سيد الوكيل - أدب الحرب ( ملف خاص ) في ذاكرة القصة المصرية.

تقديم



أنا لا أحب أدب المناسبات، لكن ذكرى حرب تحرير سيناء، ليست مجرد مناسبة، إنها دورة دموية تجدد وعينا بذاتنا نحن المصريين. ولأنني عشتها بكل تفاصيلها المريرة والحلوة، فقد سكنت بداخلي، وصارت جزءا مني، مهما طالت السنين وبعدت.

فلا يمكنني أن انسى أبدا تلك اللحظة وأنا في امتحان الإعدادية عام 67 المشئوم.. عندما دخل اللجنة مدير التعليم وقال:

خلاص يا ولاد.. مش هنكمل الامتحان .. الحرب قامت.

شحنونا في سيارات نقل، تجوب بنا الشوارع، ونحن نهتف: هنحارب.. هنحارب.. إسرائيل الأرانب.

اتذكر هذا الشعار المضحك جيدا. وأتذكر فرحتنا العابرة، التي انطفأت في اليوم التالي. عندما أذاع الراديو خبر انسحاب القوات المصرية من سيناء، ومشهد أبي مطأطيء الرأس. وهو يصرخ: فين صواريخ القاهر والظافر.

قبل عام تقريبا حضرت مع أبي عرضا عسكريا في استاد القاهرة، احتوى نماذج لصاروخين كبيرين ، هما القاهر والظافر. استقبلتهم الجماهير بهتاف صاخب، فيما كان جمال عبد الناصر في قمة نشوته يحي الجماهير.

هذا المشهد أوحي لي أن أرسم لوحة شهيرة لعبد الناصر، وهو ينظر إلى السماء، فيما القاهر يحلق فيها. وعلقت اللوحةعلى جدار في مواجهة العلم بالمدرسة.

حزن عميق بعد فرحة عابرة. حتى أن أبي رفض الخروج في مظاهرة المطالبة بألا يتنحي الزعيم، وعندما سألته لماذا، قال:

– كفاية بقى السياسة الاستعراضية.. كفاية.

في تلك اللحظة سمعنا صوت مندوب الاتحاد الاشتراكي وتابعه شيخ الحارة، يطالبنا بالنزول..

اللية الثالثة من ليالي النكسةكانت الأكثر كآبة، صفارات الإنذار لا تنقطع، و طائرات تعربد في السماء، وتختفي دون أن نعرف لمن هي ولماذا؟

طوابير البحث عن الطعام حالة هوس ورعب. ظلام البيوت والشوارع، فقط طلقات كاشفة ملتهبة في السماء، ولكنها غامضة بلا هوية أيضا. وتنافس في بناء سواتر من الطوب والرمل أمام أبواب البيوت، ودهان زجاج النوافذ بلون أزرق داكن بأمر من مندوب الاتحاد الاشتراكي وشيخ الحارة.’

اشاعات عن أن اليهود يدخلون البيوت ويغتصبون النساء، لهذا كنت أنام وتحت مخدتي سكين..

ست سنوات نغني: ( عدى المهار والمغربية جاية.. تتخفي ورا ضهر الشجر.. وعشان نتوه في السكة، شالت من ليالينا القمر .. وبلدنا على الترعة بتغسل شعرها… جاها نهار، مقدرش يدفع مهرها )

ترى.. من العريس الذي كان الأبنودي يرمز إليه بالنهار،ذلك الذي عجز عن دفع مهر مصر؟

لأمسح ألم هذه الذكريات، كان عليّ أن أقدم نفسي للتجنيد. في عام 1971.

الجندية، تجربة على ما فيها من معاناة، تغير كل حياتنا فنصبح شيوخا ونحن على مشارف العشرينات من العمر… يا الله.

فقط الذين عاشوا هذه السنوات بمرها وحلوها، يعرفون قيمة أنتصار 73.

ويشعرون بالامتنان لهؤلاء الرجال، الذي حفظوا مصر.

ومهما كان رأينا فيهم، وموقفنا منهم، فهم جديرون بتحية لأرواحهم.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى