أ. د. عادل الأسطة - أبوة رواية غسان كنفاني "رجال في الشمس": في وداع خالد أبو خالد

في اليوم الأخير من العام ٢٠٢١ توفي ، في دمشق ، الشاعر خالد أبو خالد .
لم أكتب في وداعه والسبب الرئيس يعود إلى أنني قرأت بعض نصوصه قراءة عابرة لم تترك تأثيرا كبيرا فاعلا في ، وعندما طبع اتحاد الكتاب الفلسطينيين ، قبل أعوام ، أعماله لم أسع إليها ، شأن أكثر الأعمال التي طبعها الاتحاد ، ولم تصل إلى مكتبات نابلس لأحصل عليها .
هكذا ظل تلقي الشخصي لكتاباته عابرا مثل حضوره في الأدبيات الفلسطينية في فلسطين ، إذ لم توزع أعماله ولم تنتشر ولم تتلق نقديا إلا قليلا ، وهذا ما توصلت إليه من خلال متابعاتي - وقد أكون مخطئا - ، وظل حضوره في الساحة الثقافية يتعلق بشخصه وحياته ، اتكاء على مقابلات أجريت معه أو من خلال قص وثيقي الصلة به عنه ، وهو ما أوجزه الشاعر مراد السوداني في المقابلة التي أجرتها معه ميسون المناصرة صباح يوم الاثنين ٣ / ١ / ٢٠٢٢ في إذاعة " أجيال " من رام الله .
طبعا يجب ألا أنسى جهد وزارة الثقافة الفلسطينية في تقديمه فقد نشرت بعض نتاجه في سلسلة كتاب الشهر ، ففي شباط ٢٠٠٦ نشرت له مختارات شعرية عنوانها " تغريبة خالد أبو خالد " قدم لها الشاعر أحمد دحبور بمقالة عنوانها " خالد أبو خالد ... الشاعر الذي يعيد إنتاج أبيه " ، والحق يقال إن أحمد كان من أهم النوافذ لتعريف القراء في فلسطين بأدب المنفى الفلسطيني .
مع ما سبق فإن أشعار خالد أبو خالد لم تترك أثرا ملحوظا مؤثرا في حركتنا الشعرية ، وربما يعود السبب إلى أن مجموعاته الشعرية التي صدرت في العالم العربي في ٧٠ القرن ٢٠ لم تعد طباعتها ، في حينه ، في الأرض المحتلة كما أعيدت طباعة دواوين محمود درويش وأعمال غسان كنفاني ومعين بسيسو وسميرة عزام التي اهتمت بها دار الأسوار في عكا ، فجعلتنا على صلة بها وكانت مدخلا للتواصل المستمر معها قراءة وكتابة . وقد يكون هناك عوامل أخرى تخص موقع أبو خالد السياسي .
عدا ما سبق فإن من تابع مسلسل التغريبة الفلسطينية أصغى إلى صوت أبو خالد يقرأ أشعار الشعراء الفلسطينيين قبل ١٩٤٨ التي تناسب الحدث الظاهر في هذه الحلقة أو تلك ، أو ذلك المقطع الذي كانت الحلقة تفتتح به أو تنتهي به .
قبل ثلاثة أعوام ، تواصلنا ، أنا والشاعر ، معا عبر وسيلة التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) . أتابع منشوراته ويتابع منشوراتي ثم سرعان ما انقطع التواصل . عاد الشاعر من عمان التي زارها إلى دمشق واستقر فيها وظل قريبا من النظام السوري ولم أعد أعرف عنه إلا من خلال صفحات بعض الأصدقاء المشتركين مثل رشاد أبو شاور و مراد السوداني .
في مقابلة ميسون مع مراد أصغيت إلى معلومات أعرفها وأخرى لم أسمع بها . كنت أعرف أنه ابن شهيد وأن أمه ربته وأخته بعد استشهاد والده رفيق الشهيد عز الدين ، وأنه صاحب العديد من الأغاني الشعبية مثل " سبل عيونه " ولكنني لم أكن أعرف عن علاقته بغسان كنفاني وأنه هو من قص عليه حكاية رواية " رجال في الشمس " (١٩٦٣) ، إذ التقيا معا في الكويت فقص الشاعر على الروائي حكايات كثيرة عن ما يقارب الأربعين شخصا قطعوا الحدود العراقية الكويتية تهريبا ، وهذه فكرة محورية في " رجال في الشمس " . وهنا بيت القصيد في مقالي .
قاربت في مقالات سابقة رواية كنفاني وكتبت عن صاحب الفكرة فيها وهو أبو خالد البطراوي ، وقد بحثت أيضا عما يدعم رأيي فقرأت رأيا مشابها كتبه الباحث زياد أحمد سلامة اعتمد فيه على رأي وليد نجل محمد البطراوي . قال مراد في مقابلته مع ميسون رأيا مختلفا ، إذ أسند قصة رواية كنفاني إلى الشاعر أبو خالد . والسؤال هو من هو الأب الحقيقي للقصة ؟
يبقى سؤالان آخران هما :
- هل التقى خالد أبو خالد والناقد محمد البطراوي معا في الكويت مع غسان ؟
- هل تشابهت تجربتهما في الدخول إلى الكويت تسللا ؟
إن كانت الإجابة نعم فقد يكون كنفاني مزج في روايته بين عدة روايات سمعها ، وما يدعم ذلك ما قاله البطراوي لي وهو أن أبطال الرواية وصلوا إلى الكويت ولم يختنقوا في الصهريج ، وأن غسان قتلهم لخدمة فكرته وهي إن أي حل للمشكلة الفلسطينية بعيدا عن فلسطين مصيره الفشل .
ربما بقيت ملاحظة يسأل عنها القاريء تخص شعر أبو خالد وعدم تلقيه في الأرض المحتلة نقديا .
حقا لماذا لم تتلق أشعاره تلقي أشعار محمود درويش أو حتى مريد البرغوثي أو عز الدين المناصرة ؟
أيعود السبب إلى موقعه السياسي ؟ أم إلى طبيعة أشعاره ؟ أم إلى كونه مثل شعراء كثر عاشوا في زمن محمود درويش فكانوا ضحية نجوميته ؟ أم إلى أن زمننا لم يعد زمن الشعر ؟
عندما قرأت مقاطع من " معلقة على جدار مخيم جنين " وجدتني أقرأ صدى لا صوتا ، وقد تكون ذائقتي الشعرية هي المسؤولة . لقد تذكرت قصيدة درويش " أحمد الزعتر " ، وتذكرت قصيدة النواب في جنين ، ولم أتاثر بقصيدة أبو خالد تأثري بقصيدتيهما .
أحيانا يقع شاعر ما ضحية شاعر آخر ، ولا أبريء ذائقتي .
الاثنين ٣ / ١ / ٢٠٢٢
الجمعة ٧ / ١ / ٢٠٢٢



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى