أدب السجون رغدة حسن - شكرًا أيها السجن

كانت أمي ولأنها نبية ، تزرع الملح في خدوش الطفولة المشاكسة، لترتفع عتبة الألم لدينا، حرصًا منها علينا إذا وقعنا في اختبارات الحياة، لننجو من ويل التجربة
طرقت التجربة أبوابنا في سن مبكرة، سرقتنا إلى حلباتها، وضعتنا دريئة أمام رماة السهام المسمومة
وحضر السجن بكل جلاله، ليكون إلهًا يقرر مصيرنا، يكتبنا في سجلاته، ويفرزنا حسب الأصول.
لم يخرج السجن مني، لكنه وكإله مقتدر، كان له فضل كبير في طريقي الشائكة
- ولدت بجانب البحر، قبل القيامة بأربعين شهقة
- واسمي لانصيب لي منه .. لا أنا ولا من عاش داخل مملكة السؤال.
- تعلمت أول حروف الأبجدية، من قاموس أمي، حين كانت تتلو علينا ذاكرتها، وكيف كتبت هي ورفاقها بالدم على جدار كبير، أنطون سعادة معلمنا، بينما كانت تخبئ في بيتها صديقتها الشيوعية الملاحقة من عسس البلاد، وفي الطرف الآخر كان أبي يغني للقوميين العرب.
- طرقت جمجمة الحياة بلاءاتي الكثيرة، وعرفت كنه المخبوء بالسليقة، لم تكن تعنيني المراجع الشهيرة، لكني قرأت أمهات المعرفة، وهذا علمني، أن ألجأ إلى قلبي دائمًا، أعمده بزبد البحر، وأمشي في طريق جديدة.
- أول أساتذتي كان البحر، علمني ألا أقف أمام عقبة تصادفني، وألا أستكين أمام مشكلة، لم أكن أعترف بشيء اسمه الفشل أو العجز، كان البحر يلهمني دائمًا، أن أحفّز ما بداخلي من طاقة، لأستمر، إلى أن وقعت في الفخ الكبير، وصودرت أحلامي.
- تخرجت من عالم السجن، إلى مصيدة المنفى، فكان السجن أستاذي الثاني، عرفت وأنا أسيرة هذه المصيدة العملاقة التي يطلقون عليها اسم العالم الحر، بأن السجن علمني الكثير، فكان علي أن أشكره، شكرًا أيها السجن لأنك علمتني
الصبر، التأمل، التحمل، الهدوء أمام الجعجعة الفارغة، والأهم من كل هذا، علمتني ثقافة الانتظار.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى