ديوان الغائبين ديوان الغائبين : جــان كيـتس John Keats - انجلترا - 1795 – 1821

شاعر إنكليزي عظيم. يعد واحدا من أهم شعراء الجيل الثاني من الرومانسيين الإنكليز.
ولد في لندن عام 1795. قُتل أبوه الذي كان يعمل في تأجير الخيل والعناية بها في حادثة ركوب عام 1804 فتزوجت أمه بعد أسابيع من موظف مصرفي سرعان ما فرت منه واختفت تاركةً أطفالها الأربعة تحت رحمة القدر، لولا عناية جدتهم والأقرباء المحسنين، لتظهر بعد خمسة أعوام محطمةً جائعة ينهشها مرض السل الذي أنزل لعنته على الأسرة ليقتل الأم وأخاها ثم أبناءها الواحد بعد الآخر. ترك الدراسة وهو في السادسة عشرة من عمره مقررا الالتحاق كصبي عند أحد الأطباء المحليين فأظهر نجاحا لا بأس به واجتاز امتحان الطب والصيدلة عام 1816. لكنه سرعان ما هجر الطب وقرر أن يهب حياته للشعر وحده. في تلك السنة نشر أول قصيدة له وهي سونيتة "آهٍ أيتها العزلة" التي حاكى فيها أسلوب الشعراء الكلاسيكيين العظام في الوزن والقافية، متغنيا بعشقه الصوفي للطبيعة ومؤكدا أن "أعظم النِعَم" هي أن تكتب الشعر لا مراقبا خارجيا للوجود بل منغمساً في أعماق الوجود والطبيعة. وفي سونيتة أخرى نشرها في العام نفسه إثر قراءته لترجمةٍ لأعمال هوميروس يقارن كيتس بين قراءة الترجمات الشعرية والتجارب المليئة بالرهبة والخشوع من أمثال تلك التي يتعرض لها علماء الفلك حين يكتشفون كوكباً جديداً أو البحارة المغامرين حين يلاقون المحيط الشاسع الغامض. ولم تكد تلك السنة الحافلة تنتهي حتى التقى بالشاعر العظيم شللي وصديقه الشاعر والصحفي لي هونت* الذي نشر قصائده وشمله برعايته. نشر في عام 1818 عمله "إندِميون"** الذي يقع في أربعة آلاف بيت وفيه يستلهم الأسطورة الإغريقية ليرمز- من خلال بحث البطل الفاني "إندِميون" عن ربّة القمر "سنثيا"- الى توق الخيال، خيال الشاعر، الى ربات الشعر أو الإلهام الإلهي. بعد نشره لهذا العمل شعر كيتس أن عليه أن يمتحن افتراضاته السابقة عن قدرة الشعر والفلسفة على التأثير في ما يقاسيه المرء في حياته، فانطلق في رحلة راجلة مجهدة خلال شمالي إنكلترا واسكتلندا بحثاً عن الإلهام والحافز الشعري. لكنه سرعان ما قطع رحلته بعد وقوع أخيه الصغير فريسة للمرض الرهيب فعاد ليشرف على تطبيبه في أيامه الأخيرة ولينغمر في كتابة ملحمة "هايبريون"*** ليخفف عن قلبه –كما كتب لأحد أصدقائه- آلام مراقبة أخيه المحتضر. يتلخص موضوع هذه الملحمة في سقوط الرعيل الأول من الآلهة الإغريقية (التيتان) على يد الجيل اللاحق منها (الأولمبيين) بزعامة "أبولو". وقد أستخدم كيس هذه الموضوعة ليقول أن التاريخ هو قصة تحكي كيف أن الحزن والشقاء يعلمان الإنسانية الرحمة والتعاطف، وتنتهي القصيدة بتحول "أبولو" الى ربٍّ للشعر. لكن كيتس لم يكمل القصيدة: ربما لحاجته للعودة الى مواضيع أكثر ذاتية أو ربما لأن وفاة أخيه حررته من الحاجة الى إكمالها، وربما لأنه بدأ في أواخر ذلك العام قصة حبه الكبير لـ "فاني براون" وكانت فتاةً جميلة مرحة في الثامنة عشرة من عمرها ألهمته عدداً من أجمل قصائده وبادلته الحب حتى أخر اللحظات.
بيد أن فوره إبداعه الشعري جاءت في عام 1819 عندما كتب عددا من القصائد والأناشيد (odes) التي عدها النقاد من بين أفضل القصائد القصار في تاريخ الأدب الإنكليزي ومنها "لاميا" و"عشية عيد القديسة أغنز" و"نشيد الى الكآبة" و "نشيد الى عندليب" و "نشيد للخريف". ليستسلم بعدها الى السل الذي كان قد تسلل الى جسده الواهن وأرغمه على الرحيل الى إيطاليا حيث أغمض عينيه الى الأبد موصيا أحد خلصائه أن ينقش على قبره : ها هنا يرقد إنسانٌ كُتِبَ اسمه على صفحة الماء !

***

لماذا ضحكتُ الليلةَ ؟
جون كيتس

لماذا ضحكتُ الليلةَ ؟ ما من صوتٍ يجيبُ.
ما مِن إلهٍ ، أو شيطانٍ فظٍّ في الجوابِ
يتكلفُ عناءَ ردّي
من محلِّه في النعيمِ ، أو في الجحيم.
لذا سأستديرُ من فوري ، نحو قلبي الآدمي:
يا قلبُ يا قلب ، أنا وأنتَ ها هنا ، وحيدَينِ حزينَين،
قل لي ، لماذا ضحكتُ ؟
آهٍ أيها الألمُ المميتُ! آهٍ يا ظلامُ يا ظلام!
ألِزامٌ عليَّ أن أئنَّ للأبد ، لأعيدَ دون جدوى
سؤالَ السماءِ والجحيمِ والقلب ؟
لماذا ضحكتُ ؟
أعرفُ أنَّ عَقدَ هذا الوجود
يباركُ أوهامي ويُرخي لها ما تشاءُ.
لكن ليتني -في ظلمة ذي الليلةِ لا غيرها-
أقطعُ ذلك العقدَ ، وأرى راياتِ الحياةِ المبَهرَجةَ
وهي تغدو مِزقاً.
الشعرُ والمجدُ والجمالُ لها بأسُها دونَ ريب
بيد أن الموتَ أقوى ..
الموتُ أرفعُ جائزةٍ للحياة !

***

نشيد للشعراء
جون كيتس

شعراءَ الهوى والحُبور
قد نسيتم أرواحَكم على الأرض !
فهل عندكم –في السماوات- أرواحاً أخريات
يُبعَثْنَ للحياة .. في أقاليمَ جديدة ؟
**
نعم ، وتلك اللواتي في السماء
يحّدِّثنَ الشموسَ والأقمارَ
وضجيجَ الينابيعِ العجيبةِ
وثرثراتِ الرعود
وهمسَ أشجارِ الجِنان
وهمسَ إحداهنّ للأخرى
إذ يفترِشنَ –في رقةٍ.. وخلوِّ بال-
عشبَ الفراديسِ الذي
لا يرعاهُ إلا خُشوفُ دايانا ،
تحتَ خيامٍ من زُرقِ الزهورِ
وحيث الورودُ أعارت شذاها
لأزاهير الربيعِ الصغيرات
واتّخذت عطراً لها .. ما له في الأرضِ من شبيه.
وحيث العنادلُ لا تنشد أوهامَ الذاهلين ،
بل حقائقَ قدسيةً شجيّة
وألحاناً عذبةً حكيمةً
لحكاياتٍ وتواريخَ ذهبيةٍ
عن السماءِ وأسرارِها
**
هكذا تعيشونَ في العُلا
وترجعونَ للأرضِ من جديد.
والأرواحُ التي تركتموها خلفكم
تعلِّمُنا ها هنا كيفَ نبحثُ عنكم
هناك حيث تمرحُ أرواحُكم الأخريات
ولا تهجعُ أو تشبع.
وهنا تديمُ أرواحُكم الأرضيّةُ
حديثَها الى الفانينَ : عن أيامِهم القصيرةِ
عن بلاياهم وأفراحِهم
عن هواهُم وأحقادِهِم
عن مجدِهم ومخازيهم
عما يُعليهُم .. أو يَجدعُ منهم الأنوفَ.
هكذا تهَبوننا الحكمةَ في كلِّ يومٍ
رغم أنكم .. فررتُم بعيداً.. بعيدا
**
شعراءَ الهوى والحُبور
قد تركتُم أرواحَكم على الأرضِِِِِِِِِِِِِ !
فعندكم –في السماوات- أرواحٌ أخريات
يُبعَثْنَ للحياةِ .. في أقاليمَ جديدة !
ترجمة وتقديم ماجد الحيدر


جون كيتس.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى