خالد أبو خالد - يا ميجانا صبراً.. يا ميجانا يا ريم.. شعر

إلى طفلتي ريم في هجرتها الثالثة


أما وقد احتل مخيم اليرموك خزان الثورة الفلسطينية ومحطتها للعودة من قبل الوجه الآخر للحركة الصهيونة بعصاباتها من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا مرورا بكل المذابح هاهو المخيم الآن يعيش الكارثة ذاتها بعد مايزيد على ستة وستين عاما هاهم القتلة نفسهم مع فارق اللباس وتماثل الأسلحة يمعنون قتلا في آهلنا في اليرموك منذ مايزيد على ثلاث سنوات مهدوا فيها لداعش وأخواتها كي يواصلوا جميعا ذبح شعبنا ليس في اليرموك فحسب ولكن في كل مخيمات سوريا .. صبرا وشاتيلا عودة إلى المذبحة من جديد .. أين يقف شارون هذه المرة .. في الرياض .. في الدوحة .. في أية عاصمة تسمى عاصمة عربية ... فلينهض الشعب العربي الفلسطيني من رماده مرة أخرى لكي يحلق أقرب إلى فلسطين ..
******
يا ميجانا .. يا ميجانا
وردٌ .. وقافلةٌ .. وبحرْ
رمَّانةٌ في الغيبِ
أو وعدٌ رماديٌّ .. لوردٍ لا يخونْ .. ولا يخبِّئُ وعدهُ
لكنْ يفتِّحُ في الظلامْ
وأنا أُحبُّكِ منذُ أنْ عانقتني
في فاصلِ الحلمِ البريء .. وفي السلامْ
وأنا أحبُّكِ منذُ أنْ فارقتني
وأحبُّ نبضكِ في الركامْ
يا ميجانا .. للبحر أنتِ حبيبتي .. وأنا
وللبحر النذورْ
للبحرِ حُبُّ حبيبتي الحبلى بطفلٍ ظلَّ يُقتلُ قبلَ أن يأتي إلينا
ثمَّ جاءَ مسربلاً بدمٍ .. ومصطلحٍ هجينْ
مُذْ جاءَ مقتولاً على كفَّينِ من شوكٍ
ونافلةٍ ..
وطينْ
فترنَّحت كتفي .. ولكن لم أفاجأْ ..
يا ميجانا .. هذا سقوطُ القتلِ ..
هذي وقفةُ العشّاقِ في نعشِ القتيلْ
وأنا المسافرُ مُذْ ولدتْ
وأنا المحاربُ مذ ولدتُ .. ومُذْ كبرتْ
وأنا المحاربُ إذ أعود إليكِ في البحرِ الشريدْ
- يا بحرُ .. تشبُهني وأنتْ ..
يا بحرُ .. من صخبٍ وصمتْ
يا بحرُ .. غنَّ الموتْ
يا بحرُ .. أنتَ الصوتْ
وأنا مشرّدكَ القديمُ .. أنا الذي لا بحرَ لي مُذْ كنتْ
وأنا الذي آتي إليكَ .. فخذ يدي للبيتْ
يا ميجانا .. يا ميجانا
والبحر مرآةٌ .. ومرحلةٌ .. ومن رملٍ .. وقارْ
يا ميجانا يا دارْ
كلُّ الدروبِ إلى المنافي صعبةٌ ـ .. كلُّ الدروبْ
البحرُ .. والطرقُ القديمةْ
البحرُ .. والطرقُ الجديدةُ .. والمدنْ
البحرُ .. والحزنُ المثابرُ .. والسجونْ
البحرُ .. والجزرُ الجميلةُ .. والسنونْ
البحرُ .. والعتمُ
القناديلُ التي انطفأتْ على ظمأٍ
ولونِ الليلِ
والغيمِ الخريفيَّ الحزينْ
وأنا .. وأنتِ ..
وسفر أشعاري .. وهذا الوردُ في كلَّ الفصولْ
يا ميجانا .. للبحر .. والسفنِ
يا ميجانا .. للنار
- ماذا تردَّدُ نشرةُ الأخبارْ .. ؟
ماذا سيلعبُ في الغدِ الأطفالْ ؟
هل أنتِ يا تفاحتي مكسورةُ الخدينِ .. والخاطرْ ؟
ماذا سيروى في غدٍ .. للغائبِ .. الحاضرْ
من يشتري منا ؟
دمنا .. ومن منّا ؟
يا ريمُ .. يا غربةْ
رفقاً بدمعِ العينْ
في طقسنا الماطرْ ..
يا ميجانا
- لا تبكِ في عينِ النهارْ
- إني أفجَّرَ دمعتين ولستُ أبكي
فاحتضني قبل أنْ
- رُدَّي العذابْ
وخذي أساوركِ الجمليةِ من دمي
- خذني معكْ
خذني معكْ
فالوردُ مقصلةُ الذي يرمي إلى البحرِ الخواتمْ
في الوردِ تختبئ الكواتمْ
- والوردُ منديلُ المدينةِ للشبابْ
وأنا أحبُّ الميجانا
وأنا الترابْ
طفلي على قلبي .. وقلبي لا يموتْ
يا ميجانا .. الكتبُ التي احترقتْ
يا ميجانا .. الصوّانْ
يا ميجانا .. الشبلُ الفلسطينيُّ .. والنيرانْ
وأنا أحبُّ الزعترَ الأخضرْ
وأنا أحبُّ رغيفنا الأسمرْ
وأنا أحبّكِ لو شقينا .. أو سعدنا
وأنا أحبُّكِ لو رحلنا .. أو بقينا .. أو قتلنا ..
أو ..
أحبُّك .. في المساءِ
وفي الصباحْ
وأنتِ نجمتيَ الشريدةُ .. أنتِ وجهي ..
والدليل إليكِ .. ورحبة مثل السماءْ
إنِّي أُحبَّكِ .. مثلما أحببتني
يا ميجانا ..
بحرٌ .. وأغنيةٌ .. وغارْ
ويدي ملوَّحةٌ لها .. المنديلُ من وجعٍ
ومن حجرٍ
وقهرْ
ووجوهُ أحبائي نحاسْ
يبستْ .. ويقتربُ الخطرْ
يبستْ .. وقد حانَ الوداع
يبستْ .. ويقتلعُ الشجرْ
خفقَ الشراعُ .. وبحرُنا زمنٌ يجيءُ بلا زمنْ
وأنا .. وأنتِ الآنَ لا منفى مودعتي
وأنا .. وأنتِ إلى الرياح .. ولا وطنْ
يا ميجانا .. يا ريمْ
يا ميجانا .. يا ضيمْ
(دونك عجاج الخيل ملاّ مروجنا) ..
يا ميجانا
ردّي الرِّداءَ .. وواصلي الخطواتْ
لا تندبي .. مَنْ ماتْ
مُذْ ودَّعتني في جدائلكِ القصائدُ صرتُ وحدي ..
كيفَ لا أبكي .. وتبكينَ
- وداعاً .. يا حبيبي
ووداعاً أيُّها الباقونَ في ليلِ المدينةْ
ووداعاً أيُّها الصامدُ في المتراسِ من بعدي
- وداعاً
- وودا .. عاً
- إننَّي أتركُ قلبينِ على الميناءِ
أو صبرا ... وشاتيلا
- وأنا أودعتُ قلبينِ إلى البحرِ
- اطمئنَّي
واطلقي اسمي على الأطفال
يا بو الميجانا
بيروت من عطشٍ .. وماءْ
بيروتُ من لحمٍ .. وظاهرةٍ .. ونصرْ ..
بيروتُ من همسٍ .. وأسئلةٍ .. ونارْ ..
وفراشتي دمُها غبارْ
ويقالُ من زبدِ الجرارْ
بيروتُ لم تكذبْ
بيروتُ لم تلعبْ
بيروتُ لم تتعبْ
بيروتُ لم تهربْ
بيروتُ عاصمةُ المساحةِ كلَّها .. لكنَّها في البحرْ
يا ميجانا
إنَّ الطريقَ إلى بلاد لا ترى بحرٌ
وأحزانٌ
وعارْ
وتكونُ أضيقَ من مراكبنا شواطئها وأضيقَ من مراكبنا البحارْ
يا ميجانا .. منشورنا الأولْ
يا ميجانا .. خيَّالنا الأجملْ
يا ميجانا .. وطريقنا الأطولْ
يا ميجانا .. للجسرِ والأغوارْ
يا ميجانا للملحِ .. والثوَّارْ
يا ميجانا عمَّانْ ..
يا ميجانا
والبحر مشهدنا الأخيرُ .. البحرُ أعمى
والسفائنُ من جليد
ملحٌ .. وتنهدُّ الصواري .. والعيونْ
موجٌ .. ولا موجٌ .. وريحْ
لا البحرُ موجودٌ .. ولا قلبي الجريحْ
يا ميجانا غنَّى لأحبائي
يا ميجانا الراياتُ عنّابي
يا ميجانا .. والريحْ حمرا .. والأصايل ميجنتْ
والبحرُ أعمدةُ الصحفْ
والبحرُ أدخنةٌ وبيروتُ الحرائقْ
والبحرُ جثةُ امرأةْ
والبحرُ أيتامٌ على طولِ الطريقْ
يا ميجانا بدأ الحريقْ
يا ميجانا أينَ المفرُّ .. لن يراوحَ .. أو يراوغَ ..
أو يفرّْ
يا ميجانا ولِمَنْ يخونْ
يا ميجانا اشتعلَ الفتيلْ
والبحر فاشِيٌّ .. ويغرقه الجنونْ
والبحرُ أقسى ما يكونْ .. وما يكونْ
والبحرُ يصرخُ والبياضْ
أصحو ..
وتنهمرُ الجرائدُ .. والمقاهي .. والرصاصْ ..
صبرا تخيَّمُ في الجسدْ ..
وتردُّ لي صوتي .. وتعلنُ لا أحدْ
باريسُ معتمةٌ ... وعيدْ
باريسُ من وردٍ صناعي .. ومن فنًّ محطَّمْ
باريسُ من علبِ .. ومطعمْ
باريسُ .. لا منفى .. وغربةُ شاعرٍ ..
وغريبةٌ فيها
ولا يُبكى عليها ..
باريس .. لا إلزا .. ولا الشاعرْ ..
باريسُ ماتتْ قبله وتموتْ
باريس تنسى أنَّها فيما مضى .. بيروتْ ..
ياميجانا
هل أنت خائفة ..؟
بلى
هل أنت نائمة .. وبابك مغلق ؟
كلا فلا أبواب
ماذا يهز الحي ؟
قلبي وصوت القتل
من يقتلون الآن ؟
عمي .. وجارتنا
من يحرقون الآن ؟
طفلي وجدتنا
من يذبحون الآن
خباز حارتنا
ياميجنا
صبرا تعيد صياغتي بيد .. وبالأخرى تقاوم
ياميجناليل الوطن
ليل وأسلحة وأبواب مخلعة ووقع خطى
وهمهمة
وأطفال وموت
ياميجنا
أيلول يفترس الطفولة مرة أخرى
أيلول يحتل الأبد
ويبتلع العواصم
وأنا أشد من الجليل إلى الرصيف إلى الربيع
إلى الصقيع
إلى الخريف
من الصحيفة والإذاعة
للكتاب
وللغياب
وأشد أشرعتي إلى يافا وفي عقلي صفد
لكن أشرعتي تميل
وليس يحدث مايخيف سوى الرحيل
إلى الرحيل
إلى الرحيل
ياميجنا
أمر الدخيل
وهم الذين استسلموا ووتفرجوا واستقبلوني
دون أسلحتي وهم
يا أيها الفقراء لم تلد العتابا مثل صبرا
ميجانا
" ياميجنالك " .. ياشاتيلا .. ميجانا
طفل على طفل ينوء
وامرأة لاتُغتصب
ويموت في العرب العرب
لكنما ظل المخيم لايموت ولا ينام
ويظل يرفل بالدماء وبالحمام
فالليل والدم يبدعان صياح أمي من بلاد الميجانا
صبرا وشاتيلا ياعتابا .. وميجانا
ياميجناالصبار والزيتون والكرمة
ياميجناالحنون والمرار والكرمة
ياميجنالحبيبتي
ولشالها الأحمر
ياميجناللفجر بين عيونها وأصابعي
ياميجناللدهر
ياميجناللقدس
ياميجنالشهيدنا للزهرة الأبسل
ياميجناالحي الذي أقفر
ياميجناالقبر الذي أزهر
ياميجنا
أفق ومسغبة وفي الجسد العويل
كل النساء حملن بي وحملنني
ياميجانا كل النساء
جرى ربابك في الدمار
ومرمري .. ترف الوسائد .. مرمري
وأرمي برعبك في قصور الرق – فأساً – واحفري قبر الممالك ..
والمماليك
احفري
ياميجانا
هانحن من صبرا
العين من صبرا
والكف من صبرا
والدم من صبرا
والجرح من صبرا
والدرب من صبرا
وطني الذي أحببته كان اسمه صبرا
ظل اسمه صبرا
على مشارفه نوادي القتل
وعلى منابره فتاوي القتل
ياميجانا
ياميجاناالمدن الغريبة
ياميجاناالمدن السليبة
ميجنا الأم الحزينة
ميجنا الدم والحبيبة والسؤال
لاتبكها
يا أيها الوطن المؤجر والمؤجل والمعار
ياميجاناانتظري الندى
ياميجانارد الصدى
ياميجاناتدرين
أن البنفسج رغم رقته يقاوم
ياميجاناوأنا حزين
ياميجاناللريم
ريما تفتش عن غزال والمدينة لاتجيب
وموحشة
ريما تفتش عن هلال في الليالي
أو تفتش عن محال
ياميجانا
لمي على جسدي البحار
لمي من الشبك المحار
فالفجر عند نهاية الرؤيا .. وأنت بلا قرار
" لولا عيونك عالجبل .. مااطلعت أنا" .. والنار
ياميجاناالفقراء
ياميجاناصدري
ياميجاناالصحراء
ياميجاناعصفورتي الدورية السمراء
ياميجاناالأسماء
ياميجانامن صور
ياميجاناصيدا
ياميجاناالدامور
ياميجانابيروت .. يابيروت
ياميجانافوري ..
ياميجانا
كأس وعاهرة ومؤتمر وصوت
شيء من العتب الصغير
وتطفأ الأضواء من حول الأمير
وأنا أراجع ماكتبت ومادفعت
عبثا يجامل رحلتي – ليلا – دوار البحر
أو تأتي الطيور
وأنا أرد يدي إلي
ياميجاناالبحر الذي لاينتهي أبدا
ياميجاناالبر الذي لايبتدي أبدا
ياميجانامدن مدمرة ولا أحدا
ياميجاناالعشاق
ياميجاناالأشواك
ياميجانايابحر رد الشوق
رد البحر
ـ أين الأرض أين الأرض أين الأرض
فتجيئني رملا وتثبت أنها كروية
وأنا أغازل برتقالة
ردي العباءة حولنا
فالبحر مفترس
وبرد
خذني إلى زنديك
خذ من حليب الوجد
فلربما ضعنا
خذني ..
أخاف الورد
ياميجاناالهجرا ت
ياميجانا" من خلف مامات "
شعر ومحبرة وبيت
خلم المسافر في الرمال إلى الرمال
حلم المسافة بالوصول إلى القرى
حلم الجبال
حلم الذي يمشي إلى حيفا
ويكتشف الدروب
حلم الذي أبدعته من حلمك الآتي إليك
وليس يهرب من يديك
حلم البنادق والعرق
حلم الشجيرات الصغيرة بالثمر
حلم العصافير الشريدة بالشجر
حلم السماء بصيفها
حلم النخيل
حلم الذي حملته موجته إلى غرف الفنادق ..
والشوراع
والأصابع والردى
ويصارع الآن الغرق
حلم اليمامة أن تطير .. وأن تحني ريشها بسماء صبرا
الميجنا
ياميجانا
وطني بلاوطن وتأخذني البحار
ياميجانامري
شفق ويبتعد التراب
شفق ويقترب اليباب
شفق
وأنت جميلة كسمائنا
وجميلة كجبالنا
وجميلة كسهولنا
وجميلة
شفق ويحترق المساء
فلاموانىء
أو نجوماً
أو هواء
ياميجانااستعري
ياميجاناانتشري
ياميجانالاتقبلي التوبة
ياميجانالاتطلقي حزنا بلاحربة
ياميجاناالغربة
شجروسيدة ونهر
وأنا أحب حبيبتي وأنا الشتاء
" ياميجانالك "
تحت نافذة يدي تنمو كدالية ..
وبين أصابعي المنفى
ووهم علاقتي بيدي وأنت على المدار
والبحر من تعب
ومن صخر ضباب البحر
أو سجن وحراس وباب
ياميجاناالأحباب
ياميجانالاتشتري المهزوم والكذاب
ياميجاناجيل سيأتي بعدنا ويغير الأحوال
ياميجانا
ريح ولؤلؤة وناي
وحبيبتي قمر وحيد
قلبي على القمر البعيد
يدي على الجسد الجديد
ياميجانا
برد ومفترق وليل
والقلب من صدأ وخيل
وسلاسلي البحر العصيّ وأنت أبعد من يديَ
ياميجاناللبرق
ياميجاناللرعد
ياميجانالشتائنا القادم
ياميجاناللبحر أنت حبيبتي وأنا
وللأرض الحصاد
إني أحبك لايليق بنا الحداد
ياميجانا
بردٌ ومفترقٌ وليل
بردٌ ومفترقٌ وليل
بردٌ ومفترقٌ وليل


( باريس – بودابست – دمشق / شباط 1983 )



  • Like
التفاعلات: مصطفى معروفي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى