أنس الرشيد - في وداعِ صالون السيدة

يَحصلُ أن تُقامَ جلسةٌ أدبية موضوعها: العشق والحب؛ لكن أن تكونَ هذه الجلسةُ مدتها تسعمئةٍ وعشرة أيام؛ فهذه حالة خرجت بالزمن عن نطاقِ سيطرة الكون.
وهذا ما حصلَ في منتدى السيدة؛ أثناء جلوسنا عند كرسيها، نتلو آيات العشق، ونتباحث في قصائد الحب، ونتجاذب المعاني:
أيُّنا يصل إلى سمعها أولا؟
‏وأينا يخطف نظراتها..؟
‏وأينا يعجبها قوله؟.
‏كانت تجلس على كرسي نحمله كُلنا كملائكةٍ يحملون عرش إله!
‏تأذن لمن تشاء... وتسمع ما تشاء..؛
‏وإذا انطربت لقولٍ فَرحَ صاحبُ القول واستبشر بأنَّ الكونَ سينهمر عليه بالخيرات...!
.
‏لذةُ الجلوسِ عند كرسيها صعودٌ لسماءٍ غير موجودة، وغوصٌ في معانٍ لا موجودة ولا معدومة..!
‏لهذا لما انتهت أيامُ المنتدى كأنَّ الكونَ آدمٌ لما هبط إلى الأرض وبدأ مرحلة الصراع..!.
..
وقبل أن أغادر السيدةَ قَبّلتُ يدها وتذكرتُ أنَّ معانيها هُدى؛ حين ألامسها تورقُ (منتدى)! يُكِنُّ الكونَ في صدره غيومًا ثم يرسلها ندى.
يا لهذا الشذى... يا لهذا الشذى.
..
وتذكري هذا إشارة منها بأني حبيبها من بين كل الحاضرين!.. أوْ.. هكذا قال لي الوعي .. !
لهذا لم تغب عني ولم أغب عنها بعد نهاية الألفِ ليلة وليلة؛ بل ظللت نبيًّا لها؛ أحمل صفاتها، وأناجيها بأناجيلها.
وكانت تجيء إليَّ غيومًا وأجيء إليها مطر.
تجيء شعاعا لنجم عبر..
فألبس روحا لهذا الممر ...!
..........
كان من بين الحاضرين (محمود درويش) وقد عَبَّر عن دهشته ببشاعةِ الحقيقة؛ حين يكون (الممر) هو مأزقنُا...؛ ما معنى مديح الموت البطولي؟ -هكذا سألنا درويشُ في المنتدى- وأضاف: إن "الجثة تأكل نفسها بجيش حسن التنظيم يطلع منها في لحظات. إنها صورة تفرغ الإنسان من بطولته، ومن لحمه، وتدفع به في عراء المصير العبثي...صورة تجرد الأناشيد من مديح الموت ومن الفرار إلى الفرار". التفتَ درويشُ إلى (عبدالرزاق عبدالواحد) وقد كان شاخصًا ببصيرته إلى ساحة ساح فيها اللحمُ..! فابتسم درويشُ وقال: 120 قصيدة حب..! ما معنى ذلك يا عبدالرزاق وقد طارت بصيرتك إلى حيث المئة امرأة ترقص عينيكَ بينهنّ.. حتى انتهيتَ إلى أمِّ بيتك حيث السكينة والطمأنينة، وبحسب تعبيرك: آخر طمأنينة الروح. ألكي نتغلب على بشاعة حقيقة هذا الممر، تفتح جثثنا فضاء خياليا لخلاص الروح من هذا العدم؟ ربما..ربما..
‏...
١٦/ ١٠/ ٢٠٢٠م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى