فاتن فاروق عبد المنعم - مذبحة الأرمن (1) زيف ودخن..

زيف ودخن:

الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام، لا تنقل الحقيقة بقدر ما تنقل مآرب القوي غير الأمين الذي يكتب عن الهوى، وكل ما يكتب عن الهوى معيب، يكتنفه الكذب الصراح، ولأن كل مضطلع بعلم ما هو عالم، والعالم يكفيه من الحياة الدنيا علمه الذي يخلد وجوده دون حد أو حدود، فإن لم يتحر الصدق فيما يتناوله سقط في جب سحيق، ويكون السقوط أبدي لا يعلوه ارتفاع مرة أخرى، ذلك لأن سلامة القصد من سلامة النية، فإن كانت الأخيرة فاسدة فكيف تسلم الأولى؟!
مذبحة الأرمن،

تناولتها الكثير من الأقلام، ولكن الباطل منها فاق الحد، كما العادة ولكن رغم خفوت صوت الحق فهو أبلج وسنبدأ بإذن الله تناول هذه الحادثة مستعينة بالله ثم بنية صادقة خالصة لوجه الله على الوقوف على أعتاب الحقيقة والتي أربأ بنفسي الحياد عنها باذلة في ذلك ما استطعت إليه سبيلا.

وعبر الزمان والمكان في العالم الإسلامي فإن المحتل لا يألو جهدا ليحقق مبتغاه فينا مستغلا دوما المناطق الرخوة والتي منها يخترقنا، من هذه المناطق الأقليات، الذين يسهل استدراجهم ومليء داخلهم بأيدلوجية (سواء كانت قومية أو دينية) مناوئة للأغلبية بالطبع، فيصبحوا في وضع الاستعداد التام للتعاون مع أي آخر.

الأرمن كانت إحدى الأقليات التي ضمتها الدولة العثمانية (1299- 1923) وأكثر تواجدهم كان بالسلك الدبلوماسي نظرا لمهارتهم في إتقان اللغات الأخرى والترجمة، بعضهم كانوا وزراء ومنهم من أصبح نائب الصدر الأعظم (رئيس الوزراء)، وكانوا من كبار ملاك الأراضي والإقطاعيين، وكانوا ينافسون اليهود في إقراض المال بالربا،

وكانوا ملاكا لدار سك العملة فترة طويلة من الزمن، وكان عدد منهم من كبار رجال الأعمال المصدرين والمستوردين،

وكانوا من المؤسسين لعدد من الشركات الدولية في عدة عواصم في آسيا وأوروبا، وداخل الدولة العثمانية، كانوا يعاملون على أنهم طائفة أو ملة تتمتع بحقوق المواطنة وليسوا كأقلية دينية.

كان البطريرك الأرمني منذ المؤسس محمد الفاتح مسئولا عن الموظفين والإدارة الروحية والتعليم العام،

والمؤسسات الدينية والخيرية لطائفته، وبعد ثورة اليونان وانفصالها عن الدولة العثمانية ازداد نشاط الأرمن ليملأوا الفراغ الذي تركه اليونانيون.
الكنيسة هي الوطن الأم:

كانت هي المحرك والمحرض للثورة على الحكم العثماني والدب الروسي في آن،

والتبشير بالنصرانية، خاصة في أعقاب الثورة الفرنسية الماسونية حيث استقوا منها الشعارات القومية والرغبة في الانفصال فأصبح الأرمن من الأوراق الضاغطة في اللعبة السياسية الدولية.

بعد أن أصبحت الدولة العثمانية رجل أوروبا المريض (من أكبر الدلائل على ترهلها وضعفها، إعطائها امتيازات واسعة للأقليات والتي قادتهم للانفصال عن الدولة الأم)

في أول جلسة للبرلمان العثماني إبان حكم السلطان عبد الحميد الثاني وقف النائب البرلماني الأرمني مطالبا بالانفصال عن الدولة وهو ما يعني رسميا انهيار الدولة،

وفي زمن حزب الاتحاد والترقي الذي تولى إدارة البلاد في أخريات السلطان عبد الحميد أعلن بكل صراحة أنه فجر ستين قنبلة في العهد الحميدي وأنه الآن يعد القنبلة الواحد والستين، أما قمة التصاعد الدرامي فكانت قبيل نشوب الحرب العالمية الأولى، والأرمن منتشرون في ست ولايات،

بعض هذه الولايات تتماس في الحدود مع روسيا العدو الأساسي للعثمانيين في هذه الحرب، واستغلت روسيا الصيحات الأرمينية المطالبة بالانفصال عن الدولة العثمانية فكانت داعما وظهيرا لهم فأمدت الثوار الأرمن بالمال والسلاح،

ورد الأرمن الجميل للروس بإمدادهم بالرجال والمعلومات،

فأصبحوا طابورا خامسا يعمل لحساب القوات الروسية فاعتبرت الدولة العثمانية ذلك الفعل خيانة عظمى،

فكان قرارها بترحيل سكان المناطق الحدودية إلى مناطق داخلية

وقام ثوار الأرمن بنشر ذلك في الصحف الأمريكية والأوروبية معتبرة هذا السلوك من قبيل التهجير القسري

الذي ألقى بظلاله عليهم والذي أدى إلى تساقط الضحايا بأعداد مبالغ فيها.
أرنولد توينبي:

هذا التهجير كان الذريعة التي بها أعطت أوروبا لنفسها الحق في القضاء على الدولة العثمانية ووراثة تركتها الذاخرة،

وأنشأت لذلك خلية إعلامية داخل المخابرات البريطانية برئاسة المؤرخ الشاب أرنولد توينبي

لتغذية الضغائن وتسعيرها تجاه الدولة العثمانية والإسلام على وجه الخصوص

الذي هو عندهم تقليد غير متقن لليهودية وتعديل غير صحيح للنصرانية وثورة لقبائل بدائية همجية هي القبائل العربية.

ورغم أن القضية الأرمنية حسمت في مؤتمر لوزان 1923م إلا أن القضية ظلت مطروحة، فهم في مرحلة الشتات أو الدياسبورا،

نشروا قضيتهم من خلال جمعياتهم ومؤسساتهم الخيرية والفنية والثقافية ومن خلال الضغوط السياسية

التي مورست من اللوبي الأرمني في أوروبا وأمريكا

وليس ذلك فحسب بل وظهور جماعات مسلحة تمارس أنشطتها ضد الأهداف التركية والدبلوماسيين الأتراك والجيش السري «أسالا»

والتي تركزت أنشطتها في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.
كرة الثلج المتدحرجة:

زادت أنشطة الأرمن بعد ظهور دولة أرمينيا التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي السابق،

حيث طالبوا بأراض شاسعة في الأناضول باعتبارها ممثلة لمملكة أرمينيا التاريخية،

وانتزعت اعترافات سياسية من عدة دول بمذابحهم وإبادة جماعية لهم،

وهذه ورقة استغلتها كل الأطراف للضغط على تركيا التي منعت من دخول الاتحاد الأوروبي،

ثم توزانات ومصالح إستراتيجية أمريكية في منطقة القوقاز ومنابع النفط فيها،

بعد الفراغ الأمني والأيديولوجي الذي خلف سقوط الاتحاد السوفيتي وظهور أمريكا كقطب أوحد في هذا العالم،

وهذا يوجز لنا تلك القضية في كونها إفك تم استغلاله في إسقاط كيانات دولية وقيام أخرى في لعبة سياسية دولية مكرورة (ويا ليت قومي يعلمون).

وجهت طائفة الأرمن الاتهام لحكومة الاتحاد والترقي بتنظيم وتنفيذ مخطط لإبادة العرق الأرمني في تركيا،

وهذه الحكومة كانت مناوئة للخلافة بل وبذرة الحكم العلماني الخلص من أي ارتباط بالإسلام في تركيا،

والتنازل يبدأ بكلمة إن لم يتم تداركها تدحرجت كرة الثلج حتى تتضخم،

فالتدخل في شئون الدولة العثمانية من قبل روسيا وفرنسا وانجلترا كان لحماية النصارى كما يزعمون،

وهذه تخرصات كل من بنفسه مآرب أخرى حيث تبع ذلك اتفاقات ومعاهدات لإضعاف الدولة العثمانية والتسريع بسقوطها.
الارتباط الديني أقوى من المواطنة:

خلال السجال العسكري المتكرر بين الدولة العثمانية وروسيا كان الكثير من الأرمن ينضمون للروس

وينتظرون فرصة أفضل لانقضاض الروس على العثمانيين ويتركون بقية الأرمن في الدولة العثمانية عرضة لاحتقار المسلمين وازدرائهم نتيجة لانضمام بنو دينهم للروس،

واشتد العداء مع الحرب العالمية الأولى عندما أصبح الصراع ليس بين القوات العثمانية والقوات الروسية وإنما بين الجماعات الأرمينية المسلحة وبين المدنيين المسلمين

وقد حدثت أسوأ المذابح والتدمير للقرى المسلمة التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين في بداية الحرب العالمية الأولى ونهايتها خاصة مع ظهور طلائع أرمينية منظمة ضد العثمانيين،

بل ومارس الأرمن ذبح المسلمين الأتراك خلال الحرب العالمية الثانية،

ولكن تركيز الإعلام والمؤرخين الغربيين فقط كان على ما تعرض له الأرمن أثناء التهجير

دون الوقوف على حقائق علمية ثابتة ووثائقية تجلي الحقيقة وتبرزها رغم أن ضحايا المسلمين على يد الأرمن أضعاف ضحايا عملية تهجير الأرمن،

ولكنها الآلة الإعلامية والدعائية الضخمة (والطابور الخامس بيننا) التي تلوي عنق الحقيقة لصالح أطماع سياسية دولية.
يقول صمويل ويمز:

آلاف من الأرمن قد ماتوا أثناء الحرب، كما قد حدث أيضا للأتراك بشكل أكثر، الامبراطورية العثمانية كانت في مرحلتها الأخيرة من الحياة،

الآلاف من الناس الأبرياء قد فقدوا حياتهم بسبب جشع وأنانية الأرمن الذين أرادوا أن يقيموا مملكتهم الخاصة الصغيرة،

الحقيقة الخالصة في القضية هي أن عدة آلاف من الأتراك كانوا معرضين لمذابح رهيبة في الأماكن حيث كان الأرمن قد انضموا للقوات الروسية.
ويدين صمويل ويمز البرفيسور الأرمني المعاصر هوفا نسيان فيقول:

تجاهل الشهادات والأدلة التركية العديدة، والتي مازالت حية، من الذين تعرضوا للأعمال الوحشية الأرمينية الرهيبة،

لو كان قد تعرض للتاريخ كان سيتضمن بلا شك أهمية واعتبار مئات الآلاف من الأبرياء الأتراك الذين تعرضوا لوحشية الحرب،

الحقيقة أن معاناة المسلمين وفي المقام الأول معاناة الأتراك تم تجاهلها بالكامل،

وهذا يثبت تحامل البروفيسور هوفا نسيان والأساس المتداعي الذي تركن إليه الادعاءات الأرمينية عن الإبادة الجماعية.
وللحديث بقية إن شاء الله

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى