د. مصطفى رجب - أستاذ لي لم أر مثله.. الأستاذ الدكتور / إبراهيم محمد الشافعي

هناك نوع نادر من العظماء ، يحبون أن يظل عطاؤهم مستورا بأستار كثيفة من التواضع الجميل ، وإنكار الذات المبالغ فيه ، ومن هذا النوع أستاذنا الجليل المرحوم الأستاذ الدكتور/ إبراهيم محمد الشافعي أستاذ أصول التربية المتفرغ بمعهد الدراسات والبحوث التربوية- جامعة القاهرة ، وعميد كلية التربية بالمنيا –سابقا ، فهذا الرجل لو أتيح لك أن تقرأ سيرته العلمية التي خطها بيده ، لأفزعك هذا الزهد العنيف في التغني بالأمجاد الذي تلمسه وأنت تقرأ سير من هم دونه عطاء وإنجازا .
لقد أتيح لي أن أدرس على يدي هذا الجبل الأشم مقررا في طرائق تدريس اللغة العربية في كلية التربية – جامعة أسيوط منتصف السبعينيات من القرن العشرين . وكنت أعلم أن الرجل متخصص في أصول التربية وليس في طرائق التدريس ، فقد كانت دفعتنا أول دفعة تدرس اللغة العربية في كليات التربية في تاريخ إعداد معلم اللغة العربية في مصر ، وكان من الطبيعي ألا نجد أستاذا متخصصا في طرائق تدريس اللغة العربية في الصعيد ، بعد سفر أستاذنا الدكتور حسين سليمان قورة أستاذ المناهج وتدريس اللغة العربية والعميد السابق لتربية أسيوط لدولة البحرين .
كان الأربعاء ظهرا هو موعد محاضرة أستاذنا إبراهيم الشافعي ، وكان الرجل يلتزم مواعيده التزاما صارما ، فلا أذكر أنه تخلف عن محاضرته ولو مرة واحدة، ولم يحدث قط أن أنهى المحاضرة قبل موعدها في نهاية الوقت المخصص لها، ولم يتحدث على مدار العام بالعامية مطلقاً، وكان يطلب منا أن نكون حراصاً على التزام الفصحى في تدريسنا للغة العربية في المدارس.
كانت طريقته في التدريس غريبة حقاً علينا بالقياس إلى طرق التدريس التي كان أستاذتنا جميعاً يتبعونها وهي التلقين الجاف الخالي من أي حوار مع الطلاب إلا في استثناءات قليلة كانت تحدث مع أستاذنا الدكتور حسن سلامة الفقي وأستاذنا الدكتور نظمي حنا ميخائيل، وكان الباقون من أساتذتنا التربويين يحاضروننا تلقيناً فقط، ولا يتركون لنا أي فرصة للحوار أو إبداء الرأي فيما نسمع.
أما أستاذنا الدكتور الشافعي فقد كان يبدأ محاضرته بأسئلة بسيطة مثل: ماذا تتوقعون أن يكون الهدف من تدريس درسٍ في النحو أو درسٍ في القراءة أو درسٍ في الإملاء؟ وكنا نتسابق إلى الإجابة فيتلقفها منا، ويعيد صياغتها، وقد يدونها على السبورة، ثم ينتقل إلى جزئية أخرى، وثالثة ورابعة، إلى أن ينتهي من موضوع محاضرته، ثم يشرع في إملائنا كل ما سبق، كنا نسعد كثيراً ونحن ندون ما قلناه، ونشعر حقاً بتحقيق الذات، ونحن نضع المنهج لأنفسنا، كنا نشعر بالثقة في النفس لأننا نتخيل أننا صرنا مؤلفين صغاراً، ولم نكن نعلم أن الرجل بهذا الصنيع يدربنا على ممارسة اللغة، وتنظيم التفكير، والقدرة على الإبداع، والرغبة في المنافسة.
كان الرجل مثالاً للأستاذ الجامعي الذي يمثل الأستاذية في أسمى صورها: مظهراً ومخبراً، عطاءً وحنواً، توجيهاً وتقويماً، تعليماً وأبوةً.
وكان مع هذا كله وقبل هذا كله وبعد هذا كله، نموذجاً نادراً في التواضع وحسن الاستماع والقدرة على امتصاص انفعالات محاوريه.
أذكر أنني- وكنت الأول على دفعتي- ناقشته في مسألة الظلم الذي يشعر به خريجو كليات التربية إذا أرادوا استكمال دراساتهم العليا، فقد كان عليهم إذا أرادوا استكمالها في تخصصاتهم أن يجتازوا معادلة مع كلية العلوم أو كلية الآداب مدتها سنتان، يدرس فيهما خريجو التربية بعض مواد التخصص ثم يلتحقون بالسنة التمهيدية فيكون بينهم وبين التسجيل لدرجة الماجستير ثلاث سنوات، وأما نظراؤهم من خريجي تينك الكليتين: العلوم والآداب، فيكون بينهم وبين تسجيل الماجستير في التربية سنتان اثنتان هما الدبلوم العامة والدبلوم الخاصة، ويعفون من السنة التكميلية للدبلوم الخاصة التي لا يعفى منها خريجو التربية، وقد وعدني أستاذي الدكتور الشافعي- وكان إذ ذاك عميداً لكلية التربية بالمنيا- أن يخصص مقالاً حول هذه المشكلة، وكتبه فعلاً ونشره في مجلة التربية.
العطاء التربوي للدكتور الشافعي في مجال الترجمة :
أستاذنا الدكتور إبراهيم الشافعي من أولئك الرجال القلائل الذين جمعوا بين الحسنيين، فقد تربوا في كلية دار العلوم التي اكتسبوا منها معرفة وثيقة عميقة بالتراث العربي والإسلامي، ثم أتيح لهم السفر إلى الغرب في بعثات مكنتهم من التواصل مع الفكر التربوي الغربي باللغة الإنجليزية. هؤلاء الرجال تميزت ترجماتهم بسلامة اللغة، وحسن الصياغة، والقدرة على توصيل أفكار المؤلفين الغربيين الذين ترجموا مؤلفاتهم إلى القارئ العربي بلغة عربية فصيحة صحيحة سهلة خالية من الركاكة والتعقيد، تلمس هذا فيما ترجمه أساتذتنا الكبار جميعاً ممن درسوا العربية قبل الإنجليزية، ويندرج هنا ما أنتجه أستاذنا الدكتور الشافعي حتى بعد أن تقدمت به السن، وكان يعمل في كلية التربية جامعة الملك سعود بالرياض، ولا ينفك يترجم ويبحث فقدم للقارئ العربي من الكتب المترجمة:
1 ـ الأطفال على حق ( نشرته وزارة التعليم بمصر ) .
2ـ فلسفة التربية في إطار ثقافي ( نشرته جامعة قار يونس ـ ليبيا ) .
3 ـ طرق التدريس تألبف : رونالد ت. هايمان ( 418 ص - نشرته جامعة الملك سعود 1983) .
4 ـ كيف تدرس القراءة بأسلوب منظم ( مكتبة الفلاح بالكويت ) .
5 ـ التربية الإسلامية في العصور الوسطى .
6 ـ مقياس صلاحية القراءة تاليف جورج ر. كلير، ( 331 ص - نشرته جامعة الملك سعود 1988 ) .
7 ـ تفريد التعليم والتعلم ( مكتبة الفلاح بالكويت ) .
8 ـ نظرية المنهج ( نشرته جامعة الملك سعود ) .
9 ـ الطيف التربوي : توجهات المنهج تأليف : جون ب ميللر( نشرته جامعة الملك سعود ) .
العطاء التربوي للدكتور الشافعي في مجال التأليف والتنظير :
لو قلنا إن أستاذنا الدكتور ابراهيم الشافعي مفكر تربوي متميز لما تجاوزنا الحقيقة ، ولا كنا مبالغين ، فهو اختط لنفسه خطة تميز بها بين نظرائه ، وهو أن يقدم فكرا تربويا لم يكن مسبوقا به ، فقد قدم كتابه الفذ ( الاشتراكية العربية كفلسفة للتربية ) فكان نسيج وحده في ميدان الأصول الفلسفية للتربية .
وتستطيع أن تلمس هذا الأسلوب الحريص على التميز والتفرد في بقية كتبه المؤلفة وهي :
1ـ علم الاجتماع : مبادئه وتطبيقاته التربوية نشرته جامعة الامام السنوسى بليبيا .
2ـ الفكر النفسى وتوجيهه للعمل التربوى عبر العصور نشرته جامعة السنوسى بليبيا .
3ـ المرجع فى علوم التربية ، نشرته جامعة بنغازى ـ ليبيا .
4 ـ طرق تدريس اللغة العربية ، طبع فى مصر ونفدت طباعته .
5ـ التربية الاسلامية وطرق تدريسها ، مكتبة الفلاح بالكويت .
6ـ المنهج المدرسى من منظور جديد .
7ـ الاشتراكية العربية كفلسفة للتربية مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة .
8ـ اتجاهات الشباب فى الجمهورية العربية الليبية ـ جامعة بنغازى .
9ـ الوحدات الدراسية ـ الرئاسة العامة لتعليم البنات بالسعودية .
العطاء التربوي للدكتور الشافعي في مجال البحوث والدراسات :
أهم البحوث التي نشرها أستاذنا الدكتور الشافعي في دوريات ومؤتمرات علمية :
1ـ الدروس الخاصة وعلاقتها بالنجاح المدرسى .
2ـ الدروس الخاصة وعلاقتها بالذكاء .
3 ـ ظاهرة قلة البحوث العلمية فى تدريس اللغة العربية .
4ـ اعداد معلم اللغة العربية .
5ـ نحو منهج اسلامى فى علم نفس .
6 ـ مقترحات لتطوير تعليم مادة التوحيد بالمملكة العربية السعودية .
7 ـ الاخطاء الشائعة فى هجاء وكتابة تلاميذ المرحلة الابتدائية بالمملكة العربية السعودية .
8 ـ التلاميذ يؤلفون كتبهم المدرسية .
9 ـ نظام الفصول الدراسية والساعات المعتمدة .
10 ـ حول نظرية فى تعليم الكبار .
التاريخ العلمي والوظيفي للأستاذ الدكتور/ إبراهيم محمد الشافعي :
الدرجات العلمية:
-درجة الليسانس من كلية دار العلوم – جامعة القاهرة (يونيو 1946م).
- الدبلوم العامة في التربية وعلم النفس – كلية التربية – جامعة عين شمس
-الدبلوم الخاصة في التربية وعلم النفس – كلية التربية – جامعة عين شمس - - - ماجستير في التربية كلية التربية – جامعة عين شمس
- ماجستير في التربية كلية التربية – جامعة ميتشجان - أمريكا
-دكتوراه الفلسفة في التربية جامعة ميتشجان - أمريكا 1962م
اللهم اغفر له وارحمه وبارك في ذريته

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى