محمد السلاموني - البوتقة الإسلامية الصُّلبة

يتأسس الخطاب الإسلامى العام على قاعدة رئيسية تقول بأن (الإسلام يجُبَّ ما قبله) ...
[لفظ "الجُبّ" في اللغة ، بمعنى القطع ، جببته أي قطعته ، كما ورد في معاجم اللغة العربية. فكأنّ الإسلام يقطع ويقلع ويرفع ...] والقاعدة تعنى أن [الإسلام يُسقط الآثار الّتي تترتّب على الأفعال والأقوال الّتي تصدر من الكافر فيما لو دخل الإسلام ].
إذن بالدخول إلى الإسلام يولد الإنسان من جديد - هذا والولادة الثانية (الإسلامية) هنا، تعنى (قطع) الإنسان عن تاريخه وجذوره وثقافته وكل ما لا يمت للإسلام بصلة وإعادة شتله فى أرض الإسلام ، من هنا رأينا الشعراء المصريين والعراقيين والسوريين والمغاربة ... يتحدثون عن تاريخهم (العربى) المجيد ، ليصير تراث وتاريخ العرب (وكل ما هو عربى ، سابق على الإسلام) هو نفسه (تاريخ وتراث المسلمين جميعا) .
ما نلاحظه هنا، هو أن هناك (هوية) جديدة جاد بها الإسلام على معتنقيه... أى إعادة تعريف للإنسان والتاريخ والتراث ... إلخ ، تتأسس على (الجُبّ ، أى القطع) ...
تلك (القطيعة) تنزع الإنسان من حضارته الخاصة لتعيد شحنه بالدين (ليصير إنسانا دينيا - إسلاميا) ...
غير أن ما يعنينى هنا ، هو أن الحضارة الإسلامية البديلة التى قيل بأن الإسلام صنعها ، لم تكن فى أغلبها الأعم سوى هجين حضارى إنسانى ، نتج عن إنصهار الشعوب المتعددة الأصول فى بوتقة الإسلام ، ومع ذلك ظل الإسلام نفسه مجرد بوتقة خزفية خارجية ، جامعة لمواد ثقافية أقدم وأعرق منه بكثير - مما يعنى أن الإسلام لم يؤثر ؛ لم يكن لديه (مادة) يؤثر بها على المواد الثقافية الأخرى ، لذا ظلت المواد الثقافية (الخاصة بالحضارات الأخرى) تتفاعل معا ، وتتبادل التأثير والتأثر ، داخل البوتقة الدينية الجديدة (التى اتخذت شكل اللغة العربية ، والقالب الشعرى العربى ، هذا فى الوقت الذى ظلت فيه المواد الثقافية القديمة " الأصلية "، تتكلم ، معلنة عن وجودها ؛ مشيرة إلى أصولها الهوياتية غير الإسلامية ؛ الفولكلورية والتاريخية والدينية وغيرها) ، وهو ما تتبدى مظاهره بوضوح فى الممارسات اليومية للشعوب ..
تلك (البوتقة) الدينية الإسلامية ظلت صلبة، أكثر مما يجب، بفعل عوامل سياسية (متعلقة بالدولة) والأيديولوجية الملازمة لها - مما تمخض عن إنتاج مجموعات هائلة من الأكاذيب تم اعتمادها كحقائق داعمة للكتاب المقدس نفسه ، فـ (العلوم- التى أنتجها العلماء العرب ، تم أعتمادها كعلوم إسلامية ، هذا على الرغم من أن معظم هؤلاء العلماء أتهموا بالكفر وبالخروج من ملة الإسلام ، أما التاريخ ، فعلى الرغم من دمويته واستباحته للأنفُس ، إلا أنه أعيدت صياغة حبكته كجهاد فى سبيل العقيدة) ..
هكذا فـ (الدولة والتاريخ والمعرفة) إتخذوا من (الدين) مرتكزا ومبررا لوجودهم دعما لسلطة تغلغلت بداخل الأفراد (المسلمين) ؛ ليعيدوا إنتاجها هم أنفسهم بوَهم (الجهاد العقائدى) ...
(البوتقة الإسلامية) الصلبة أكثر هشاشة مما يتصور أحد ، نظرا لأنها صُنِعَت من مادة أيديولوجية وهمية ليست أكثر من مخدر غير مرئى ، يتعاطاه الجميع سرا ...
إستمروا فى تفكيك هذا الهراء ، فلا نجاة لنا منه إلا بهذا ...



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى