيلَ الـحق ناصره = فلـم أعـد أعـرف الـتحقـيـق والنزقا
وناقضت نفسهـا عندي الحقائقُ لا = أرى يقـينًا ولا ما يُوضح الطرقا
قد عـشت عشرين حولاً ما عرفت بها= إلا الضئـيل من التخريف والخَلَقا
سـرَّحت فكريَ فـي أحـوال بيئته = فلـم يجـد كـائنـاً بـالـحق قـد نطقـــا
ومـا رأى غـير أفعـالٍ تذيب أسىً = من استقـل عـن الأصـفـاد وانطلقا
هـذا يـنـادي دلـيلَ الـحق فـي جهتي = وذا يـقـول مـن الإسلام قـد مـرقا
والكلُّ يجـري مع الدنـيـا كـمـا ذهبتْ = وما لِبـابِ الهدى مَنْ مـنهـمُ طرَقا
إن كـان مـا سأرى هـذي بشائره = لا عـشت يـومـاً ولا كـان المـريـد بقـا
يا ليـت شعـريَ مـا يـنـوي القضـاءُ ومـا = أظنُّ إلا كُروبـاً تجلـب الفَرقا

*******

بلا أمـــل

أرانـي سئمتُ العـيش واشـتدَّ بـي أمــري = وبتُّ حـزيـنَ القـلـب مـنثلـم الـدرِ
أبـيـت عـلى جـمـر الغضـا متقـلـبــاً = يضـاعف أشجـانـي الـتـولُّه بـالــــذكْر
جُفـونـي جفـاهـا النـوم وانسـاب سـيلهــا = يـمـثّل مـا أمضتْه قهـراً يـدُ الـدهـر
تـرفُّ ضلـوعـي كلـمـا أذكر الـــــذي = فقـدتُ جـمـيلَ الصـبر فـيـه مدى العـمـــر
فـيـا سـادةً غابـوا وأبقـوا ألـيفهــم = يئنّ كـمطعـون الـحشـا بـالقنـا السُّمــــر
لقـد بنـتـمُ عـنـي فبــــان تجلُّدي = ومـن أيـن لـي السلوى وقـد خـاننـي صـبري
فقـلـبـيَ فـي وجـدٍ وعـيـنـي سهـيـدةٌ = تبـيـت تـراعـي فـي الدجى طلعةَ الزهـر
فيا ما أقـاسي مـن ضنًى وصـبابةٍ = ويا ما أعاني فيكـم مـن جـوىً يبري
ولـيلـي طـويلٌ كـاد يعـدم فجرَه = يعـوم مـن الظلـمـاء فـي لـجّة الـبحر
يضـيـق بـه صدري وتهـمد جثتي = وتصعـد أنفـاسـي لهـيبًا من الجـمر
خرجتُ بـه أمشـي إلى غـير غايةٍ = أدبُّ عـلى عجزٍ إلى حــيث لا أدري
وجاوزت بابَ «الشيب» والداء كامنٌ = يوهِّنني حتى وصلت إلى الجسر
قعـدت به كالمـيْت حيرانَ ذاهلاً = أجـوب بحـار الفكر فيـما عسى يجري
فبـيـنـا أنـا فـي الظلـمتـين محـيَّرٌ = أطلَّ عـليَّ الـبـدر في حُسْنه يسري
فـمزَّق جلـبـابَ الظلام بطلعةٍ = تبسَّمتِ الـدنـيـا لهـا بسنــــــا الثغر
فلله مـا أسمـى وأبـهى شمائلاً = تـمـثّل إخلاصـي إلى واصلٍ هجــري
أغالط قـلـبـي فـي هـواه بحسنه= وأُنسـيـه أن الشبـه مـجلبةُ الفكر


الطاهر الحداد.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى