أمل الكردفاني- الأدب العضوي

إنني خبير قانوني، مع ذلك فالقانون المطلوب دائما هو ما ينظم المسائل الحقوقية بين الناس، ذلك الذي يحول دون التنازع أو يفصل في نزاع قائم بالفعل. غير أن البشر لم يكتفوا بإنتاج ذلك القانون الذي يُعرَّف بأنه مجموعة القواعد العامة المجردة الملزمة التي تصدر عن سلطة الدولة وتقترن بجزاء. فالبشر هم من سبقوا حتى وجود الدولة والسلطة في استيلاد القوانين. إن كل إنسان لديه قوانينه الخاصة العامة المجردة والتي تقترن بجزاء، كل قبيلة وكل مجموعة ذات خصوصية ثقافية لديها قوانينها، والتي تقترن بجزاء، إن كل هوية هي قانون يقترن بجزاء، كل إنتماء، وكل آيدولوجيا وكل عقيدة. إننا كبشر نحاول تنظيم فوضانا الداخلية عبر سننا لقوانيننا. ونصنع أسلحتنا لتوقيع الجزاء على من ينتهكها، سواء بالهجر أو الصياح أو حتى العنف اللفظي أو الجسدي او التهميش والإقصاء،..الخ. إننا حتى على المستوى الثقافي الأدبي والفني ننخرط في بناء قوانيننا الخاصة، ونوقع الجزاء على من ينتهكها، نحن نطعن في الشعر النثري والهايكو الياباني، نستخف بالشعر الجاهلي الذي يصف النوق والجياد، أو نبخس التجنيس الكلاسيكي، أو نسخر من الرسم السوريالي، أو لا نعترف بالمسرح العبثي، أو ما بعد الحداثي، إننا ننخرط في بناء قوانيننا باستمرار، وهنا تكمن الازمة، ازمة التنميط التي من المفترض أن لا تكون معياراً مقدساً يحسم الجودة أو الإعتراف بحق العمل الفني والأدبي في أن يكون موجوداً. عندما تقوم جائزة نوبل بوضع معايير وظيفية للأدب، فتمنح الجائزة لمن يدافع عن حقوق الإنسان، فإنها في الواقع تنقلنا إلى الأدب العضوي، الذي يجب أن يمتلك وظيفة تتفق مع النمط المقدس لنوبل. عندما تمنح الجائزة للكتاب الأفارقة لأنهم يتحولون إلى ناشيونال جيوغرافيك يوثقون إفريقيا كمحمية طبيعية، ولمبادئ أوروبا كالدموقراطية والحرية، أو مقاومة الإمبريالية، فإن الأدب هنا يفقد أهم خاصية لازمة من خواصه، وهو أن يظل حراً، وبالتالي يمتلك التجريبة التي صنعت الماركيز دو ساد وجيمس جويس وصمويل بيكيت وآدموف ونجيب سرور والمسرح الرقمي. إن أنماط نوبل وغيرها من جوائز، تطلب من الأديب والفنان ان يكون واعظاً كرجل الدين، أن يكون بوقاً لسلطة النمط أياً كان شكل ذلك النمط. لقد تخصص الكتاب الأفارقة في اقتفاء نمط الجوائز الغربي، أي القانون الذي يقترن بجزاء. وحين يخضع الأدب لقانون فإنه يموت، ليس فقط لأنه يفقد خاصية التجريب، بل لأنه سيفتقد قدرته على القفز فوق النمط، ومن ثم تحقيق الجدة الإبداعية. سألني احدهم؛ هل يجوز أن يتناول الادب البيدوفيليا ويعظمها؟، قلت له يجوز، أن يقف مع الدكتاتورية؟، أجبته نعم، أن يمارس خطاب الكراهية؟، نعم. ليس لأن القيم الأخلاقية غامضة ونسبية جداً، ولكن لأن الأدب لا يجب أن يقيد، فالأدب تحرر في المقام الأول، هو تحرر شخصي، أيا كان موضوعه، إنه مثل التجارب الدوائية على البشر، تلك التي تحظرها بعض الدول، ويجيزها البعض الآخر، فالقيود ستؤخر إنتاج دواء، وسيموت الكثيرون بسبب ذلك التأخر. كذلك الأدب؛ إذ هو مصنع دواء ضد قمع الذات للذات، وقمع كل شيء عدو للذات. ولذلك يجب أن لا يخضع الأدب لمعاييرك إلا في الحدود التي تكون فيها أنت المنتج لهذا الأدب. يجب أن يظل الأدب حراً. وأن يعامل كالعادة السرية؛ الخيال المفتوح للذات التي تبحث عن إشباع مقموع يشمئز منه الآخرون ولو تم داخل الظلام .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى