محمد بشكار - رسائل الكفران (الجزء الثلاثون)

1
برامج الطَّبخ التي انتشرتْ بتنوُّع أطْباقها الشهيّة في كل القنوات التلفزيونية، يُمْكن اختصارها في طبْختين، واحدة تتكفَّل بالطَّهي للمعدة، والأخرى مُوجّهة دون رحمة لشيِّ قلب الفقير حُرْقةً وكَمدا !
2
التَّشْكيل ليْس مُجرَّد رسْم أو نحت أو تصوير.. بل هو إعادة تشكيل للحياة بالألوان التي تُناسب أحلامنا، وأخطر هذا التَّشْكيل ما يشتغل على التَّنكيل بالجاهز وتقويض النَّمطي، ولا يني يُغامر لِيقْترح طريقة عيْش تُنزِّل عِوَض القوانين الصّارمة الخيال على أرض الواقع، مَنْ يتذكَّر نداء متْحف روتردام التاريخي، ألَمْ يَسْتنجد ببعض الفنّانات التشكيليات لإنقاذ المرأة من أعباء الحياة التي تُهدِّد حُريتها الشخصية في مجتمع اليوم، شُغْلٌ خارج البيت وداخله وأمومة مَهْدورة موزَّعة بين الأطفال، يا لَقُدرة هذا الكائن الهشِّ على التَّواجُد في نفس الوقت بأكثر من موضع، أيْن الدِّيكة التي تُبْرِزُ العضلات لِيَحْملوا بعض هذه الأثقال !
نداءُ متحف روتردام التّاريخي لمْ يذهب سُدى، بل إنّ فنانات تشكيليات استجبْن بمقترحات تخييلية تُخفِّف عن المرأة أعباءها، إحداهُن ابتكرت آلة لانتهاز أطْيَب الأوقات، تُشبه في شكلها آلة تصبين ولكن ليس لمدِّ العروق مع حبل الغسيل فوق السُّطوح، بل لِتُغْطِسَ المرأة في حَوْضها الأطفال والهواتف وكل الصَّخب الذي يُرهق الأعصاب ويُفاقِمُ التعب، وشيئا.. فشيئاً يرتفع من هذه الآلة ما يشبه فُقاعات صغيرة ناعمة تُغِري باحتساء فنجان قهوة عاليا في السّحاب، أو الرقص الذي يعود بخطواته إلى أوّل لقاء مع رجل العمر !
ويبقى أخْطر ابتكار جاء في الموعد على هوى النساء، تلكُمُ النظّارات الخُرافية التي صمَّمتْها الفنانة "أنيك أوير" بمساعدة الدكتور "كارمين لابيوندا" بشتَّى الألوان، يكفي أن تضع امرأة إحدى هذه النظارات التي تلائم كل الأعين ليختفي الأبناء من المشهد، تقول الفنانة "أنيك أوير" في محاولة لتبْرير ابتكارها الخطير، ليس القصْد من هذا التّصميم الفني، تشْجيع المرأة على العزوف عن الإنجاب لِتَنْعم بحياة سعيدة، فأنا نفسي لديَّ طفلة، إنما أردتُ فقط التَّخفيف من الضغط النفسي الذي تعاني من قلقه نساءٌ وَلُودات، فهذا العمل الفني لا يخلو من مغْزى فكاهي يبعث رسالة نقدية للمجتمع، أليس بالضحك يُمْكن تمْرير النقد القاسي ولكن بدون جراح، ذلك هو الهدف من ابتكار نظارات تُخْفي الأبناء في لمْح البصر، النقد والضحك حدَّ البكاء، أحمد الله أني استهلكتُ طفولتي بالأمومة الكافية إلى آخر قطرة حليب، وإلا أصبحتُ اليوم ضحية نظارة تَمحوني من الوجود !
3
من الغباء وليس فقط العصبيّة، أن تَمْنعنا مرجعياتنا الفكرية عن الرجوع إلى أفكار غيرنا.. ولو كانت عقائد مُنزَّلة من السماء !
4
ليستِ العبْرة بالسِّن إنما بالفكرة، هل هذه الفكرة اجترَّها الزمن كالشَّوْك في شدق الجمل، أو طلائعيةً مُبْتَكرة، فكَمْ عُمُراً كبيراً مازال شاباً إبداعياً، وكم شابّاً يُولدُ هَرِماً أدبياً إنْ لم نقُل جثة لا يُمكن اسْتنطاقها ولو بطقوس استحضار الأرواح !
إنَّ المبدع الشّاب سواءً كان في العشْرين أو التِّسْعين من العمر، هو الذي لا يفْتأُ يكتب ويمزّقُ في تجريبية لا تعرف المُهادنة، هو الذي يرسُم خُطوط هروب جمالية وإحالية وفكرية، لا تعرف مرفأ في كل أعمار الحياة، ليس الإبداع إذاً بالسِّن أو باكتِمالية التجربة، وإنما بحيوية الخلْق، على الأقل إذا جفّ وأدرك شجرته الخَريفُ، فإن تجربته الإبداعية تصلح حطباً لتأْجيج فصلٍ في الجحيم !
5
الشَّهادةُ إذا كانت حيّة تُلْغي الشّاهدة !
6
بعض التعاليم الدينية التي لا يأتيها الباطل من وارءٍ أو قُدّام، ليْست في مَصْلحة الأبناك، فما أكثر من انصرف عن الاقتراض من باب أنَّ الربا من الكبائر، ولكن لأنّ كل شيء أصبح يُباع ويُشترى في زمننا، فقد بِيع حتى بعض رجال الدين بكل الجلابيب والعمائم ومُسُوح التّقْوى، يجب أن تجري السُّيولة المالية من كل الينابيع حتى لا أقول الجيوب، وإلا انهارت أسْهم مَنْ يحتكرون اقتصاد البلد، لذلك لا تتورَّع بعض الدول عن استغلال الورع البادي لبعض الشيوخ، كأنْ تجعل أحَدهم يُكيِّف الدين بالاجتهاد الذي يُحقِّق المصلحة المالية الضَّيِّقة وليس العامة، وماذا يَضيره أن يُصْدِر فتوى تحلِّل المُحرّم، إذا كان في هذا الاقتراف ما سَيُعزِّز سُلطته كرجل دين في الدولة، بدعوى أنَّ ذلك يَعْتق الرقاب من مَسْغَبة، ثم لا أعجب إلا مِمّن يُحرم الاستدانة من الأبناك، أليْس القرض مُشْتقاً من اسم أعْتى رجل دين اشْتهر بِفَتاواه العجيبة هو القرضاوي!

..........................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 21 أبريل 2022


1650769120156.png



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى