أ. د. عادل الاسطة - أحلام مستغانمي "شهيا كفراق"

آخر كتب الروائية العربية الجزائرية أحلام مستغانمي كتابها "شهيا كفراق "2018،وكانت الكاتبة أصدرت من قبل "ذاكرة الجسد "1993و"فوضى الحواس "1998و"عابر سرير"2003و"الأسود يليق بك "2012و"نسيانcom" 2009،عدا ديوان شعر"عليك اللهفة "1973/ 2014 وكتاب مقالات "قلوبهم معنا وقنابلهم علينا "2009.
ليست مستغانمي من الكتاب الذين يصدرون كتابا كل عام، وهي تأتي في "شهيا كفراق " على هذا، فتكتب عن سؤال ناشرها لها عن جديدها، فقد مر على كتابها الأخير خمس سنوات.
تسخر مستغانمي من الكتاب الذين يصدرون كتابا كل عام، فهم سرعان ما ينسون أبطالهم، وهي ليست كذلك:
"أغبط الروائيين الذين لهم من الأبطال بعدد رواياتهم التي لا تعد، لأنهم لا يشتاقون لأبطالهم، فهم يفارقونهم بالسرعة نفسها التي يفارقون بها حبيباتهم." "لذا لا بطل من أبطالهم يعلق في ذاكرة القاريء. إنها كائنات ورقية لن تغادر دفتي الكتب. "
وهذه قضية تستحق وحدها كتابة خاصة، فثمة روائيون ينشرون كل عام رواية أو روايتين ويشكلون ظاهرة لافتة يشار إليها. إن الممعن في تواريخ إصدار مستغانمي رواياتها يلحظ أنها تصدر كل خمسة أعوام رواية أو كتابا.
لا يتوقف قاريء الكاتبة أمام هذه الظاهرة وحسب، إنه يتوقف أيضا أمام تنوع الأجناس الأدبية التي تكتب فيها: الرواية والشعر والمقالة و...
وأول سؤال يثيره قاريء "شهيا كفراق "هو سؤال التجنيس. هل يعد الكتاب رواية؟
لا يدرج على غلاف الكتاب أو صفحاته الداخلية أو كعبه أو صفحته الأخيرة ما يشير إلى جنسه الأدبي .في الإهداء تكتب الكاتبة "هذه رسائل لا صندوق بريد لوجهتها عدا البحر "وعنوان الجزء الثالث الذي يقع في 104 صفحة من أصل 252 هو"رسائل لن تقرأها كاميليا " ويتشكل من 26 رسالة، ونحن نعرف من خلال دراستنا طرق عرض الرواية أن أسلوب الرسائل هو أحدها، فهل ندرج "شهيا كفراق "تحت جنس الرواية المكتوبة بأسلوب الرسائل؟
في الصفحة 247 تذكر الكاتبة دال "كتاب:":"لولا أنني فقدت الرغبة في الكتابة، بما في ذلك مواصلة هذا الكتاب " -لم تكتب "هذه الرواية "- ولكنها تواصل الكتابة:"يقال إن اجمل الروايات هي تلك التي لا يعرف الكاتب نهايتها مسبقا.كيف لي أن أعرف نهاية قصة كانت الحياة تشاركني كتابتها في كل فصل؟ذلك أن الحياة لا تترك للروائي زهو الفوز بالكلمة الأخيرة،حال شروعه في الكتابة، تضع له من خارج النص شخصيات لم يحسب لها حسابا. أتراني كتبت رواية جميلة حين كنت أجذف دون أن أعرف تماما وجهتي...؟".لقد استخدمت مفردات "الروايات"و"الروائي " و"نهاية قصة"و"رواية "في الفقرة المقتبسة إلى جانب مفردة "هذا الكتاب "ما يعني حيرتها هي في إشكالية التجنيس.
يتذكر المرء وهو يتابع أعمال الكاتبة الروائي جبرا ابراهيم جبر الذي ذهب بعض النقاد إلى أنه كتب عملا روائيا واحدا هو سيرته (حسن خضر في أحد مقالاته ).
إن "شهيا كفراق "يعد القسم الثاني من كتابها "نسيان. كم"،وإذا كان الأخير عن النسيان، فإن "شهيا كفراق "هو عن الفراق. وتحضر الشخصية التي أوحت لأحلام بكتابة رواية "نسيان. كم"في العمل الجديد وتوجه أيضا إليها. إن الصلة بين العملين واضحة وضوحا تاما، والكاتبة نفسها تشير إلى هذا مرارا، ولا تقتصر الصلة على "نسيان. كم"فبعض أبطال روايات الكاتبة السابقة مثل خالد بن طوبال، يحضر مرارا في العمل الجديد.
والصلة بين العمل الجديد والأعمال السابقة لا تقتصر على ذكر العناوين الرئيسية والشخصيات وحسب.إن روح أحلام مستغانمي حاضرة أيضا بقوة في أسلوبها الذي يتكيء على التناص مع أعمال روائية عالمية. هنا تحضر الكاتبة التشيلية (ايزابيل اللندي ) حضورا واضحا حتى إن المرء ليكاد يقول إن أحلام تقع تحت تأثير ( الليندي) كما لو أنها صدى لها لكثرة ذكر اسمها وعناوين بعض رواياتها وسيرها على خطاها كلما عزمت على كتابة رواية جديدة.إنها تلجأ إلى ممارسة الطقوس ذاتها وتعمل على التخلص من كتابها السابق، ولكن هل تنجح أحلام فيما نجحت فيه الكاتبة التشيلية؟
تكتب أحلام ببذخ لغوي ومعرفي كعادتها في رواياتها السابقة التي تحفل باقتباسات من كتاب عالميين وعرب ،وتحتفل بالصياغة اللغوية فتكتب بأسلوب شاعري كنت أشرت إليه وأنا أكتب عن روايتها "الأسود يليق بك "حتى إنني قارنت بين لغتها ولغة محمود درويش لاحتفال كليهما بلغة المجاز والابتعاد عن لغة الحياة اليومية، وإذا كان ثمة مبرر لدرويش كونه شاعرا، فما هو المبرر لأحلام كونها تكتب رواية تتعدد فيها الشخوص وتتعدد فيها المستويات اللغوية. ؟
إن حيرة المرء وتساؤلاته سرعان ما تزول حين يلحظ أن ما تكتبه الكاتبة في"شهيا كفراق" مكتوب بلغة سارد واحد هي لغة الكاتبة/ الشاعرة، فلا تعدد في المستويات اللغوية أصلا لأن الكاتبة لا تترك لشخصياتها المجال لتتكلم، وإن تركت فإنها تتركه لها لتكتب رسائل.
يتكرر دال "فراق"الذي كان أحد مكوني العنوان،في المتن، تكرارا لافتا،والكتاب كله أصلا عن الفراق ،لا عن النسيان كما هو حال الكتاب الأول "نسيان. كم".
الكاتبة بحاجة إلى الفراق لتكتب (ص123)فالكاتب يعني له الوقت الكثير، ولهذا هو بحاجة إلى العزلة والأنانية في الوقت، ولهذا فإننا نحب الحب لكن الفراق يحبنا أكثر (ص 199 )و"للفراق كيمياء تفوق كيمياء الانصهار. فقط عندما يفترق عاشقان يتوحدان"( ص237)وكانت الكاتبة استشهدت بقول جميل بثينة:
"يموت الهوى مني إذا ما لقيتها/ ويحيا إذا فارقتها فيعود"(ص53)و"ما لا تفارقه سيفارقك "(ص96).وما أوردته الكاتبة على غلاف الصفحة الأخيرة ورد في الصفحة 235 وهو: "ما كنت أريد من العالم كله إلا أنت، واليوم أقول: "لك العالم كله إلا أنا "تجسيد لدال الفراق، وسيجد القاريء صعوبة في إحصاء هذا الدال إن لم يستعن بالحاسوب.
"شهيا كفراق "كتاب يحفل بأبعاد معرفية متنوعة ويثير أسئلة كثيرة، وكل سؤال يحتاج إلى كتابة خاصة، وهو من الكتب التي تتطلب من القاريء وقتا لقراءتها والتمعن فيها ،والقاريء هذا يجب أن يكون صبورا ويعيش العزلة والأنانية في الوقت أيضا، وما كتبته الكاتبة عن حاجة الكاتبة للعزلة لاحتياجه الوقت، واتكأت فيه على آراء لغازي القصيبي ونزار قباني ،وتوصلت هي إليه، يحتاج إليها- أي العزلة- قاريء "شهيا كفراق ".
الكتابة تطول.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى