ديوان الغائبين أحمد العاصي - مصر - 1903 - 1930 م

أحمد بن محمد سعيد العاصي المصري.
ولد في مدينة فارسكور (محافظة دمياط) وتوفي بالقاهرة، وعاش عمره القصير في مصر.
التحق بمدرسة الطب في القاهرة، ولما أصيب بداء الصدر هجر دراسة الطب، والتحق بكلية الآداب، وتخرج في قسم الفلسفة، ليعمل موظفاً بمكتبة هذه الكلية.

الإنتاج الشعري:

- له ديوان من جزأين، بعنوان: «ديوان العاصي» الجزء الأول 1926 - والجزء الثاني 1930.الأعمال الأخرى:
- له رواية: «غادة لبنان»، وقصة: «الأديب المنكود».

انعكست حياته المرضية القاسية، وثقافته الفلسفية، وحساسيته الشعرية على قصائده، فجاءت متشائمة ذات نظرة عبثية إلى الحياة. غير أن التعبير عن عالمه الحزين القاتم لم يفرج همه، فغلبته هواجسه، حتى أغلق نوافذ مسكنه في القاهرة، وأنهى حياته بيده تاركاً قصاصة بخط يده يقول فيها: «جبان من يكره الموت، جبان من لا يرحب بذلك الملاك الطاهر. إنني أستعذب الموت، وهو لي كالعطر».

وجه إليه أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدة، وضعها في صدر ديوانه.

صبوة قلب

صبوتُ ولكنْ بعد ما نفد العمرُ = وبعضُ الهوى حلوٌ وبعضُ الهوى مُرُّ
وبعضُ الهوى يستنفد العمرَ همُّهُ = وبعضُ الهوى قد طال من أجله العمر
وما الحبُّ إلا غبطةٌ بعضَ ساعةٍ = ولوعةُ ساعاتٍ يضيق بها الصدر
فلا تُكثروا لومي فما ليَ حيلةٌ = وما بعدَ ما يقضي هوايَ به أمر
سلا ليلةً قَضّيتُها في لواعجٍ = وحُمِّلتُ فيها ما يضيق بها الصبر
سلوا هذه عن ليلةٍ قد قضيتُها = أُفاخر باللذات ما حَسُنَ الفخر
فإنْ كنتُ قد بُدِّلتُ بؤساً بغبطةٍ = ورَوّعني من بعد نُصرته الدهر
وقمتُ على هَمٍّ وبِتُّ على أسىً = فليس بهذا الأمر أو غيره نُكْر
فما العيشُ إلا دولةٌ بعد دولةٍ = لهذي انهزامٌ تارةً ولها نصر!

***

الساعة الأخيرة

ساعةً يُؤنسني فيها المَلَكْ = هامساً هيّا لمن قد أرسلكْ
قائلاً لا تخشَ سوءاً يا فتىً = ها هو المركبُ قد هيّأتُ لك
سِرْ حثيثاً لا تمانعْ إنما = في غدٍ تُثني على من أوصلك
واسْعَ بالروح إلى المولى ولا = تذكرِ الدنيا فليستْ مَنزلك
واتركِ الجسمَ ليفنى بعد ما = ذاهبُ الآلامِ فيها أنحلك
أسرعِ الخطوَ ولا تخشَ أذىً = دون ما تلقاه في الدنيا الهلك
ها هي الحدباءُ قد جَهَّزها = لكَ مَنْ قبلكَ للموت سلك
فاشددِ العزمَ وهيّا لنرى = لذةً كُبرى وتحيا كمَلَك

***

دولة العشق

جريحُ عينيكِ يرجو منكِ مغفرةً = والذنبُ ذنبكِ لكنْ عنه يُعتَذر
أنا الذي نهضتْ بالدهر عزمتُهُ = أَسَرْتِني وبهذا الأسرِ أفتخر
يا دولةَ العشقِ من يحمي ذِماركِ من = عيونهنَّ التي بالصبِّ تأتمر
يا دولةَ العشقِ هُبّي قد نعستِ وقد = غزتكِ نُعْسُ عيونٍ ملؤها الخفر
جفنان ما اقتربا إلا ليأتمرا = وليس ينقض حكماً منهما القدر
وإنْ هما افترقا صادا الذي ائتَمرا = عليه لله من صِيدوا ومن أُسِروا
فإن وقعتُ أسيراً بعد نظرتها = فلم يكن منقذي خوفٌ ولا حَذَر

***

نظرة إلى الحياة

وَدِّعْ حبيبَ القلبِ يومَ المولدِ = أَوَ أنتَ تدري هل يعيش إلى غدِ؟
قالوا الحياةُ وما يضمّ جناحُها = قلنا أليس مماتُكم بالـمُـحْصَد؟
قالوا سعادتُنا ولذّةُ عيشِنا = قلنا وريبُ الموتِ خيرُ مُجدِّد
سَدٌّ منيعٌ بين نارِ شقاوةٍ = خمدتْ وبين سعادةٍ لم تخمد
ما بالُنا نخشاه يومَ طلوعِهِ = ونودّ أن نلقاه بالمتوأَّد
نشكو الحياةَ فإن ذكرنا موتَنا = عدنا بخوفٍ قاتلٍ وتَردُّد
يا لوعةَ الإنسانِ في أيامهِ = فلديه هَمٌّ قائمٌ لم يقعد
جَدِّدْ همومَكَ كلَّ يومٍ إنما = بُعِث الشقاءُ إليكَ قبل المولد!
قالوا سعدنا بالوليد وعيشهِ = أَوَ كان بينهمو له من مُنْجِد؟
في قبضتَيْه ترى الشقاءَ تَمهَّدَتْ = أسبابهُ والمهدُ غيرُ مُمهَّد
في قبضتين إذا نثرتَهما ترى = لوعاتِ همٍّ للوليد مُزوَّد
إنْ تستعنْ بالصبر فهو مُحرَّمٌ = وإذا نشدتَ كأنه لم يُنْشَد
هَزْلٌ ولهوٌ هذه الدنيا وما = تلقى سعادتَها وما من مُسْعِد
والكلُّ منهومٌ بها وبعيشها = والكفُّ ملأى بالذي لم يُحصَد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى