د. أحمد الحطاب - البيداغوجيا، فن التدريس

أولا، لا بد هنا من توضيحٍ من الأهمِّية بمكان. هناك مَن يُفسِّر كلمة "بيداغوجيا" بمفردة "تربية". و هذا في نظري غير ملائم لأن أصل الكلمة يوناني و كان يعني مرافقة و اصطحاب الطفل إلى المدرسة و متابعة مساره الدراسي من طرف خادم مملوك. تطوَّر هذا المعنى و أصبحت كلمة بيداغوجيا مرادفةً ل"تربية"، "تعليم"، تعلُّم"، "طريقة"، الخ. بينما التَّربية، التي لها علاقة ببناء الشخصية، ليست حكرا على الأطفال حيث لا تتوقف عند عمر محدَّد بمعنى أن بناء الشخصية مستمر طول الحياة. و لهذا، أفَضِّلُ إستعمالَ كلمة "بيداغوجيا" عندما يتعلَّق الأمر بالممارسة التَّعليمية و أترك كلمة "تربية" للاستعمال الواسع المعنى. و هذا لا يعني أن البيداغوجيا لا تساهم في بناء الشخصية الذي من المفروض أن يكون هدفاً من أهدافها الأساسية.
البيداغوجيا عبارة عن مجموعة من الأدوات و السِّياقات و الوسائل التي يلجأ لها المدرس لإنجاح العملية التعليمية-التعلُّمية. يمكن أن تكون هذه الأدوات و الوسائل و السِّياقات تجريدية (نظرية) كالخطاب (لغة، كلام)، التواصل، الإشارات، الخ. ويمكن كذلك أن تكون ملموسة (مُعينات) كالمعدَّات الديداكتيكية، المعدات العلمية، الوثائق، المراجع المدرسية، التجارب، المكتبات، معدات البرهنة، الحواسيب، الخ.
التعليم هو إغناء المعارف و التثقيف من خلال تبليغ المعرفة. التعلُّم يقترب من التربية من حيث الهدف. البيداغوجيا هي إذن مجموع التدخلات التي يقوم بها المدرس داخل القسم ليجعل التعليمَ يلعب ليس فقط دوره التثقيفي لكن كذلك و بالأخص دوره التربوي. البيداغوجيا تهمّ المدرس كمثقِّف و مربي من جهة، ومن جهة أخرى، تهمّ كذلك الطفلَ و المراهقَ كمتعلِّمين. إنها تهتم إذن بنوعية العلاقة التي تربط المدرسين بالمتعلمين.
يتمثل دورها إذن في جعل هذه العلاقة، أولا، أكثر نجاعة بالنسبة للمدرس، و ذلك من خلال إعداد طرائق بيداغوجية ملائمة، و ثانيا، أكثر نفعا و استفادة بالنسبة للمتعلِّمين و ذلك من أجل استبطان (تملُّكٍ) سهلٍ للمعرفة و لكن كذلك من أجل بناء كفاءات عملية (مهارات، قدرات، كفاءات، الخ.) و سلوكات نفسية-وجدانية (التصرف في المجتمع، رد الفعل أمام ظروف و حالات معينة، الخ.).
لا يجب الخلط بين البيداغوجبا و الديداكتيك التي تهتم بتنظيم و تعليم مضامين التدريس. و البيداغوجيا ليست التربية بالمعني الضيق. لكن التعليم قد يفقد دوره التربوي بدون بيداغوجيا ملائمة. عندها، يصبح التعليم عملا آليا لحشو الأدمغة لا أفق للتفتُّح فيه.
و في نهاية المطاف، البيداغوجيا عبارة عن مجموعة من النظريات التي يجسِّدها و يحوِّلها المدرس إلى أعمال ملموسة داخل القسم ليجعل التعليم عذبا، جذابا، مثقِّفا ومربِّيا. من هذا المنطلق، تنعت البيداغوجيا أحيانا ب"فن التدريس"، بمعنى أن المدرس يتحوَّل إلى فنان قادر على تحويل البيداغوجيا، كنظرية، إلى أوضاع ملموسة، محسوسة و واقعية يتم إدراكها من طرف المتعلِّمين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى