محمد فايز حجازي - نورا حبيبة عمري.. هل أنت بخير؟ قصة

أهاتفك ولا تجيبين، أرسل لك الرسائل فلا تردين، عند منزلك وعلى البعد أناديكِ، أصرخ بأعلى صوتي فلا تسمعين، أكاد أتمزق قلقًا وحيرةً.

نورا حبيبتي! هل أنت بخير؟

يوم أمس انتظرتك هناك في الميدان، قريبًا من مدرستك الثانوية، كعادتي منذ أن افترقنا صغارًا بعد دراستنا الأولى، ربما لم يمض يومًا دون أن أراك منذ ذلك الحين، كنت أقف على البعد أترقبك، تخرجين رفقة صديقاتك، أتبِعُك في الطرقات والحارات القديمة، في طريقك إلى المنزل، أحميكِ كالملاك الحارس، أدندن في نفسي بكلمات أغنية رقيقة، مُنتشيًا حالمًا وقت أن أراك.


نورا حبيبة عمري! هل أنت بخير؟

أوتذكرين أيام كنا صغارًا نلعب معًا في مدرستنا، كانت مريلتك لبَنية بلون السماء، وعيناك عسلية بلون النقاء، وكنت أحبك حينها لآخر مدى في السماء، تمامًا كما أحبك الآن، نعم كنا أطفالًا صغارًا، ولكن حبك كان يسري في روحي ودمائي، يمدني بالحياة، حياة العالم الأول، ملامح وجهك الرقيق الحالم الذي ينضَحُ نقاءً، منقوشة في قلبي وعقلي وخيالي، أحتضنها وأحلق بها في السماء، في موكب نوراني فريد رفقة الملائكة.
نورا.. إن حبي لك أزلي وأبدي كما تعلمين، أظنك توقنين بهذا، وتدركين صدق نظراتي، لفتاتي إليك، ولهفتي عليك لسنوات طوال، طوال للغاية، ربما قبل أن نُخلق، ألم أقل لك إن حبك أزلي!

نورا حبيبة عمري! لِمَ لا تجيبين؟!
ألا تُطمئنيني، هل أنتِ بخير؟


أنتِ أيضًا تُحبينني، طالما رأيتها في ابتسامة خجْلَى تطل من عينيك حين ترينني، أنا مثلك خجول، أكتفي برؤيتك على البعد، بنظرة باسمة هائمة، قبل أن تصلي إلى بيتك، أسبقك، أضع لك وردة بيضاء في المدخل وأبتعد، ثم أعود بعد دخولك، لأستكشف هل مازالت الوردة هناك أم إنك قد أخذتيها، وفي كل مرة أطمئن بأن رسالاتي تصل، وأنك قد أخذتِ الورْدة، وأنك ربما تحتفظين بها في كتاب من كتبك الدراسية، ذكرى من ذكريات العالم الأول، ذكرى النقاء والحب الصالح النقي.
يوم أمس رأيتك خارجةً من مدرستك وحيدةً، بلا رفاق، لم يخرج أحد آخر سواك، قبلك أو بعدك، حزينة كنت أكاد أرى الدموع في عينيك.. حزنت كثيرًا، لازمني التوتر وانقبض قلبي.

نورا حبيبة عمري! بالله أجيبي، هل أنت بخير؟

في رحلة عودتك إلى المنزل، كانت خطاك واهنةً ربما يأسًا أو إرهاقًا لا أدري! لمْ تلتفتي خلسةً لتريني كعادتك، كنت أدرك أنك تفعلينها، أعرف تمامًا أين تفعلينها، عندما تنعطفين بجوار المسجد

القديم في أول الشارع، كنتِ تفعلينها، أما أنا فكنت أتظاهر بالانشغال وعدم الملاحظة، اليوم تمشين مُنكسة الرأس، تقفين كل بضع خطوات لالتقاط الأنفاس، كأنك عجوز تجاوزت السبعين، ماذا بك أخبريني، هل مرضتِ حبيبتي؟!
لا أستطيع أن أدندن أغنياتي في نشوة، كعادتي عندما كنت أراك، ولكنني الآن أسمع صوت عبد الوهاب في أذني، أسمعه بوضوح يغني (من أد إيه كنا هنا!.. من شهر فات والّا سنة!).
بدأ الدوار يتملكني أنا أيضًا، أكاد لا أواصل الطريق مثلك تمامًا، الوهن يسري كالخدر في عروقي الآن، سبقتك كعادتي لأضع لك وردتي البيضاء في مدخل بيتك، بالكاد وصلت قبلك بخطوات، أجر قدميَّ على الأرض جرًّا، تركت الوردة وخرجت، تقابلت عيناي مع عينيك، رأيت فيهما عالمًا رحبًا ونداءً.
روحًا طاهرةً وسماءً.
دموعًا من عبق الحارات القديمة ورجاءً.
عدت بعدها لأجد وردتي البيضاء ممزقة، وآثار دماء هنا وهناك، على الأرض والجدران.

نورا حبيبة عمري، قلبي يتمزق، نبضاتي تتوقف، ألا تُطمئنينني، هل أنت بخير؟

أجيبيني حبيبتي، هل أنت هناك؟! أنا مازلت أنتظر، لن أبرح مكاني أبدًا، هل أصابك مكروه! أم إنهم قد نالوا منك وقتلوك حبيبتي!

نورا حبيبة عمري..

أشعر وكأن روحي تغادرني الآن..

ألا تُطمئنيني؟!

هل أنت بخير؟!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى