أ. د. عادل الأسطة - دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب

*أشتري الرواية أو لا أشتريها:
في كانون ثان من هذا العام، زرت عمان ليومين أنفقت أحدهما بالتردد على المكتبات: دار الشروق والمكتبة الأهلية ودار ورد وكشك أبي علي. وأخذت أبحث عن قائمة البوكر القصيرة، فقد مزقت الخبر الوارد في جريدة "الأيام" عنها واحتفظت به، لأقتني الروايات من عمان، إن سافرت إليها، وهذا ما كان.
في مكتبة دار الشروق حصلت على أربع من الروايات: العاطل ونساء البساتين وعناق عند جسر بروكلين ودمية النار، ولم أجد شريد المنازل. حين عرض علي أبو أحمد رواية "دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب" لربيع جابر لم أفكر لحظة واحدة في اقتنائها. رددتها قائلاً: قرأت له "الاعترافات" وكتبت عنها، حتى اللحظة لم أقرأ له "أمريكا" التي كانت العام الماضي على القائمة القصيرة لبوكر أيضاً. أيعقل أن يكتب المرء كل عام رواية؟ ثم.. ثم إنها رواية تتكئ على التاريخ، وأنا لا أميل إلى هذا اللون من الروايات. أتذكر رأي محمود درويش في شعر أدونيس، الرأي الذي عرفته من مقالات حسن خضر، وأكرره وأنا أعرف أن الرواية رواية تاريخية: شعر أدونيس لا ماء فيه، والرواية التاريخية كذلك: رواية لا ماء فيها. هذا رأي. هذا اجتهاد. هذا رأي غير ملزم للآخرين، لكنني أعتقده وآخذ به شخصياً.. ثم.. ثم إن هناك روايتين فازتا ببوكر، وهما روايتان تاريخيتان: "واحة الغروب" لبهاء طاهر، و"عزازيل" ليوسف زيدان. ما السر في فوز الروايات التاريخية؟ الإعجاب بالروائي أمين معلوف والتذكير بالروائي جرجي زيدان أم الهروب من الواقع والرواية الواقعية.. و.. و.. و..؟
ولا أشتري "دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب"، فيما أقرأ، قبل 27/3/2012 تاريخ إعلان الجائزة، الروايات الأربع وأكتب عنها، وأبحث عن الرواية الخامسة "شريد المنازل" لأقتنيها وأقرأها وأكتب عنها، فلعلها تفوز. وسأعرف من أكرم مسلم أن "دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب" لربيع جابر هي التي فازت. بعد أيام سأحصل على نسخة من الرواية وأقرؤها...
الرواية أعيدت طباعتها في فلسطين. هذه عادة غدت شبه ثابتة. ما إن تعلن القائمة القصيرة لبوكر، حتى يتسابق الناشرون هنا في الأرض المحتلة إلى طباعة أكثرها. هل هذه ظاهرة جيدة؟ هل تعني أن هناك قرّاء روايات في فلسطين؟ هل تراجع الشعر أيضاً هنا؟ هل التزوير مفيد أم سيئ؟ أنا أشتري الروايات من عمان غالباً أو من دار الشروق في رام الله إن وجدت فيها، إن لم أسافر إلى عمان.

ذائقة بائسة:
أن تكون الروايات التي تفوز، غالباً، تاريخية، وأن لا يروق لي هذا، فهذا يعني أن هناك مسافة جمالية بين ذائقتي الشخصية وذائقة أعضاء اللجنة. هم كثر وأنا فرد، وكما علمت، فقد فوزوا "دروز بلغراد.." بالإجماع. يا لذائقتي البائسة إذاً، وعلي أن أفيد من (هانز روبرت ياوس) ومقولاته بخصوص المسافة الجمالية، فلعلني أغدو، ذات نهار، من أنصار الرواية التاريخية! لعلني؟ هل أنا مثل جمهور محمود درويش الذي لا يطرب إلا لقصيدة "سجل أنا عربي"، وهل ستكون اللجنة مثل محمود درويش الذي كان يقرأ، باستمرار، قصائد جديدة، ويرفض قراءة "سجل أنا عربي" وقصائده القديمة لقرّائه، حتى يغير في ذائقتهم الشعرية؟ ربما!

عنصر التشويق:
هناك روايات ما إن تبدأ قراءتها حتى تنهيها. عنصر التشويق فيها حاضر، وقد لا يروق لك كاتبوها. نعم قد لا يروق لك كاتبوها، ولكنك تجد نفسك تقرؤها. هناك عنصر ما فيها، هو عنصر التشويق، يجعلك تنسى أشياءك ومواعيدك وطعامك، فهي -أي الرواية- تغني عما سبق.
أنا لا أعجب بأكثر روايات سحر خليفة. لماذا؟ لأنها، من وجهة نظري، تكرر أفكارها، ولأنها، في روايتيها الأخيرتين "أصل وفصل" و"حبي الأول"، عدا تكرارها الثنائيات نفسها، تفتعل عوالمها. أنها تكتب، خلافاً لرواياتها السابقة، عن زمن لم تكن شاهدة عليه. ومع ذلك، فحين أقرأ روايتها أواصل قراءتها. حتى اللحظة لم تتخل سحر عن عنصر التشويق. هل غاب هذا العنصر عن رواية بهاء طاهر "واحة الغروب"؟ وربما وجب أن يكون هذا السؤال على النحو التالي: ما مدى حضور هذا العنصر في رواية "دروز بلغراد"؟

عنصر اللغة:
حين قرأت "عزازيل" يوسف زيدان والتقيت به في مؤتمر جامعة البتراء في الأردن، الجامعة التي كرمته وعزمي بشارة، قلت له: لعل اللغة أهم عنصر كان وراء منح الرواية الجائزة. وسأخوض معه في أمر لغته. يوسف زيدان قرأ كتب التراث بحكم عمله في جامعة، في مكتبة الاسكندرية تحديداً، وسيخبرني أنه، بالفعل، قرأ أكثر كتب التراث. أين هي لغة "دروز بلغراد" من لغة "عزازيل"؟ هل أوافق نجوان درويش، فيما ذهب إليه، في مقالة في "الأيام" الثلاثاء 3/4/2012، بخصوص لغة ربيع جابر ولغة الصحافة اللبنانية؟ هل اللغة في "دروز بلغراد" آسرة ومميزة حقاً؟

دروز بلغراد: حكاية حنا يعقوب:
لا يكتب ربيع جابر عن زمن عاشه أو يعيشه، خلافاً لروايته "الاعترافات". في الأخيرة ثمة تطابق زمني –أعني الزمن الروائي والزمن الكتابي، والكاتب يكتب عن لبنان في 80 ق20. يكتب عن الحرب الأهلية، عما يشاهده ويعيشه، والأهم عما شاهده وعاشه وكان شاهداً عليه. هل الأمر هو نفسه في "دروز بلغراد"؟
ثمة فارق واسع في "دروز بلغراد" بين الزمن الكتابي والزمن الروائي. الزمن الكتابي هو 2010 و2011، والزمن الروائي يعود إلى 140 عاماً خلت وأكثر. أي أن ربيع جابر لا يكتب هنا عما يشاهد ويرى ويسمع. إنه يكتب مما يقرأ، وفي نهاية الرواية يورد ثبتاً بأسماء المصادر والمراجع التي اعتمد عليها في كتابة روايته. هل يواصل كتابات أمين معلوف الذي حقق انتشاراً واسعاً؟ هل كان أمين معلوف مثالاً يحتذي به الكتّاب اللاحقون ليحققوا ما حقق؟
بهاء طاهر ويوسف زيدان وإبراهيم نصر الله وأحمد رفيق عوض وربيع جابر كتبوا، ضمن ما كتبوا، الرواية التي يعود زمنها الروائي إلى فترة خلت، فترة لم يكونوا شهوداً عليها زمنياً ومكانياً، ومثلهم فعلت سحر خليفة في "أصل وفصل" و"حبي الأول". والسؤال هو: لماذا يفعلون هذا؟ لماذا يكتبون عن فترات زمنية لم يكونوا شهوداً عليها؟ هل أقفر الواقع من الموضوعات؟
هل قالوا في رواياتهم السابقة كل ما أرادوا قوله؟ هل رأوا أن الماضي لم يكتب روائياً، وأنه غير معروف للقرّاء، وأن كتابته روائياً تجعله معروفاً، بخاصة أن هناك ميلاً لقراءة الرواية؟ هل أراد الكتاب أن يقدموا رؤى جديدة وتفسيرات جديدة لذلك الماضي؟

دروز بلغراد: العنوان الرئيس والعنوان الفرعي:
العنوان الرئيس للرواية هو "دروز بلغراد"، وأسفل منه العنوان الفرعي "حكاية حنا يعقوب". هل الرواية رواية دروز بلغراد أم أنها رواية/حكاية حنا يعقوب؟
سيقرأ المرء عن دروز لبنان الذين رحلوا من لبنان إلى بلغراد، وسيقرأ عن حنا يعقوب الذي رحل معهم على أنه درزي، ولاقى مصيراً كان ينبغي أن يلاقيه أحد الدروز.
ينفى الدروز من لبنان إلى بلغراد عقاباً على ما اقترفوه. إنهم خمسة إخوة، فمن يتبقى لأبيهم، وهكذا يخدع أحد معارف أبيهم حنا يعقوب، ويجعله يحل محل سليمان غفار عز الدين. حنا يعقوب مسيحي فقير يبيع البيض في الميناء، وله زوجة (هيلانة) وطفلة هي (بربارة). يخرج في الصباح المبكر طالباً رزقه ورزق عياله، وسيقوده خداع الآخرين له إلى بلغراد، والسفينة التي قيل له إنها ذاهبة إلى عكا وستعود في المساء، أو بعد يومين، تبحر إلى صربيا، ويعامل حنّا على أنه سليمان، فيعاقب ويضرب ويسجن، فيما تظل (هيلانة) تنتظره، ولا يعود إليها إلا بعد اثني عشر عاماً وقد لاقى ما لاقى.

هل الفكرة جديدة؟
ما الروايات التي يتذكرها قارئ الرواية؟ هل كانت فكرتها جديدة واستحقت بذلك الجائزة؟
أنا شخصياً سأتذكر ثلاث روايات، ولو حككتُ ذهني لتذكرت أخرى. الرواية الاولى هي رواية (فرانز كافكا): "المحاكمة". يصحو يوسف... ذات نهار ويجد نفسه مسوقاً إلى المحكمة وحبل المشنقة، فثمة امرأة وشت به وشاية ما. والرواية الثانية هي رواية التركي الساخر (عزيز نيسين): "الطريق". ثمة خطأ ما، خلل ما قاد إبراهيم إلى عوالم غريبة مرعبة شاذة، فلحق به ما لحق وعاش شريداً طريداً. هل الرواية الثالثة هي رواية (فولتير): "كنديد"؟ ربما كانت الأولى، فمن قرأ "كنديد" وما ألمّ به، من قرأها لا يتذكر دائماً. هل خرجت رواية "دروز بلغراد" فكرة من معطف هذه الروايات أم من كتب التاريخ؟
ليغفر لي ربيع جابر ولتغفر لي اللجنة رأيي: الرواية لم ترق لي كثيراً!!


أ. د. عادل الأسطة
2012-04-08


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى