د. سيد شعبان - عمي!

لا مراء أن تكون شهادة الابن لأبيه مجروحة؛ غير أنني منصف لمن أنا سميه؛ فقد كنت أتهيبه وقارا؛ وأتبع خطوه فخارا؛ كان أبي بعد أبي؛ فتلك وراثة العمومة ومناط العصبية أن تجد معلمك يحنو في إشفاق ويتعهدك في موضع تحتاج بره فلا يخذلك؛ لقد عرفته يضع الأمر في ميزانه؛ صموت متى لهج غيره بالكلام!
تستطيع أن تدرك فيه فن الاقتدار ومراعاة الأمر كأنما يمسك بميزان الرجال؛ له من اسمه نصيب فكلانا سيد؛ وما هذا إلا مفتاح شخصيته!
كان أبي يجله ويراه موضع الرأي في أبناء عمومته!
أتذكر كيف ابتعث إلى اليمن؛ ينشر العلم ويربي في بلاد الحكمة؛ فكل عودة أجلس إليه؛ يحكي لي عن هضابها وجبالها ولايغفل نتفا من حياة أهلها؛ إذ امتلك ذاكرة حديدية؛ له رحابة التفكير ومقدرة التعبير؛ يوم عاد من إعارته وجدته في الصف يعلم ويمسك بالعصا يشذب نافر التلاميذ؛ له من قوة شخصيته الوقار ومن غزارة علمه مدد لايخذله!
أستطيع أن أصفه بالحكيم؛ وتلك صورة له فما تبرح مقولاته عقلي؛ آنست منه الصبر على العلم يعالج به جهل العقول!
كان هاديء الطبع لايخرجه شطط عن وقاره؛ فلم ير غاضبا بل سمح الخليقة لاتخشى بوادره!
لكل امريء امتداد في أهله سيرة تروى ومثالا يقتدى؛ وما إخاله إلا من هذا المثال تعظمه ما افتقرت إلى أنموذج في المعلمين!
لقد كان عمي أحد الكبار في قومه؛
جيل فريد ترك بصمته في كفرنا؛ في الناشئة غرسه تربية وتهذيبا!
تأتت براعته في الرياضيات؛ فكان أقراني يخشون بأسه ويتحاشون عصاه؛ وما هي غير عصا الراعي يهش بها في غير إرب من عاجل الدنيا!
صورته ماتزال شاخصة أمامي؛ يتحرك في الفصل نشيطا فلا يدع نافر التلاميذ ولا خامل العقل إلا ويدهمه فيعالج مواتا ويحي عقولا!
ولقد درج الناس على تقدمة أولي الفضل من الناس؛ ولكنني في هذا مدفوع ببنوتي له وبجلوسي بين يديه متعلما؛ لم يذرني إلا أنشط أقراني؛ فيدفعني بهمته إلى مراتب العلياء!
يوم ناقشت رسالتي الأولى في دار العلوم احتضنني؛ شعرت بحنوه؛ وقد كنت قبل أتهيبه!
مما يؤثر عنه رحمة الله عليه براعته في الإدارة؛ وقد أسلفت أنه امتاز بالحكمة وتلك قاطرة النجاح!
هذا عمي الذي سطرت بعضا من ملامح شخصيته؛ ليرى الخالفون كيف كان حياة الآباء؛ وما هي غير مغالبة لواقع عاشوه وجالدوه حتى استقام لهم السير في منعطفات الطريق!

1654196800836.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى