ديوان الغائبين ديوان الغائبين : حسن مُطلك - العراق - 1961 ـ 1990

كاتب ورسام وشاعر عراقي. ويعد واحداً من أهم الأصوات الأدبية الحداثية التي برزت في العراق في ثمانينيات القرن العشرين. ولد سنة 1961 في قرية سُديرة التابعة لمدينة الشرقاط في شمال العراق. أنهى دراسته الجامعية سنة 1983 حاصلاً على شهادة البكالوريوس في التربية و علم النفس من كلية التربية في جامعة الموصل. أقام عدة معارض للفن التشكيلي وأصدر مع مجموعة من أصدقائه في الجامعة مجلة (المُربي) نشر فيها مقالتين إحداهما عن الفن التشكيلي والأخرى قراءة لرواية الطيب صالح (موسم الهجرة إلى الشمال). وبعد أدائه للخدمة العسكرية الإلزامية عمل أستاذاً في معهد المعلمين في كركوك ومديراً لعدة مدارس إعدادية. تزوج وله ابنتين هما: مـروة وسـارة. حاز على الجائزة الأولى لقصة الحرب سنة 1983 عن قصته (عرانيس) والجائزة التقديرية سنة 1988 عن قصته (بطل في المحاق). ثم نشر روايته (دابادا) التي تعتبر قمة أعماله الأدبية. أُعدم شنقاً بتاريخ 18/7/1990 الساعة السابعة مساءاً، لاشتراكه في محاولة لقلب نظام الحكم. حيث راح يصفه بعض المثقفين إثر ذلك بأنه (لوركا العراقي). خصصت مجلة ألواح[1] ALWAHالصادرة في اسبانيا عددها 11/2001 عنه بالكامل، 300صفحة. كما خصصت عنه ملفات في صحيفتي (المدى) و(الزمان) العراقييتين. وكتبت الكثير من الشهادات عنه والدراسات عن أعماله، من بينها رسالة دكتوراه أنجزها عبدالرحمن محمد الجبوري في جامعة الموصل بعنوان (الخطاب الروائي عند حسن مطلك.. دراسة تأويلية). وحسن مطلك هو شقيق الكاتب العراقي محسن الرملي.

الأقنعـــــــــة

الشاعر: شخص كتبَ قصيدة عظيمة ثم أضاعها.

أُنظر:
" هيجل " رجلٌ عظيم،
لأنه أضاع الفلسفة
ولم يجدها " غاستون باشلار "،
لأنه نظرَ إلى السقف بوضع مقلوب،
.. لأنه فكرَ بالتفكير ..
لأن المهزلة لم تزل قائمة.
فقد ماتوا جميعاً ..
فقط، أولئك السوفسَطائيون،
رجالٌ أضاعوا المعرفة،
لأنهم لم يتحدثوا عنها أبداً
إنهم عظماء..
فقد اعترفوا مبكراً
بأن صوت العصفور يعلو
على أرسطو.

ــــــــــــــــــــــــــ

أسماء الليل

أعتقدُ بأنني أحبكِ
* * *
السماوات مرتفعة،
والنباح يصعد من الأرجاء.
النقيق في البِركِ،
وحين تعوي الذئاب تكون تلك الساعة وقتاً ليقظة الحشرات.
الشرُ فكرة، والحبُ غريزة الخبز
وما على المرء غير البكاء بين العمودين.
للحرية طعم أسود كالشجر،
والأنثى انعتاق من الربوبية والشيطان.
.. أيها البرد الموجب،
النقيق،
الألم في الرأس :
مَن منا يعلم بشفاء الآخر ؟
ومَن ذا الذي يمجد رفيقه في الصلوات ؟
لقد سقط القمر في المستنقع،
حيث بدأ نشيد الضفادع.
لقد سقطنا في الفراش .. كلٌ يمجد جرحه
إنما : البرقُ،
والحفيفُ،
والشهوة،
والعزفُ من أسماء الليل.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

قصة الريف

حَط الجراد على النارِ
فالحقائب والحاسبات
والنسوة والنعاج والفأس
هناك المنجل ذو النصل،
وحمدان شوكة أمام التلفاز
هناك التجاعيد والمنحدرات..
يحدثُ أن ننقسم بالتحية اثنين
نعاهدنا بالرجوع إلينا كلما ضيعتنا الشوارع
فالمرأة شوك
والسرير عظام النوافق
والجراد عزيز كالقهوة
أما النعجة ..؟
* * *
حمدان فينا
تحط الحقول على كتفيه
فيحلم بالأمَزون
حمدان تلك المراعي القصيّة، بيض القطا،
………………………………………
…………………………………..
……………………………….
………………………..
………………..
………….

ــــــــــــــــــــــــــــ

عـشـتار

عشتار .. يا ابنتي..
.. من المنفى البعيد
أكتبُ القصيدة المحطمة.
إليكِ يا سيدة الشواطئ الجميلة ..
وبابل القديمة تحاصرها الرياح والعساكر ..
إليكِ يا صغيرتي اشتقتُ
مُذ نُفيت ..
إلى عناق أمكِ الحبيبة " أفروديت ".
عشتار .. عشتار
لقد نأى الصغار كلهم،
.. لقد نأى الصغار
يا عشتار.

***

اليأس بديلا عن كلمة القلب

ثمة ما يُخيف، ليس اكتشاف العلاقة الشِعرية في عالم الصخور، بل منطقة التوتر المريح مقابل أشكال الدرهم بين الناس، تبدل صورة الفجيعة في نشرات الأخبار، انسحاق الإنسان، الانسحاق...

هناك كلمة أخرى: (اللاجدوى) التي لم تعد تخيفني كما أخافت السيد (بيكيت) و(كامو) و(باسكال).. إنها بديهية الوجود، الكلمة الأولى، حجر الزاوية في بناء العالم.. ولكن المباغتة التي أخذت هؤلاء كانت أكبر من التصديق. أحدهم (هيدجر) اكتشف "أننا موجودون لأجل الموت".. فما الفرق بين هذا وبين آخر يكتشف أننا نتنفس. حقاً، ان من أصعب الأمور أن نبرهن بديهية معينة، ولكن، علينا أن نعرف جميعاً أن ثمة أمر يمكن اكتشافه على الدوام: "نحن" الكلية، تعني: أننا، أو (أنني) وجود غير قابل للنفاد، وجود ممتد، ضخم، بلا حدود، وأن مشكلة (الموت) هي مشكلة جزئية بالنسبة للأنا، إنها ليست المشكلة الوحيدة، ولو أنها مشكلة رئيسية، فهناك مشاكل أخرى، مثل: من أنا قبل أن أموت؟.

إنني أنبثق من هذا الحطام الرهيب، والاستعجال بالإجابة هو محاولة لإراحة الوعي الشقي. الخروج من هذا اليأس، إلى يأس ذي قوة.

الصيرورة، واحدة من أهم إنجازات العقل، ولكن الإنجاز لأعظم هو أن نعي تماماً، وبلا خوف، بأننا وصلنا إلى اليأس.

إنني أمتلك شعوراً هائلاً: أن كلمة (يأس) بالنسبة لي، بديل عن كلمة (قلب) التي هي أكثر الكلمات عربية، أكثر الكلمات ضعفاً.. إنها خرق كُمثري في حائط الكينونة. لقد اكتشفت أخيراً أن أكثر الأفكار تجريدية وجفافاً تأتي من الشعور.

هناك الفينمولوجيا، ان فكرة الأنا هي الشعور الحرج بأنني أستطيع مخاطبة العالم، حتى لو تطلب الأمر أن أتصور وعياً آخر يتصور وعيي لأول، وهذا هو (ديكارت) في الكوجيتو.

ملاحظة: إن المؤشر الدقيق على عظمة مفكر ما، هو أنه لا يمكن إدانته إلا بعد أن يموت.

تموز 1988




مطلك.jpg


.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى