محمد بشكار - الإخْوة كلاشِنْكوف!

الإخْوة كلاشِنْكوف !
محمد بشكار
الآن فقطْ اتَّضَحتْ ملامحُ الكابوس الذي ارتشفت العرَّافات لأجل سَبْر أسْراره ألْف فنجان، الآن فقطْ نطق الكابُوس وأصْبح لِصوته دَوِيٌّ مُرعبٌ مع أول طلقةِ مدفعيةٍ في أوكرانيا، الآن فقط انْكشف أنَّ كابوس كورونا ليس سوى حربٍ بيولوجية، منْ ينسى أنَّ هذا الوباء أول ما تفشّى فَمِن مدينة وُوهان، أليستِ الصين اليوم ودول الجِوار التي تُكمل بتحالُفها ذيل التِّنين، تركب مع روسيا ليس على فرو الدُّب الأبيض، بل على متن نفس الصاروخ الذي يحمل الاسم النووي الرَّهيب ليوم القيامة، الآن فقطْ سقط القناع واتَّضح أن ما بدأته الصين بكورونا تُكمل أشواطه روسيا في أوكرانيا، وأنّ البقية المُنْذِرة بنهاية الإنسان رُبّما تنْطلق شرارتُها من التّايوان !
عجباً هاهي كورونا تتطوَّر مع اختلاف أنَّ المُتحوِّر الجديد هذه المَرَّة ليس فيروساً سلالياً، ولكنه حربٌ تربطها بالوباء أكثر من آصرة، يكفي أن نُمْعِن التأمل دون تحليل مجْهري في كَلِمَتيْ كورونا وأوكرانيا لتتَّضح أوّلا آصرةُ الاشْتِقاق اللُّغوي، لَكأنَّهما شقيقتان بالأحرف وليس الرَّضاعة، تَليها قرابةُ الدّم، وهل ثمَّة سفكٌ أوْفَر مِما استنْزَفَتْهُ كورونا من جوف الفقراء، وأغْزَر مِما يفيض هذه الأيام عبر نفق الحبِّ في أوكرانيا، كلاهما ولو اختلفتِ الخُطَّة يطْحنان البشرية تحت رحى الحرب !
ألمْ أقل إنَّ بين كورونا وأوكرانيا وشائج عرْقية تُريد أن تُركِّع تحت راية نظامها الجديد كل الشُّعوب، تُمزِّق خريطة العالم لِتُعيد رَسْمَ الحدود بامتدادات وزعامات أخرى، وتَسْعى إلى قلْبِ موازين القِوى لينتهي زمن المُعَسْكر الواحد، بل إنَّ الأفق المضرّج بالشفق يلُوحُ بتحالفِ أخْطر وأثقل ترسانةٍ حربية نووِية يُمكن أن تُدمِّر العالم في رمْشة عين، وإذا كان الكاتب الروسي دوستويفسكي كتب رواية "الإخوة كارامازوف"، فلا أحد يعرف إلى ما يهفو بوتين هل لاستعادة المجد القيصري أو إمبراطورية الاتحاد السوفياتي، لذلك يمكن القول وهو يضع يده في أيادي زعماء الجِوار النَّووِيِّين، إنه بدأ اليوم يكتب ملحمة الإخوة كلاشنكوف، كأنِّي بالفينيق السوفياتي يسْتجمع أجنحته المُبعثرة لِينْبعِث من رماد، هل أُبالغ إذا قلتُ إنَّ ثمة مَنْ ما زال يُدفِّىء روحَه المُرْتعشة برومانسية هذا الحنين، أمّا أنا فما زلتُ أسْتغربُ لكل هذا التَّشابُه بين كورونا وأوكرانيا، ما زلتُ أتحسَّس مَوضِع السُّرّة لأطمئن على آدميتي، بل كِدتُ بعد أول إغارة أنْ أُضِيف آصرةً أخرى لِلُّغة والدم المهدور، لولا أنَّ الحرب بدون ملّة ولا دين !
حقاً إنَّ أوكرانيا في وضْعٍ جغرافي يُغْري بالتَّحرُّش، جسدها الرَّشيق على حُدود روسيا ولكن قلبها الأبيض الصَّغير يَخْفُق لأوروبا، تُريد الانفتاح ولكنَّ أولي أمْرِها بِقُوة التّاريخ والجغرافيا، أولئك الذين ما زالوا يحتفظون بجذورها بين أحْراش اللِّحى البولشيفية، يروْنَ أن وضْعَها المُسْتلقي بغنجٍ على مطمعٍ من الغرباء، غير لائقٍ وفيه كثيرٌ من الإغراء الذي يُهدِّد الأمْن القومي، لنْ نمضي في التُّحرُّش بعيداً، ولكن الخوف مِنْ أنْ يُصبح جَمال أوكرانيا نِقْمةً على روسيا، الخوف من أنْ تعود إلى أهلها حُبْلى بقواعد عسكرية من أمريكا وأوروبا، أليس بعضُ الانفتاح مِمّا يُؤدِّي للانْبِطاح !
لقد أصبحتْ أوكرانيا تجري مع الرِّيق على جميع الألسُن، حتى بات الناس ينطقونها خطأً كورونا، خصوصاً أنهما عنوانٌ واحد بالدم العريض لِنفس أزمة شظف العيش، إذا كان الوباء فَرض الإغلاق العالمي مِمَّا أدى لِخسائر اقتصادية فادحة، لا أعرف هل من سُوء حظِّنا أو حُسْن جمال هذه الجمهورية السلافية الشّقراء، أنْ تَهُبَّ كل بلدان الحِلْف الأطلسي لِنجدتها بمعْسول الكلام والعناق، أليستِ الدَّورة الاقتصادية وليس الشَّهرية تجري عبر شريان عالمي واحد، فماذا لو انقطع الطَّمْث واستُثْني من هذا الشريان عن طريق فرض العقوبات، قُطْبٌ أو دبٌّ ضخم كروسيا، ماذا لو توقّف ضَخُّه البترولي، وصادراته القمحية التي وصلت لجميع الصُّحون، مع تجميد سُيولته في منظومة سويفت البنكية، ألنْ تختلَّ حركة هذه الدورة المعيشية في العالم، يا لفظاعة ما ينتظر البشرية إذا تحالف الدب الروسي مع التِّنين الصيني وأمْعنوا في نفخ النِّيران المسمومة بِأرجاء المعمور، وإذا تفاقمَ ما يُسمِّيه الاقتصاديون بالتَّضخُّم المالي، لن تُصيب جائحته الأثرياء طبعا فهُم مُتضخِّمون بالصوت والسُّرّة، إنّما سيضرب قويّاً قلب الفقير!
أعْترف أنِّي حين أصْطدم بجدار الواقع كما هو قريباً من أنفي، لا أجدُ غير الخيال أسْتنجِدُ بسِعته للفِكاك مما يُحَاك حول الرَّقبة منْ حبال، ولأنِّي جُزءٌ من الكُل فالمَقصود برقبتي جميع الشُّعوب المُسْتَضعفة على وجه الأرض، ما زلتُ لا أصدِّقُ أنَّ الصُّدفة بكل هذه العبقرية لتخْتار من الأزمات ما يتشابهُ حتى من حيث الاشْتِقاق اللغوي، فما أقرب كورونا من أوكرانيا، لكن هذه الأخيرة كانت ستكون أجْمل بشعرها الأشقر وأعينها الزُّرق لو لم تضَع العالم على حدود الخطر !
.............................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 3 مارس 2022.






1646392947285.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى