علجية عيش - لهذه الأسباب أمر الرئيس جمال عبد الناصر بسحب عناصره من المخابرات الجزائرية

في ذكراه الـ: 57.. بومدين رفض مقترح بن بلة في تكوين جيش موازي للجيش الوطني الشعبي

ما سر العلاقة بين بن بلة و ديغول؟ ولماذا كان بن بلة يريد التخلص من بوتقليقة؟

كثرا من الحقائق التي كشفها الرئيس هواري بومدين في الحوار الذي أجراه معه الإعلامي المصري لطفي الخولي و وثقه الخولي في كتاب و الخلفية السياسية لحركة التصحيح الثوري أو الإنقلاب العسكري كما سمّاه البعض تحتاج إلى إعادة نظر في تصريحات بومدين كونها تعيد إلى السطح كثير من الأحداث و الوقائع التي تحتاج إلى تحليل لتحقيق العدالة و معرفة من كانوا مع الثورة و من كانوا ضدها ، حول حركة 19 جوان 1965 يقول بومدين باعتباره رئيس الأركان أنه تفاديا لسقوط البلاد في حرب أهلية كان الخيار حسم الصراع الذي تمثل في حركة 19 جوان ( حزيران) 1965 دخلت فيه الجزائر مرحلة الإستقرار السياسي و البناء الإقتصادي، لكنه ان استقرارا نسبيا لأن الأزمة كانت أزمة حكم أراد اصحابه أن يمارسوا الدكتاتورية بكل أشكالها


الحقيقة كتاب لطفي الخولي مشوق جدا و يفتح شهية إعادة قراءة التاريخ و ما قاله الرئيس هواري بومدين أمام الصحافة العربية بكل شجاعة و جرأة سوف يكتبها له التاريخ خاصة و الجزائر تحيي اليوم الذكرى السابعة و الخمسون لحركة 19 جوان ( يونيو) 1965، و لعل البعض لم يعد يولي لها اهتمام في ظل التغيرات التي تعيشها الجزائر على الصعيدين الوطني و الدولي، و نقصد بذلك ألئك الذين لا يولون للماضي أهمية و يعتبرون أن هذه ألأحداث و الوقاع طوى التاريخ صفحتها، في الوقت الذي يرى البعض أن هذه التراكمات اثرت سلبا على الحياة السياسية في الجزائر، لأن الذين يكيدون للجزائر و ثورتها موجودون إلى الآن و حتى الذين رحلوا عن الحياة فقد تركوا وصيتهم لأعداء الثورة لضرب مكتسبات البلاد و هي التي دفعت الضريبة من أجل الإستقلال السياسي و العسكري وهي اليوم تواجه العابثين باقتصادها في غطار مكافحة الفساد من اجل الحفاظ على سيادة الشعب.

يقول الرئيس هواري بومدين في رده على أسئلة الإعلامي المصري لطفي الخولي أن سبب الخلاف بينه و بين أحمد بن بلة هو رفضه مقترح بن بلة في تكوين ميليشيات مسلحة تابعة للحزب و منفصلة عن للجيش الوطني الشعبي تكون مهمتها تأمين البلاد نحو الإشتراكية، و كان موقف بومدين أنه لا يمكن أن يكون جيش موازي للجيش الوطني الشعبي و أن يسلبه مهمته الأساسية، أو حتى يشكك في قدراته و ولائه للثورة باعتباره سليل جيش التحرير الوطني، و حذّر بومدين من فكرة الإزدواجية داخل المؤسسة العسكرية، و طالب بوحدة القوات المسلحة، كان هذا المقترح خلال انعقاد المؤتمر الوطني للحزب في 14 أفريل ( نيسان) 1964 ، لكن غالبية المؤتمرون صادقوا على مقترح بن بلة و من هنا بدأت الخلافات بين بومدين و بن بلة، وكانت قواعد الجيش في صف بومدين خاصة بعدما اعلن و مؤيده تقديم استقالة جماعية بسبب عدم التجانس في الفكر و المواقف داخل القيادة، و وصف الجيش صاحب المقترح و الذين صادقوا عليه بالمغامرين الذين تسللوا داخل الحزب للطعن في الثورة.

تعقدت الأمور أكثر لتصاعد القوى الموالية لجيش حسين آيت أحمد في منقطة القبائل لعملياتها العسكرية ضد السلطة في 19 ماي 1964 و قد استغلت مجموعة من المتمردين هذا التوتر بالهجوم المسلح على قصر الشعب و اغتيال حراسه، كما استغل بن بلة هذا الهجوم لتنفيذ مقترحه، و بحكم أن له سلطة القرار فهو رئيس الجمهورية و الأمين العام للحزب و القائد الأعلى للجيش أمر بن بلة القائد العسكري لمنطقة الصحراء الكولونيل محمد شعباني الإنظمام للمكتب السياسي للحزب لكن شعباني رفض و أعلن تمرده إلا أن بن بلة طالب بومدين بمعاقبة شعباني و مقاومة تمرده و يكون ذلك بتصفيته، لكن بومدين رفض تصفيته لكنه ابدى موافقته لمحاكمته و أحيل شعباني على المحاكمة و صدر ضده حكم بالإعدام، ونفذ الإعدام بإصرار من بن بلة رغم أن قرار الجيش كان ضد الإعدام و هذا استنادا لنضاله القديم و نفذ الإعدام في 03 سبتمبر 1964 ، من كان يضغط على بن بلة لإعدام شعباني أو تصفيته؟ و ماهي جريمته؟ ألأنه تمسك يمنصبه كقائد للجيش بمنطقة الصحراء، أم أن بن بلة كانت له نوايا آخرى لإبعاد شعباني عن قيادة الجيش في الصحراء، وهذا لأطماع سياسية تريد أطراف أن تكون لصالحها بالإتفاق مع بن بلة؟

سؤال لا يزال يطرح بإلحاح إلى اليوم و لا أحد رد ردا شافعا لكشف الحقيقة و إراحة ضمائرهم أمام الله و التاريخ خاصة و أن المناضلين داخل حزب جبهة التحرير الوطني كانوا منقسمون إلى ثلاث تيارات: جماعة بن بلة و جماعة بومدين و مجموعة حسين آيت أحمد، حتى هذا التيار كان منقسما بين الأعضاء السابقين للحزب الشيوعي الذين انضموا إلى حزب جبهة التحرير الوطني و التيار الماركسي التروتسكي، هذا التنيار الذي استطاع أن يحجز له مكانة في بعض المراكز الرسمية للسلطة، كان يتزعم هذا التيار رابتيس الملقب بـ: ببالو و هو يوناني الأصل و سكرتير عام للدولة الرابعة ( الحركة التروتسكية) و كان يقف إلى جانب التقدميين في مواجهتهم من سمّوا بالرجعيين، لكن بومدين وقف ضدهم،بعدما سماهم بالمغامرين، و قال عنهم: إن هؤلاء فشلوا في إحداث ثورة في بلادهم فجاءوا إلى الجزائر يغامرون بثورتها، وقد وجد بومدين نفسه في مواجهة جبهتبن: جبهة التروتسكيين و جبهة المعارضة التي قادها كل من حسين آيت أحمد، محمد بوضياف و محمد خيضر الذي استولى على أموال جبهة لتحرير الوطني في الخارج.

أما أحمد بن بلة فقد احتار اي التيار يختار، أيختار الإشتراكية العربية أو الإشتراكية العلمية أو الإشتراكية الإسلامية أو اشتراكية كاسترو؟ كان الحل بالنسبة له التركيز على جهاز المخابرات الذي أنشأه في الرئاسة، و تعيين سكرتيره الخاص عبد الرحمان شريف في منصب وزير الشؤون العربية لتوليه فعليا مسؤولية جهاز المخابرات، كان جهاز المخابرات الجزائري يضم عناصر من المخابرات المصرية، كما كان يضم انتهازيين يجيدون تغيير جلودهم و هم الذين أطلق عليهم اسم مناضلي 19 مارس 1962 كانوا على علاقات مع سلطات الإحتلال، و كشف بومدين عن حملة الإعتقالات التي قام بها جهاز المخابرات لكل من ينتقد بن بلة و سياسته، و لما اكتشف الرئيس المصري حمال عبد الناصر ما يدور داخل جهاز المخابرات الجزائرية أمر عناصره بالإنسحاب من الجزائر، خاصة بعد قيام بن بلة بالإطاحة ببومدين و إبعاده عن قيادة الجيش مستغلا سفره إلى الإتحاد السوفياتي لتنفيذ مخططه و تعيين الطاهر الزبيري قائد ولاية الأوراس مكانه و يكون رئيسا للأركان، إلا أن الزبيري بدلا من أن يكون عينا لبن بلة كان عين الجيش في المخابرات.

ماذا عن أحمد بن بلة؟ حسبما جاء في مذكراته ظل بن بلة تحت الإقامة الجبرية إلى غاية إطلاق سراحه في الرابع من تموز (جويلية) عام 1979 حسب شهادة محاميته مادلين لافي فيرون فقد اثارت قضية اعتقاله ضجة كبيرة تدخل خلالها قادة دول و زعماء أمام بومدين من أجل إطلاق سراحه لكن بومدين رفض، ما كشفته مادلين لافي فيرون هو اللقاء السرّي الذي تم بين بن بلة و الجنرال ديغول عندما بادر بن بلة بزيارة باريس سرا و اجتمع بديغول في قصر البساتين و ناقش الطرفان العلاقات الثنائية و المصالح المشتركة بين البلدين، و السؤال: لماذا اختار بن بلة السرية في لقاء أكبر عدو للجزائريين و ما مصلحة كل واحد منهما مع الآخر؟ خاصة و أن ديغول كما تروي محاميته كان يطرح اسئلة على بن بلة حول علاقة عبد الناصر بالثورة و أحمد سيكوتوري و قادة العالم الثالث الذين كانوا اصدقاء الثورة الجزائرية، إلا أن المحامية لم تذكر رد بن بلة لديغول، و لماذا كان بن بلة يشكك في نوايا بوتفليقة و يريد التخلص من أي تصفيته جسديا؟، أما بخصوص حركة 19 جوان 1965 تقول محامية بن بلة أن انقلاب 19 جوان 65 اتسم بعمليات تعذيب للأسرى و هو الخبر الذي روجته جريدة لومون الفرنسية، و هو بالتالي يحتمل الصدق كما يحتمل الكذب خاصة و أن بومدين في حواره مع لطفي الخولي أكد أنه في هذا اليوم لم تحدث أي تجاوزات و لم تكن هناك اعتقالات، بل أطلق سراح 2500 جزائري كانوا معتقلين بقرار من أحمد بن بلة الذي قال أن جبهة التحرير الوطني قبل الإستقلال لم يكن لها منهاج مرحلي و لا مذهب و الثورة الجزائرية كانت ثورة بدون إيديولوجية لكنها بعد عودة السلام ( أي بعد الإستقلال) أصبحت فراغا خطيرا لأن اتفاقيات إيفيان كانت تشكل زواجا من طراز استعماري جديد.

و إن الأمر كذلك كما قال بن بلة فهل كانت الثورة الجزائرية ثورة قادها مراهقون، وكيف انطلقت إذن؟ ، هذه الأحداث كانت نتيجة الصراعات التي عاشتها الجزائر عشية الإستقلال فيما اصطلح عليه بصيف 62 الذي سمّم مناخ الإستقلال حين تمكن أحمد بن بلة من دخول العاصمة و الإستقرار فيها ، كانت أول خطوة قام بها أحمد بن بلة هي إدماج قوات الولايات الستة العسكرية في جيش التحرير لتكوين الجيش الوطني الشعبي الموحد للجمهورية الجزائرية و باتت الحرب الأهلية تدق الأبواب لولا الشعب الذي مسك افراده اليد باليد و شكل حاجزا منيعا بين القوات المتصارعة، ثم الصراع حول تنفيذ برنامج طرابلس و قرار تبني البلاد النهج الإشتراكي و التصادم الذي حدث بين أنصار الحزب الشيوعي الجزائري و التيار اتروتسكي المتميز بقدراته الثقافية ، كان هذا الأخير قد انضم إلى جبهة التحرير الوطني مبديا تعاطفه مع الحكومة الوطنية و هذا بموافقة بن بلة الذي فتح له الأبواب رغم أنه كان أكثر عداءً لجيش التحرير الوطني ثم الجيش الوطني الشعبي بحجة أنه يهدد البلاد يخطر دكتاتورية عسكرية.

و قد تمكن التيار التروتسكي من جلب العناصر التروتسكية من جميع أنحاء العالم، و جعل الجزائر فأر تجارب لزرع التيارات الشيوعية المتطرفة و على رأسهم رابتيس سكرتير الحركة التروتسكية، لقد تركت هذه الأحداث آثارا على كل المستويات، رغم حالة الإستقرار النسبي الذي شهدته الجزائر، لكنه كان استقرار شكلي، لقد جعلت الصراعات الجزائر و إلى غاية اللحظة في مفترق الطرق وقعت خلالها أحداث دموية دفع الشعب ثمنها، خلاصة القول قد يقول قائل أنا ما داء في هذه الوقة مجرذ تحصيل حاصل أو اجتراا للأحداث، لكن نتساءل: هل يمكن لكل جزائري غيور على بلده أن يطوي صفحة من صفحات التاريخ الجزائري؟ هل بإمكانه أن يمارس ثقافة النسيان؟ و الحقيقة ما تزال مغيّبة و يحاول البعض وأدها حتى لا تنكشف أخطاؤهم و جرائمهم في حق البلاد و الشعب و ما انجر عنها من فساد سياسي و اقتصادي و اجتماعي و تربوي و ثقافي؟ لكن في كل هذا و ذاك و كما يقال لا أحد منهم بإمكانه أن يغطي الشمس بالغربال، و سياتي جيل غير مخدر بالأكاذيب و المغالطات ليكشف حقائق جديدة كما كشفها اليوم جيل الحراك الشعبي.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى