محمد عبدالعزيز أحمد (محمد ود عزوز) - لا اعرف كيف نجوت لثمان وعشرين عاماً

لا اعرف كيف نجوت لثمان وعشرين عاماً
أنني ابدو كطفل افزعته الحرب فركض
ركض دون ان يلتفت
تاركاً القرية المحترقة ، و جثمان والديه ، وشظايا الصبية الذين شاركوه غبار الحي ، والقنابل التي تسقط ككلمات تعزية
ركض فوق الجثث ، حطام البيوت والذكريات ، و استنجاد البقع
وحين تعب
حين
إلتفت الى الخلف ، ليرى ما خلفته الحرب من دموع ، وقصص مبتورة
و انصاف حيوات
لم يكن يملك حينها ما يقوله سوى أن يندهش
لا يعرف سوى أنه نجا
لا يدرك سوى كم كان وحيدا
ثمانية وعشرون عاما، فك بثمانية وعشرين نابا ، انزلقت من بينها ، خسرت كيلوغرامات من الاجساد ، والجلسات اللطيفة ، والافخاذ التي لقنتني اللمسات الطارئة
ثمانية وعشرون حرباً
ولم اُضع في شاهد
او كطفل اخر
شاهد من فتحه صغيرة في الخزانة ، عائلته تنحر
فرداً
فرداً
شارب الوالد تُغطيه الدماء وشيء من الامتنان للقتلة على اغماض فواتير كان ينبغي أن يسددها
نظرات الام التي تحسرت على مخاضها على اطفال سينحرون
اخوانه الصغار الذين تساءلوا بحيرة
" إن لم يكن في الارض متسع لنا ، لماذا عبثت بطيننا يالله؟"
شاهد عائلته
فرداً
فرداً
التقط الحيرة والندم والاسئلة
في الصباح
عاد القتلة الى بيوتهم ، قبلوا زوجاتهم ، مسحوا على رؤوس ابنائهم وشاهدوهم يكبرون
بقي هو في الخزانة
من الفتحة الصغيرة ، تابع العالم، تابع الحرب، تابع الشتاء، واحب فتاة
من الخزانة كم كان عالمه مُتسعا بالموت
لقد كانت النجاة مكلفة حقاً ، احياناً اقصى ما نريده أن نعرف أننا احياء
وأن قصصنا الصغيرة التي نحفظها تحتاج أن تروى
أن نثق في امرأة حد أن نسلفها اسماءنا ، واحزاننا ، دون أن تسلفها لشاعر سكير
او تتبادلها في مزحة مع اخر
وأن ننام حقاً ، لا ندعي ذلك ، لنلغي محادثة ، او نتهرب من لوم ، أن ننام حقاً في صدر احداهن
وحين نستيقظ نجد انفسنا في ذات الصدر ، وليس في غرفة انتظار الشنق
اراقب الثماني وعشرين عاما
واتساءل دائماً ، كيف نجوت ؟
لستُ قوياً ، ولا انوي أن اكون اقوى من الآن ، مثل الشجرة التي تنتزع العاصفة من جذورها ، القبضة التي تبعد المعتوه عن جسد امرأة ، الوجه الذي تستأنسه المشيئة حين تنوي التغوط
في السته وعشرين عاما الماضية
نجوت ربما ، لأن شيئا ما اخبرني بأننا سنلتقي
ربما ساحاول أن انجو الآن لثمانية وعشرين اخرى
لأخبر العالم
فرِحاً ، كطفل ابله ، بجسدي المُثقل ، بقلبي المحطم
أنني التقيت بكِ حقاً
حتى أنني قبلتك بنهم

عزوز

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى