هدى توفيق - أنا الزعيم

عندما مررت كعادتى من شارع الأباصيري الرئيسي فى منطقة بنى سويف الجديدة المعروف والمزدحم بأهم وأشهر محلات الأناقة ، والأزياء والأحذية على مستوى المدينة، دلفت منه إلى شارع ضيق أجتازه هروبًا من الإزدحام ، وتكدس السيارات للذهاب إلى عملي فى مديرية الكهرباء شاهدت ورقة كرتونية لافتة للنظر على دكان المكوجي عم مصطفى : (انتقل إلى رحمة الله الزعيم الكبير مصطفى كامل ، والعزاء فى البلد ، وللإستعلام ت ...... ) لم أصدق عينىَّ ، تسمرت فى مكاني لبضع دقائق ، اغتمت روحي على هذا الصباح المريب وتأوهت هامسة لنفسى :" يا إلهي عم مصطفى الذى يسكن بجوارنا فى شارع الأباصيري من قبل حتى أن نقطن أنا وأسرتي فى هذا الشارع ، فقد كان منزل والديه من زمن بعيد قبل أن يصبح الأباصيري من أكثر الأماكن ارتفاعًا فى الثمن " ، وأردت أن أعود إلى منزل أمي لأتاكد من الخبر، لكن تراجعت ، وتذكرت أنه لم يعد عندي أيام من الإجازة العارضة متبقية لي فارجأت هذا لحين العودة من العمل ، أخبرتني أمي بحزن بصحة الخبر ، وأنه توفى متأثرًا بتمدد الكالو فى قدميه ، وآلام ظهره المقبب من آثار الوقفة والإنحناء طويلاً على كي الملابس ، عم مصطفى كان مطوعًا فى الجيش ، واستمر فيه ، حتى نقلوه صولاً فى شرطة بندر بني سويف ، وكان أيضًا يمارس مع أبيه مهنة الكي ، حتى مات أبوه ، وتوارث المهنة ، وصمم على العمل بها رغم عمله الوظيفي، فاستعان بصبي دائم التأخير فى الحضور إلى العمل ، كان يعشق ابنة عمه شوق ، وظل يسعى وراءها خمس سنوات لرفض زوجة عمه زواجها من مكوجي ، وعندما فاز بها ظل فى ليلة الزفاف يشرب الحشيش وزجاجات البيرة الإستيلا الخضراء ، حتى كاد يموت من الفرحة ، وعدم تصديقه أنه تزوجها حقيقة ، شاهدتها وأنا صغيرة فى سبوع ابنها جابر، تطبل على طبلة بلدي اشترتها من سوق الثلاثاء ، وترتدي جلبابًا بمبيًا فاتحًا ، (واشرب) الفلاحات المبرقش بالورود الملونة الزاهية ، وضفائرها تهتزان بجنون من الطبل والرقص ، وكأنها لم تلد أوتعانى أو حتى تتألم ، وتزعق فرحة وفخورة : " أنا مرات الزعيم مصطفى كامل على سن ورمح " ، ويضحك مَنْ حولها إعجابًا بجرأتها وتنكتها أمها غيظًا :-
- لأ والنبى ... دا حيا الله ... مكوجي ياروح أمك.
بعد المعاش المبكر الذى ناله عم مصطفى زهقًا من عمله البوليسي ، كان من الصباح لا يفارق جلسته ، ، مع عم محمد النمر الذي يفتح بجانبه محل أدوات خياطة و ملابس حريمى داخلية ، ويظل الإثنان يعاكسان الزبونات اللاتي كن أغلبهن سيدات ، متعتهما الوحيدة التي لا تتعدى حدود الملاطفة، والإغواء والنكت القبيحة لمَنْ تستطرد منهن ، وتلعب بالعين والحاجب ، وتضحك بغنج وإثارة ، ويرد عم مصطفى بعنجهية وعجرفة :
- يابت دا أنا الزعيم مصطفى كامل على سن ورمح.
تحسرت كمدًا على فراقه ، فقد كان طيبًا ومرحًا ، ويعتز باسمه إلى حد الهوس ، وقلت تأوهًا : الزعماء يموتون ، فلما لا يموت أشباه الزعماء أيضًا !

الكاتبة المصرية / هدى توفيق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى