د. صبري محمد خليل خيري - حركة العصر الجديد كنموذج للحركات الروحية الغربيه المعاصره : قراءه نقديه

تعريف حركة العصر الجديد (New Age Movement ): هى شبكة واسعة ومرنة ، من الأفراد والمجموعات والمنظمات...الذين يتمتعون بقدر كبير من الاستقلال التنظيمى، مع اشتراكهم فى تبني مفاهيم ذات طابع روحي ، مستمدة من مصادر فكريه وروحيه ودينية متعددة " كالاديان السماوية والأديان الوضعية الشرقيه القديمه...".

منظرو الحركة : وقد ساهم فى صياغة هذه المفاهيم المشتركة للحركة عدد كبير من الكتاب والمفكرين الذين ينتمون الى تخصصات مختلفة مثل الفلسفة والدين والفيزياء والتنجيم وعلم النفس والأساطير والصحة الشاملة والتعليم والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع.... ومن هؤلاء المنظرون: أليس بيلي، إيان باربور، آني بيسانت، هيلين بلاڤاتسكي .. بنيامين كريم، بابا رام داس، باك-مينيستر فولير، جان هوستون.. رودولف شتاينر، كين ويلبير، براماهانسا يوغاناندا، وماهاريشي ماهيش يوغي.

مجموعات ومنظمات الحركة: كما اشرنا اعلاه فان الحركة تشمل شبكة واسعة من المجموعات والمنظمات ومنها: مركز تارا (Tara Center)، القوة الثالثة (Third Force)، مجتمع سيريوس (Sirius Community)، فيندهورن (Findhorn)، مركز شينوك التعليمي (Chinook Learning Center)، مجتمع النهضة (Renaissance Community)، توين أوكس (Twin Oaks)، مجتمع ستيل (Stelle Community)، بيرلاندرا (Perelandra)، إيسالين (Esalen)،فوروم (FORUM)، المواطنون الكوكبيون (Planetary Citizens). ...

المفاهيم المشتركة للحركة :

مذهب الوحدة المطلقه ( :(Monism مضمونه أن هناك وجود حقيقي واحد ، أما التنوع الذي يبدو للخبرة الإنسانية العادية فهو مجرد تجليات مختلفة لهذا الوجود الواحد، ليس له أي وجود حقيقي . يتمثل تبنى الحركة لهذا المذهب فى تقريرها ان التَعدُّدية الموجودة في الكون مُشتقة ومُستمدَّة من مصدر مطلق واحد، وكل التنوع الموجود يصدر من طاقة إلهية مُوَحَّدة.

مذهب وحدة الوجود : (Pantheism) هو احد اشكال مذهب الوحدة المطلقه، يرى ان هذا الوجود الحقيقى الواحد الذى يقرره هذا المذهب ذو طبيعه روحيه " الوحدة المطلقه الروحية" ، فمضمونه أن الفكر - أو العقل أو الروح- المطلق وحدة الوجود الحقيقي، أما ما سواه (مثل الظواهر والأشياء المادية) فما هي إلا تجلي لهذا الفكر - أو العقل او الروح- المطلق ليس لها وجود حقيقي.ومصدر اعتقادنا بذلك – اى كون لها وجودو حقيقى خداع الحواس. ويتمثل تبنى الحركة لهذا المذهب فى تقريرها ان الله هو الكل والكل هو الله.

السادهانا (Sadhana): وبالتالي فإنه من الواجب على كل شخص أن يقوم باختيار السادهانا Sadhana " " أو المسار الذي سيخضع من خلاله إلى تحول، سيؤدي في النهاية إلى الوصول إلى معرفة مبدأ الألوهية الكامن فى الشخص..

التقمّص والكارما : إن السادهانا قد يكون طريقاً متعثراً بالنسبة للكثير من الأشخاص، وبالتالي فإنَّه يتطلب أكثر من حياة واحدة لاستكماله.وكبديل للجنة والنار فى الاديان السماويه تتبنى الحركة التقمص والكارما المُشتقَّة من الهندوسية. والتى مضمونها وضع الشخص في دورة من إعادة الولادة.

الديانة الكونية: تتبنى الحركة ديانة كونية "طبيعية" هدفها اكتشاف الشخص مبدأ الألوهية الكامن فى ذاته ، اما كل الديانات الموجود فى العالم ـ سواء كانت سماوية او وضعيه ، فهى مجرد مسارات بديلة تسعى لتحقيق هذا الهدف.

التحوّل لشخصي: هو تحول نوعى للوعى من نظام معتقدات العالم القديم، إلى إدراك لنظام ”العصر الجديد“، وتتمثل الخطوة الأولى في عملية التحول هذه في تبني إدراك الوحدة المطلقه للوجود، وهذا التحول لا يحدث من خلال معرفة الحقائق المنطقية أو الصيغ العقائدة، إنما من خلال التجارب الروحية.

الرؤية الكوكبية"االعالميه ":(Planetary vision): وتؤكد فرضية غايا(Gaia) - التى تؤمن بها الحركة - بشكل أساسي على أن الأرض بذاتها هي كائن حيّ.

ظهور المخلص : و كان الرواد الأوائل لحركة العصر الجديد قد تصوروا مجيء زعيم عالميّ أو أڤاتار عظيم يُبشّر ببزوغ فجر العصر الجديد.

الخطيئة: الخطيئة عند الحركة هي جهل الفرد بإمكانياته الداخلية"اى مبدأ الألوهية الكامن فى ذاته".

الموت: والموت عند الحركة هو مجرد نقطة انطلاق للدخول إلى الحياة التالية في دورة إعادة الولادة أو التناسخ.

العصر الذهبى: وترى الحركة ان الوقت قد بات قريباً من الحاله المثاليه التى سيمثلها مجىْ العصر الجديد- بالوعى بهذا العصر - حيث تنتهي كل المشاكل من المجاعة العالمية، والتهديد بالحرب النووية، وتدمير البيئة، والمخدرات، والإيدز، والجريمة ، وغيرها من مشاكل عالمية.

عصر الدلو (Aquarian Age) : وترى الحركة ان الأرض يجب أن تمر عبر حقب تدوم لمدة تقرب من ألفي عام (علامات الأبراج الفلكية ) (Zodiac) ، وتبشر الحركة بعصر برج الدلو التالى لعصر برج الحوت، ولكن هناك اختلاف بين أنصار الحركة فى كون هذا العصر قد بدا بالفعل- وماهو تاريخ هذه البدايه - او لم يبدأ بعد – مع اتفاقهم فى اقتراب هذه البداية - (حركة العصر الجديد/ موقع سبب للرجاء/ أكتوبر 2020 ) (حركة العصر الجديد / ويكيبيديا، الموسوعة الحرة(

نقد:

اولا: محاولة- خاطئة- لإشباع الفراغ الروحى: الحركة - وغيرها من حركات روحية غربيه معاصرة – هى محاولة- ولو كانت خاطئة- لإشباع الفراغ الروحي ، السائد فى الحضاره الغربيه المعاصره - والتي تتبنى الليبرالية كفلسفة طبيعية "مادية – غير دينيه ، ومنهج فردى ، ومذهب ذو اركان اربعة (العلمانية فى علاقة الدين بالدولة ،والراسماليه فى الاقتصاد ،والفرديه فى الاخلاق ، والديموقراطية " فى صيغتها الليبرالية" فى الحكم )- والتى شاع فيها إقصاء الدين من الحياة العامة نتيجة لتطبيق العلمانية . وظهور التيار الإلحادي. والنظرة العلمية المتطرفة التى تتطرف فى تأكيد دور العلم ، حتى تطرحه كبديل للمجالات المعرفية الأخرى كالدين والفلسفة. والتصور المادي للوجود الذى يتطرف فى إثبات البعد المادي للوجود، الى درجة إلغاء أبعاده الروحية .

ثانيا: دليل على أهمية البعد الروحي للإنسان: فهي دليل على أهمية البعد الروحي للإنسان – سواء كان فرد او جماعه.لذا - وكما يقال - فإن طرد الدين من الباب"اى عدم الالتزام بالدين الصحيح- لن يؤدي إلا الى دخوله من الشباك "اى فى شكل مفاهيم خاطئه ذات طابع دينى" اى دين زائف " .

البحث عن الحل فى المكان الخطا"مذهب وحده الوجود" : ووجه الخطأ فى هذه المحاولة انها بحثت عن حل لمشكلة الفراغ الروحي فى المكان الخطأ ، اى فى مذهب وحده الوجود ، والذي يتناقض فى ذاته وفى ما يلزم منه ، مع التصور الصحيح لطبيعة العلاقة بين الوجود الطبيعي المحدود"المخلوق " والوجود الالهى المطلق"الخالق" ،والذى جاءت به الأديان السماوية - فى صورتها الأصلية الصحيحة غير المحرفة - كنفي الخلق ،وكانكار الوجود الحقيقي لوجود المخلوقات، والخلط بين الخالق والمخلوق ،وسقوط التكاليف ، إنكار الوجود الحقيقى للشر. .. فهذا المذهب يثبت البعد الروحي للوجود الانسانى(فيشبع بذلك الفراغ الروحي عند الغربيين )،ولكنه يتطرف فى هذا الاثبات لدرجة إلغاء البعد المادي للوجود الانسانى( فيوجد بذلك مشاكل اخرى، منها التناقض مع التفكير العلمى القائم على الإقرار بالوجود الموضوعي للمادة ،وفتح الباب أمام التفكير الخرافى الذى ينكر هذا الوجود الموضوعي للمادة والقوانين الموضوعية - السنن الالهيه بالتعبير القرآنى – التى تضبط حركته).

دليل على تقصير المسلمين فى الدعوة :كما ان شيوع هذه الحركة - وغيرها من حركات روحية – فى الغرب ، دليل على تقصير المسلمين فى الدعوة الى الإسلام ، وتقديم صورة صحيحة للإسلام كدين عالمي إنساني ، وقائم على السعي لتحقيق التوازن بين الأبعاد المادية والروحية للإنسان.



د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

[email protected]


..................................

الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري[/HEADING]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى