محمد بن ماضي السبيعي - الاغتراب منفى الإنسان!

غروب الشمس ذلك الحدث الفلكي الذي كشف لنا العلم أنه لا يحدث لأن الشمس انتقلت من موقع الشروق إلى موقع الغروب، بل لأن الأرض أكملت دورة كاملة حول محورها، تحول معاه نصفها المضيء إلى ليلٍ دامس، وأصبح النصف الآخر نهارا مشمساً.

هذا الغروب اليومي للشمس يبدو أنه من وشى للإنسان بالرحيل والفقدان، وهو لذلك مصدر مشاعر الضيق والاكتئاب التي تحدث لكثير من البشر في تلك اللحظات من كل يوم.

ويبدو كذلك أنه مصدر مصطلحات الغربة والاغتراب والغريب؛ والاغتراب يعني مما يعني الانتقال والمفارقة (القسرية) لمكان أو زمان أو أشخاص أو أشياء مألوفة ولها قيمة كبيرة عند المغترب!



وروح الإنسان التي هي جوهره المجرد، أو إنّيته التي ترافقه في كل مراحل حياته، من مرحلة الرضاعة والطفولة وحتى مرحلة الشيخوخة مرورا بمرحلة البلوغ والنضج؛ هذه الروح يمكن فهمها على مستويين،المستوى الأول يمكن ابقاء مصطلح الروح له؛ لتساميه وارتباطه بأصله المفارق المتعالي، الذي هو أصل كلالكائنات في الوجود ومن ضمنها الإنسان.
وهذا الارتباط هو ارتباط توق وشوق وحب يتمخض عنه رحمة ورفق بكل الموجودات.

وأما المستوى الثاني فيمكن تسميته بالنفس، لارتباطه بالجسد وغرائزه الطبيعية، واحتياجاته الماديةوالمعنوية.



والاغتراب يمكن أن يحدث عندما تغترب الروح في حالة استغراق الإنسان استغراقاً قسرياً في حاجات وغرائز الجسد المادية من أكل وشرب وجنس وغير ذلك، وفي حاجاته المعنوية من قدرة على التغلب والانتصار والتفوق والكسب والملكية.

وهو اغتراب لأنه خضوع قسري للنفس، ورحيل غير حر عن الروح.. ذلك أن مستوى النفس في ذات ذلك الإنسان المغترب يكون أقوى من مستوى الروح اديه.
هذا الاغتراب للروح لا يمكن أن يحدث مثله للنفس إلا من خارج الإنسان، كأن تتسلط عليه قوة جبارة مجرمة تفرض عليه الموت جوعاً وعطشاً في سجن محكم.
وما يفعله النساك والزهاد لا يمكن اعتباره اغتراباً نفسياً، لأنهم لا يستطيعون على أي حال أن يتوقفوا عن الأكل والشرب والنوم؛ إلا إن أرادوا الموت انتحاراً، وهذا ليس قراراً مصدره العقل والوعي، بل مصدرهاضطراب في المستوى النفسي من الروح، فهو امتداد للاغتراب الروحي من الأساس.

وبذلك يتضح لنا أن مايوصف بالغربة الروحية عندما يعنى به مايحدث لدى بعض الأشخاص عندما تتطور أفكارهم السائد في مجتمعاتهم، أو عندما يكون لهم رغبات مخالفة لرغبات المجتمع؛ ليس في الحقيقة من الاغتراب الروحي في شيء.. ذلك أن أفكارنا ورغباتنا تقع ضمن حريتنا، فنحن من نختار تطويرأفكارنا، ونحن من نختار موضوع رغباتنا، وهذا ليس اغتراباً، بل على العكس اختيار حر ومسؤول لموطننا الروحي.

وحل مشكلة الاغتراب الروحي هو ايقاظ هذه الروح بالمحبة، المحبة لله ولمخلوقاته، والرحمة لهم والشفقةعليهم، وتقوية هذه الروح بأي شكل من التدريبات والرياضة لتتمكن من احتواء جموح النفس وغرائزهاوأهواءها.

وصدق الشاعر إيليا أبو ماضي حينما قال:

أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا

لولا الشعور الناس كانوا كالدُمى!

وأي منفى أن نرتحل عن إنسانيتنا ونصبح ليس كالحيوانات، بل كالدّمُى.. ذلك أن للحيوانات مشاعر محبة ورحمة وشفقة وإن بمستوى أقل مما لدى الإنسان المكتمل

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى