د. محمد عباس محمد عرابي - أفعال الحواس في القرآن الكريم دراسة نحوية وصرفية ودلالية للباحثة أنسام خضير خليل

أفعال الحواس في القرآن دراسة نحوية وصرفية ودلالية دراسة علمية تقدمت بها الباحثة /أنسام خضير خليل إلى مجلس كلية التربية للبنات -جامعة بغداد، وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها بإشراف الأستاذ الدكتور/كَاصد ياسر الزيدي1423 هـ/2002م
وفيما يلي عرض لمكونات الدراسة ونتائجها بنصها كمت ذكرتها الباحثة من خلال محورين على النحو التالي :
المحور الأول: مكونات الدراسة:
بينت الباحثة أن القرآن الكريم الكتاب المعجز، والنور الذي أضاء قلبها، ونورّ طريقها، منذ صغرها، إلى أن كبرت وتقدمت في دراستها، ولذلك حين عزمت على اختيار موضوع قرآني لرسالتها، وجدت موضوعات كثيرة جديرة بالبحث دالة على إعجازه الذي يتجلى-في ما يتجلى-في نظمه، وقد وجدت الباحثة مبتغاها، بمساعدة أستاذها المشرف الدكتور كاصد ياسر الزيدي وأستاذها الدكتور كريم حسين ناصح الخالدي، إذ وقع الاختيار بتوجيههما على موضوع هو ((أفعال الحواس في القرآن الكريم/ دراسة نحوية، صرفية، دلالية )).
ومما زاد من حماسها على البحث في هذا الموضوع، أن أستاذها المشرف الدكتور كاصد الزيدي كان قد ألقى محاضرة تتعلق بالحواس في القرآن الكريم في إحدى ندوات قسم اللغة العربية قبل شهور من تفكيرها في بحث الرسالة، فهذا مما دفع الباحثة إلى اختيار هذا الموضوع، لتدرس الحواس في كتاب الله المجيد من الناحية النحوية، والصرفية، والدلالية.
وقد اقتضت طبيعة الموضوع جعله في تمهيد وثلاثة أبواب.
التمهيد:
تضمن (التمهيد) مبحثين:
المبحث الأول: في بيان مفهوم الحواس في اللغة، ودلالة الفعل (حسَّ) في القرآن الكريم.
المبحث الثاني: في بيان بالغ قدرة الله سبحانه وتعالى.. في خلق آلات الحواس، والإبداع في تكوينها.
الباب الأول: (وجوه النحو في أفعال الحواس):
واشتمل على فصلين:
الفصل الأول: تناول (تعدي أفعال الحواس) إلى مفاعيلها بذاتها وبالواسطة، واختلاف صوره، وما يتعلق بذلك من حذف المفعول مع أفعال الحواس ودواعيه، وكذلك تعليق أفعال الحواس عن العمل وإلغائها.
الفصل الثاني: تناول (صور أفعال الحواس) وسياقاتها التي وردت عليها، وأثر ذلك في المعنى فكان الحديث عن بناء أفعال الحواس للمجهول، وأسلوب التوكيد مع أفعال الحواس، والقسم بأفعال الحواس، وأسلوب التعجب معها.
الباب الثاني: (وجوه الصرف في أفعال الحواس):
وهو في فصلين أيضاً:
*الفصل الأول: في بيان (معاني الفعل الثلاثي المزيد) بحرف أو حرفين من أفعال الحواس، وأثر هذه الزيادة في المعنى.
*الفصل الثاني (الظواهر الصرفية في أفعال الحواس): فكان الكلام فيه على بنية تلك الأفعال، وصيغها، وهيئاتها التي وردت عليها: من إدغام، وإبدال، وإعلال.
*الباب الثالث: (الدلالات التي وردت عليها أفعال الحواس)
حسّية كانت، أو معنوية. وبيان تغيّر تلك الدلالات تبعاً لتغير القرائن ولاسيما السياقية. وهو مقسوم على فصلين:
الفصل الأول: (دلالة أفعال السمع والبصر)
الفصل الثاني: (دلالة أفعال الذوق واللمس، والمس، والشم).
وانتهت الدراسة بخاتمة أوجزت الباحثة فيها أهم النتائج التي تضمنها، وتلاها ثبت بالمصادر والمراجع.
*المصادر والمراجع:
اعتمدت الباحثة في رسالتها على كثير من المصادر والمراجع، منها مصادر قرآنية، شملت التفاسير، وكتب الأشباه والنظائر، وكتب معاني القرآن، وكتب إعجاز القرآن. فمن التفاسير (جامع البيان) للطبري، و (التبيان) للطوسي، و (الكشاف) للزمخشري، و (مجمع البيان) للطبرسي، و (التفسير الكبير) للرازي، و (البحر المحيط) لأبي حيان الأندلسي، ومنها مصادر نحوية في مقدمتها (الكتاب) لسيبويه، و (المقتضب) للمبرد، و (الجمل) للزجاجي، ومصادر صرفية، مثل (المنصف) لابن جني، و (الممتع في التصريف) لابن عصفور. واعتمدت على مصادر بلاغية مثل مفتاح العلوم للسكاكي، ودلائل الإعجاز عبد القاهر الجرجاني وغيرها.
المحور الثاني: نتائج الدراسة:
فيما يلي النتائج التي توصلت إليها الباحثة بنصها :
  1. إن الحواس من النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، وميزه بها عن الحيوان، فجعلها-سبحانه وتعالى-وسائل يتمكن بها الإنسان من معرفة خالقه، فيستدل بها على وجوده، وقدرته، وعظمته، ويستمتع بها في حياته، وما يتعلق بآخرته. لذا فإن القرآن كثيراً ما يستعمل تلك الحواس لتحقيق هذه الغاية. فهي بهذا وسائل للمعرفة.
  2. ذكر القرآن الكريم الحواس الخمسة جميعها، وهي (السمع، والبصر، والذوق، واللمس، والشم) على تفاوت في القدر الذي استعمله من كل واحدة منها، فقد دار أكثر ما فيه على الحواس الأربع الأولى، إذ عليها مدار التكليف، فليس الشم نظيراً لها في الأهمية؛ وإن كان نافعاً، بدليل قلة وروده في القرآن الكريم، وذلك في سياق دنيوي، وفي سياق أخروي احتمالاً لا قطعاً.
  3. وردت أفعال الحواس في القرآن الكريم بصيغ مختلفة، وهي صيغ الفعل الماضي، والمضارع، والأمر، ولكل من هذه الصيغ استعماله الخاص، ودلالته الخاصة، فقد استعمل القرآن -مثلاً-الفعل المضارع المسبوق بـ(لا) الناهية في المواضع التي ينفي فيها السمع والإبصار عن الكفار، إما بعبارة (لا يسمعون) أو (لا يبصرون). فيفيد استمرار وتجدد نفي السماع والإبصار عنهم.
  4. اختلفت أفعال الحواس في القرآن الكريم من حيث تعديتها إلى مفاعيلها، إلا أن الغالب عليها التعدي إلى مفعول واحد، وذلك متعلق باقتضاء الحاسة مفعولاً فقط، بحسب السياق والمعنى.
  5. للمعنى أثر في تعدي أفعال الحواس، فمن أفعال الحواس ما يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، إذا دلّ على معنى معين، وإن كان الأصل فيه التعدي إلى مفعولين، كالفعل (رأى) إذ الأصل فيه التعدي إلى مفعولين؛ لأنه من أفعال القلوب، إلا أنه يتعدى إلى مفعول واحد، إذا ورد بمعنى (أبصر) المتعدي إلى مفعول واحد. وكذا الحال إذا أفاد معنى الاعتقاد.
وقد يتعدّى فعل الرؤية إلى مفعولين أيضاً، إذا أفاد معنى الظن، إلا أنه قليل، وكذلك إذا أفاد معنى (الرؤية الحلمية)، أو معنى (أخْبِر) الذي تتصل به كاف الخطاب كثيراً، إذ تبين أن القرآن لم يستعمله إلا في المواضع التي فيها مخاطبة، أو طلب الإخبار عن حالة عجيبة، أو التنبيه. وتبّين أن أمر الكاف كان موضع خلاف بين النحاة من حيث الموقع الإعرابي لها، وقد ذهب الأكثرون إلى أنها حرف خطاب لا محل له من الإعراب.
  1. اختلف النحاة في بعض أفعال الحواس في القرآن الكريم من حيث التعديه، كتعدي الفعل (سَمِع) إلى غير مسموع، كالذي في قوله تعالى :  رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَنِ ، فذهب فريق منهم إلى أنه يتعدى إلى مفعولين ويكون الثاني مما يسمع، إلا أن الجمهور –ومنهم نحاة ومفسرون- ذهبوا إلى أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعول واحد، وجعلوا الجملة التي بعد المفعول في موضع الحال على تقدير مضاف محذوف، أو صفة.
أما تعدي هذا الفعل إلى مسموع، فقد اتفقوا على أنه يتعدى إلى مفعول واحد، كالذي في قوله تعالى:  يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ .
  1. للزيادة أثرها في التعدية أيضاً، ولاسيما الهمزة، المسماة (همزة النقل)، أو بالتضعيف. فمن أفعال الحواس ما ورد في القرآن الكريم متعدياً إلى مفعولين بهما مثل (ذاق)، في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَنَ مِنَّا رَحْمَةً، و (أذِّن) في قوله تعالى وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالْحَجّ.
وقد ورد الفعل (رأى) المتعدي إلى مفعولين، متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل بهمزة النقل كالذي في قوله تعالى: يُرِيهِمْ اللَّهُ أَعْمَلَهُمْ حَسَرَتٍ عَلَيْهِمْ . فيكون عندئذ من باب (أعْلَمَ) و (أَرَى) المتعديين بالهمزة إلى مفعول ثالث.
  1. وللتضمين دور في تعدي أفعال الحواس في القرآن الكريم، وذلك بأن يؤدي فعل أو ما هو في معناه، مؤدى فعل آخر أو ما هو في معناه، فيعطى حكمه في التعدية واللزوم، كما في الفعل (سمع)؛ إذ الأصل فيه أن يتعدى بنفسه، إلا أنه تعدى بحرفي الجر (اللام) و (إلى)؛ لتضمنه معنى الإصغاء، والاستجابة اللذين يتعديان بحرف الجر.
  2. ورد في القرآن الكريم أفعال للحواس تعدت إلى مفعولها بوساطة حرف الجر؛ لكونها لا تتعدى إلا به، فمن ذلك الفعل (نظر) إذا أفاد نظر العين، ويتعدى إلى مفعوله بنفسه في حالتين:
    1. إذا عُلِّق عن العمل، إذ تكون الجملة بعده منصوبة بنزع الخافض.
    1. إذا تضمن معنى الانتظار، كما في قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللَّهُ فِى ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ . وهناك أفعال وردت بهذه الصفة.
  1. لما كان المفعول به فضلة، جاز حذفه إذا كان ثمة داع لذاك، وقد لوحظ ذلك في القرآن الكريم، إذ استعمل أفعال الحواس في مواضع حذفت منها مفعولاتها، وذلك لغرض من الأغراض كإعمام الفعل، الدال على قدرة الخالق، في مثل قوله تعالى:  أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ، وإما لتحقيق اتساق الفواصل، وبيان حسن نظم القرآن للكلم، بحيث تأتي تلك الكلمات متسقة اتساقاً تاماً، أو لنفي العلم، وخاصة عن الكافرين. فلا يكون هناك متعلق أو مرتبة من العلم. وقد يكون لغرض الإيجاز في نظم القرآن بحيث تخرج كلماته على هذا النسق المنظم.
  1. وقد يحذف المفعول به مع أفعال الحواس من غير أن يكون هناك دليل يدل عليه ولا يكون القصد منه إلا إثبات الفعل للفاعل دون ذكر المفعول به.
  2. ورد في القرآن الكريم أفعال حواس، معلّقة عن عملها؛ لورود ماله صدر الكلام بعدها يمنعها من أداء عملها، إلا أنها تبقى عاملة في المحل، ومنها الفعل (رأى) العلمية، والحق بها (النظر) و (البصر) العلميين.
وعلى الرغم من اقتصار التعليق على أفعال القلوب، إلا أنه وردت في القرآن الكريم أفعال معلّقة عن العمل لم تدل على العلم، فمنها ما يتعلق بالرؤية والنظر البصريين، كالذي في قوله-جل جلاله-:  رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ، فالرؤية بصرية علّق فيها الفعل عن العمل في المفعول الثاني؛ لأنها متعدية إلى مفعولين بهمزة النقل.
أما الفعل (رأى) الذي يفيد الإخبار، فقد ورد في القرآن الكريم معلّقاً بأداة من أدوات التعليق، وذلك في مواضع عدة، منها قوله تعالى:  قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ، وإن كان التعليق فيه موضع خلاف لدى النحاة.
  1. لوحظ في تعليق أفعال الحواس في القرآن الكريم، أن ما بعد الجملة المعلقة متصل بما قبلها غير منقطع عنها، فلو فصل ذلك بينهما لتفكك الكلام وما استقام. والقرآن موصوف بحسن النظم إلى حد الإعجاز، فكلماته وجمله آخذ بعضها برقاب بعض في اتّساق تام.
  2. لم يرد في القرآن الكريم من أفعال الحواس ما هو ملغى عن العمل؛ لأن الفعل الملغى لا فائدة فيه، وأفعال الحواس تتحقق منها فائدة، إذ لا يستقيم المعنى إلا بإعمالها، ولذا جاء بها القرآن عاملة.
  3. تبّين أن القرآن الكريم استعمل أفعال الحواس بصور وسياقات مختلفة، وذلك لتحقيق مقاصده الكبرى في تأكيد قدرته -سبحانه وتعالى-وربوبيته، فأقسم -سبحانه وتعالى-بما يدركه الإنسان بحاسة بصره، وما لا يدركه. فقال: فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ . فهذا أعم قسم ورد في القرآن الكريم؛ إذ شمل ما يُرى، وما لا يُرى.
  4. استعمل القرآن الكريم أسلوب القسم المنفي، غير مراد به النفي، بل مراد به تأكيد الخبر، وتعظيم المقسم به بقوله -عز وجل -(لا أقسم). فالله -سبحانه وتعالى-لا يحتاج إلى قسم؛ لأن كلامه حق.
وقد جعل القرآن الكريم القسم بأفعال الحواس بصورة مختلفة وأساليب متعددة، منها ما ورد القسم فيه صريحاً ومنها ما لم يرد فيه صريحاً، مع وجود ما يدل عليه. وقد تنوعت الدلالات فيه، وذلك للتأكيد؛ لأن الغرض من القسم تأكيد المقسم عليه.
  1. استعمل القرآن الكريم أسلوب التعجب، وهو مختص بسمع الله -سبحانه وتعالى-وبصره للدلالة على سعة إدراكه -سبحانه وتعالى-للمسموعات والمبصرات، وإن إدراكه خارج عن إدراك السامعين والمبصرين، كما استعمله في التعجب من أسماع الكفار وأبصارهم يوم القيامة بما يشاهدونه من البعث وأمر الله -سبحانه وتعالى-. دون إعمال فكرهم.
واستعمل القرآن أسلوب التعجب السماعي المتعلق بالمعنى في حوادث تثير التعجب، كاستعماله فعل الرؤية المسبوق بهمزة الاستفهام (أ رأيت)، للاستخبار عن حالة عجيبة، أو استعمال فعل الرؤية المضارع المنفي بلم (ألم تر)؟ أو استعمال فعل النظر المصاحب للاستفهام التعجبي (كيف)؟ فكل هذه الاستعمالات التي في القرآن وردت لاستحضار حالة عجيبة يراد التنبيه عليها، أو بيان الهول فيها.
  1. استعمل القرآن الكريم أسلوب التوكيد بصوره المختلفة مع أفعال الحواس؛ وذلك لأغراض متعددة، لفظية يراد بها تأكيد حالة معينة أو معنوية، وهي رفع المجاز عن فعل الحواس الوارد في التعبير.
ويتبين من الباب الثاني المتعلق بالصرف:
  1. إن لصيغة الفعل، والزيادة التي تحدث فيه أثراً في المبالغة والزيادة في دلالة الفعل على دلالته في صيغته المجردة. فمن ذلك صيغة (فعَّل) الواردة في قوله تعالى:  وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالْحَجّ. فالفعل فيها مزيد بالتضعيف، وقد أفادت الزيادة معنى الكثرة والمبالغة في الأذان، وهو الإعلام بالحج. فهي زيادة في تأكيد وجوب إعلام الناس بالحج، فضلاً عن إفادتها مع أفعال الحواس معانٍ أخر. لذا كان ورودها وتنوعها مع أفعال الحواس لغرض معنوي.
  2. إن أفعال الحواس كغيرها من الأفعال خضعت لظواهر صرفية مختلفة منها الإدغام، والإبدال. وذلك بقصد تيسير النطق بتلك الأفعال عند وجود أصوات يصعب النطق بها مجتمعة.
  3. استعمل القرآن الكريم في مواضع عدة الفعل (رأى) محذوفة منه الهمزة، لكثرة استعمال هذا الفعل، ولكون الهمزة من الأصوات الشديدة (Plosive)، التي يلجأ المتكلمون إلى التخلص منها، ولاسيما في صيغة المضارع والأمر. أما الماضي، فلم يرد حذفها فيه إلا في الشعر. وذلك إذا كانت تلك الصيغ مشتقة من الفعل المجرد، أما إذا كان الفعل مزيداً بالهمزة، فقد حذفت منه في الماضي، والمضارع، والأمر، كحذفها في (ألم تر)؟. وفي (أَرِني)، وغيرهما.
ويتبين من الباب الثالث المتعلق بالدلالة:
  1. إن القرآن الكريم استعمل أفعال الحواس بدلالات مختلفة منها دلالات حسّية (حقيقية)، وأخرى معنوية (مجازية). فقد استعمل مثلاً الفعل (سمع) بدلالته الحسّية، وهي إدراك الصوت بالأذن، واستعمله بدلالته المعنوية المجازية، كالدلالته على القبول والطاعة، أو على معنى العلم، أو على التدبر والإنصاف، أو على الإصغاء.
  2. استعملت أفعال الحواس بدقة في القرآن الكريم، ووضعت في الموضع والسياق المناسب ويتبين ذلك –مثلاً-في استعمال فعل الذوق في سياق الرحمة، وسياق العذاب في الدنيا ليدل على أمرين:
الأول: إن مقدار الرحمة أو العذاب اللذين ينالهما الإنسان في الدنيا قليل إذا قيس بما يناله في الآخرة منهما.
والآخر: إن لذوق الشيء تأثيراً كبيراً في النفس أكثر من غيره. فلما كان للذوق ذلك التأثير، استعمله القرآن في سياق العذاب ليدل على شدته.
  1. تبين من استقراء سياقات أفعال الحواس، أن القرآن كثيراً ما يقرن السمع بالبصر، ويقدم في أكثر المواضع السمع عليه. ويرجع ذلك لدى جمهور أهل العلم إلى أفضلية السمع على البصر، وإن كان هناك من فضل للبصر على السمع.
  2. كان القرآن الكريم دقيقاً في استعماله لأفعال الحواس، إذ هو يستعمل الفعل في الموضع الذي يلائم السياق الذي ورد فيه، كاستعماله الفعل (آنس) للدلالة على رؤية النار في برية ليس فيها سوى الظلمة والوحوش، لما لرؤيتها في مثل هذا الموقع من إيناس الناظر إليها، ورفع الوحشة عن نفسه.
  3. استعمل القرآن الكريم أفعال الحواس في تصوير مظاهر الحياة الدنيا، وفي تصوير مظاهر يوم القيامة؛ لأن هذه المظاهر تدرك بتلك الحواس.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى