محمود الوردانى - استراحة قصيرة في حجز النساء.. فصل من رواية

(1)
التحقت بالعمل في مطبعة أرض شريف بعد وقت قصير من بدء الإجازة، وقبل أن تظهر النتيجة. حاولت »قمر« أمي أن تستبقيني، إلا أنني رحت ألح عليها حتي وافقت. كان »مسعد« ابن جيراننا في الحجرة المجاورة شغالا فيها، وهو الذي اصطحبني وقدمني للحاج »عبداللطيف«« صاحب المطبعة كانت الأجرة معقولة ونواة تسند الزير كما تقول قمر.. ربع جنيه في الجمعة وثلاثة قروش مصروف كل يوم للغداء.
لم يكن لنا أنا ومسعد وثلاثة صبيان آخرون عمل محدد في المطبعة: نقف مستعدين لتلبية أي طلب من طلبات الأسطوات: ننقل أوراقا من مكان لآخر، أو نحمل ألواح رصاص مصفوفة جاهزة، أو ملازم مطبوعة فعلا تخلي لها مكانا وننظف حولها. والأسطوات لا يتوقفون عن الطلبات، خصوصا الأسطي »اسماعيل« الذي يجلس علي ماكينة »التيو« الوحيدة، والتي لم يتح لي أن أتأملها كما أتمني، بل وخيل لي إنها تصهر الرصاص داخلها، وتخرج منها الحروف المقلوبة مصفوفة ولامعة!
كان مسعد جاري قد خرج من المدرسة مبكرا، وتنقل كما حكي لي بين عدة شغلانات لم يعمر فيها. وحكي لي أيضا إنها كانت بلا مستقبل، فأصحاب الورش الذين اشتغل عندهم، سواء كانوا ميكانيكية أو خراطين أو حتي حدادين.. لا يعلمون الصنعة، بل يستخدمون الصبية كمرمطونات يروحون ويجيئون ويناولون وينظفون ويذهبون في مشاوير قصيرة.

(2)
يبدو ألنني غفوت وأنا جالس علي الشمال في الترام، وبجواري مسعد، ونحن في طريقنا للشغل. وفي لحظة واحدة استيقظت علي الأيدي التي شدتني بعنف من الترام، أنا ومسعد معا. لم أفهم في البداية ماذا يجري لنا، فقد كان هناك كثير من المخبرين والعساكر المنتشرين حولنا. تبينت أننا في ميدان رمسيس، بل ورأيت التمثال واقفا مشرفا علي الميدان. دفعوا بنا حتي العربة اللوري الضخمة، تلك التي كادت تختفي خف محطة الأتوبيس. أخذت أسأل من حولي عما يجري، لكن لم يرد علي آخر مطلقا، حتي مسعد، كان صامتا تماما.
كان عدد الأولاد الذين يسوقهم العساكر الي مكاننا يتزايد. كان أغلبهم من العيال السريحة ممن يبيعون الأمشاط والفلايات والعسلية وإبر الخياطة في الترام والأتوبيسات. أوقفونا بجوار اللوري يحيط بنا عدد من العساكر والمخبرين فيما يشبه الدائرة، بينما كان الآخرون يسوقون أولادا جددا يأتون بهم كما تبينت وأنا أتطلع حولي من الترام والأتوبيسات والشوارع المحيطة بالميدان.
انتبهت الي ان مسعد يجذبني من كمي لأنظر إليه، لكنني لم أفهم ماذا يقصد بحركات وجهه تلك، إلا أنه ما لبث أن انطلق راكضا بعد أن أفلت من ثغرة بين العساكر والمخبرين. وفكرت بسرعة أن أجري مثله وأفلت مستغلا الفوضي التي دامت للحظات، أفلت خلالها بعض العيال بالفعل، وقبل أن أطلق ساقي للريح، كان المخبر الأبجر الطويل قد هوي بكفه علي وجهي، وما لبث العساكر والمخبرون أن أعملوا فينا الضرب بأيديهم وأرجلهم، وكل من كانوا يمسكون به من الهاربين، يتلقي طريحة معتبرة من الضرب والركل والسباب.
رحت أفتش بعيني جيدا، لكنني لم أجد مسعد.. يبدو أنه نجح في الهرب. أوقفونا صفا وحدا، ثم راحوا يربطون كل اثنين من الأكمام، ودفعوا بنا إلي العربة الواقفة. كان السلم عاليا، والولد المربوط معي يعرج، ولا تطاوعه ساقه علي الصعود، ولما ركلنا العسكري معا ونحن علي السلم، شددت الولد المربوط معي، واستطعنا أن نصل الي أعلي السلم، حيث كان هناك عسكري آخر يتولي الالقاء بنا داخل اللوري.
كانت العربة اللوري المقفلة لا تضم إلا نوافذ قليلة جدا، عبارة عن شريط ضيق مغطي بشبكة من الحديد. وما لبثت العربة أن امتلأت بالعيال السريحة وعلي الرغم من الحرارة الشديدة التي تكاد تخنق انفاس الواحد، إلا أن العيال بدوا وكأن لا شيء يهمهم، فقد راحوا يتكلمون ويتضاحكون، أشعل بعضهم سجائر، فازداد الحروالاختناق.
التفت الي الولد المربوط معي، كان صغيرا جدا وربما أصغر مني، ويرتدي جلبابا كالحا، وكان حافيا أيضا ومازال محتفظا في يده غير المربوطة معي كمي بعلبة صغيرة مرصوصة فيها باكوات النعناع. قلت له:
»إيه الحكاية.. هما مسكونا ليه؟...«.
لم يرد عليّ، فعرفت أن صوتي خافت جدا ولا يصل اليه، فعدت أسأله مرة أخري بصوت أعلي، فالتفت لي وبدا كأنه يبتسم.. قال:
»إنت أهبل؟ ما هم بيقفشوا كل يوم جمعة..!..«.
»أنت باين عليك أهبل.. بتشتغل إيه؟..«.
»أنا في المدرسة.. طالع أولي إعدادي..«.
»وما تعرفش إن البوليس بيقفش العيال السريحة.. فيه حملة كل جمعة.. لكن أنا مالحقتش أجري..«.
ثم أضاف:
»وكنت بتعمل إيه يا خفيف؟..«.
لم أرد عليه، ورحت أشب علي قدمي لأتبين أي شيءوراء شبكة الحديد الضيقة فأضاف:
»إنت كنت متشعبط في الترماي.. كنت راكب من علي الشمال.. صح؟..«.
لم أرد عليه، لأن الباب فتح، وألقوا إلينا بكمية أخري من الأولاد الكبار والعيال. وما أن أغلق الباب علينا حتي انقض علينا الكبار يختطفون السجائر المشتعلة ويضربون هنا وهناك، وطالتني ضربة أحدهم علي رقبتي رغم أنني لم أكن أدخن. رحت أسعل وخنقتني دموعي. هل قبضوا علي، مثلما قال الولد المربوط معي، لأنني أركب الترام من علي الشمال؟ بعد أكثر من شهرين من شغلي في المطبعة يقبض علي لأنني أركب الترام من علي الشمال؟ ولماذا لم يقبضوا علي من قبل؟ ولماذا لم يخبرني مسعد أنهم يقبضون علي من يركب علي الشمال؟
لو كنت أخبرت قمر أمي فقط.. من المؤكد أنها كانت ستمنعني، ففي كل صباح كانت تنبه علي قبل خروجي قائلة:
»معاك فلوس الترماي؟..«.
وكنت أرد عليها أن معي ما يكفي، ولم أقل لها أنني أركب من علي الشمال.

(3)
فتحوا لنا باب العربة، وكنت قريبا منه أنا والولد المربوط معي، فجذبته بأقصي قوتي لنهبط بسرعة قبل أن أختنق. كان العرق يغطيني تماما وملابسي مبللة. لم أدر من أين تأتيني ضربات الأكف والركلات لأحمي نفسي، فقد اندفعوا فجأة يضربون هنا وهناك، ثم أوقفونا صفا، وفصلوا بيننا نحن المربوطين معا وبين العيال الأكبر والرجال والنساء، ثم أدخلونا مبني سلالمه ومدخله يتألق بالنظافة واللمعان، وعلي البوابة الخارجية لافتة كبيرة مكتوب عليها: الشرطة في خدمة الشعب.
بعد أن تجاوزنا المدخل، دفعوا بنا الي ممر طويل قذر ومترب، به عساكر ومخبرون يتصايحون ويركلون من يستند بجسمه علي الجدار، وما لبثوا أن عاودوا الضرب لنرفع أيدينا الي أعلي، إلا أنه لم يكن ممكنا للواحد أن يرفع يديه معا، فإحدي اليدين مربوطة من كمها مع الولد نفسه الذي ربطوني به قبل أن نركب.

(4)
جاء رجل كبير السن ولا يرتدي ملابس العساكر. أشار إلي بعضنا لنخرج من الصف، ومن يتلكأ منا كان يضربه في أي مكان دون تمييز. وجاء مخبرون آخرون صحبونا الي ممر آخر في نهايته رجل أمام منضدة. راح يكتب بيانات كل منا في دفتر أمامه. شتمني وسألني:
»بتشتغل إيه؟.. صنعتك إيه؟!..«.
»مابشتغلش.. طالع أولي اعدادي..«.
ساقونا مرة أخري في عدة ممرات حتي جاء ضابط علي كل كتف من كتفيه ثلاثة نجوم يتفرج علينا قليلا ثم قال:
»احبسوا العيال في حجز النساء.. ما يدخلوش حجز الرجالة لحد ما يتعرضوا علي النيابة..«.

(5)
وتركنا ومضي ليسوقونا في طريق آخر لم نكن مررنا عليه من قبل. هبطنا سلالم وسرنا في ممرات بها ناس لا شك أنهم مجرمون، ليس فقط بسبب هيئتهم، بل أيضا لأنهم كانوا مضروبين، وبعضهم كان مقيدا بالكلابشات، وكانوا حفاة في الغالب يقرفصون علي كعوب أقدامهم وأيديهم مشبوكة فوق رؤوسهم.
أدخلونا في نهاية الأمر الي حجرة ضيقة معزولة وسجلوا أسماءنا مرة ثانية، ثم تسلمنا عسكري آخر كبير السن، ساقنا بدوره الي باب آخر مغلق بقفل ضخم. فتح الباب وألقي بنا بسرعة. لم تكن حجرة تلك التي ألقوا بنا فيها، بل ان مساحتها لا تقل عن مساحة فصل في مدرسة، وكانت ممتلئة بعشرات النساء المتزاحمات الضاجات بالصراخ والضحكات. هذا هو حجز النساء اذن، الذي ذكره الضابط قبل قليل. أما العيال الذين معي، فقد انتشروا هنا وهناك بين النساء اللائي كن يعملن ضجيجا لا ينقطع.
نسوة بجلاليب وملاءات لف سوداء ، ونسوة بقمصان نوم، وأخريات يلبسن علي الموضة، كما كان هناك أيضا بنات صغيرات ممن يسرحن بباكوات النعناع واللبان.
ألقيت بجسمي علي الأرض في المكان الذي كنت واقفا فيه، وأغمضت عيني بقوة كي أمنع نفسي من القيءتذكرت قمر.. كيف أواجهها وأبرر لها ما ارتكبته من جرم.
لكنني لن أعود لهذا مطلقا.. لن أستسلم للبكاء ، فأنا مثل قمر أمي.. أتحمل كثيرا، ولكن اذا غلبني البكاء لا أستطيع أن أمنع نفسي وربما أجأر بالصراخ، وشعرت أن روحي تروح مني وعضضت علي شفتي مانعا نفسي من البكاء.

(6)
يبدو أنني غفوت. لا. لم تكن غفوة لأن الصداع كان فظيعا، ومعدتي تؤلمني، ولا أقدر علي السيطرة علي أعضائي. فتحت عيني لأجد امرأة صغيرة تسندني من كتفي.. صاحت:
»الحمد لله.. قوم يا ولد.. اشرب لك شوية ميه.. إنت مافطرتش؟!.
عندما أزاحت جسمها للوراء، سقط رأسي علي الأرض، حاولت النهوض، لكن الدنيا كانت تدور بي بسرعة. سمعتها تقول:
»قلب امك عليك.. إجمد يا وله.. انت بتشتغل ايه؟.. إنت جاي في ايه؟..«.
تلجلجت لا أدري ماذا اقول، لكن الولد الذي كان مربوطا معي قال: »أنا جاي معاه.. كانوا بيقفشوا النهاردة الجمعة.. وهو كان متشعبط في الترماي من علي الشمال..«
انحنت عليّ مرة أخري. أسندتني من كتفي، وسقتني من كوز في يدها. ثم راحت تبلل كفها وتمسح وجهي، وزعقت في النسوة اللائي كن قد تزاحمن حولي:
«شوية هوا.. الواحد بيفرفر.. قوم ياواد علي فرشتي تحت الشباك فيه هوا..»
أسندتني حتي فرشتها. بدأت أفيق فقد كانت الأنفاس حولي أقل. تبينت والنساء والبنات يتزاحمن هنا وهناك وقد اختلط بهن العيال الذين جاءوا معي. كانت هناك ايضا معارك صغيرة تندلع في الأركان. التهمت ثلاثة سندوتشات فول قدمتها لي المرأة الصغيرة التي يبدو انها تولت أمري. بعد أن انتهيت نظرت اليها، وهي ايضا نظرت لي. ابتعدت بوجهي الذي شعرت به يحمر، إلا أنني عدت أتلصص بعيني علي قميص نومها الذي كان بلا أكمام.
سمعت ضجة وصياحا علي الباب، ثم دخل عسكري سمين راح يزعق في النسوة، ويمد يده ويقرصهن مقهقها وصاح أخيرا:
»فين الحلوة نوال.. فين الحليوه؟!.
ردت عليه المرأة الصغيرة التي استضافتني علي فرشتها قائلة: »مش عارف فين نوال؟.. عميت.. ما أنا قدامك..« »معلهش يانونو.. نورك غطي علي الكهربا.. ومين الواد اللي جنبك؟
لحقتي خلفتي؟..«
»ياريت ربنا يرزقني بعيل.. ده كان بيفرفر دلوقت ولحقته..«
تحول إلي. كان رجلا عجوزا جدا كما تبينته الآن عندما اقترب، ووجهه أحمر يلمع كأنه مدهون بالزيت. شخط في قائلا:
»جاي في إيه ياوله؟ نشل ولا تسول؟.. لأ.. إنت مش وش تسول.. علي العموم مش موضوعنا..«
فك الأزرار النحاسية لسترته، وبدا كأنه يخفي صندوق الدنيا داخله، فقد راح يخرج قطع الملابس ويلقيها في حجر نوال التي كانت ممددة الساقين بجواري تدخن كان يضحك قائلا:
«آدي طقم تحتاني زي الفل.. وآدي بلوزة وجونلة.. برضه زي الفل.. اظن لما تتعرضي علي الطب الشرعي ولا النيابة ما حدش هايقدر يتكلم.. نضيفه زي الفل..»
بادرته:
«فين الصندل؟.. أمي نسيت الصندل»؟..
«لأ.. أدي الصندل..»
وضرب يده مرة أخري في سترته وأخرج الصندل. ألقي به في حجرها قائلا:
»هاتبقي هانم قد الدنيا يانونو.. المحامي العام نفسه مايقدر يحبسك..«
قاطعته وهي تنهض بسرعة:
«انتظر ياشاويش الغبرا.. أنا سامعة أمي بتنادي من بره الحجز..»
وألقي إليها بكمية من علب السجائر ، وعندما ابتعدت احدي العلب عن فرشتها، انقضت امرأة عليها، لكن الشاويش كان اسرع منها، وركلها بقدمه في وجهها، فصرخت وتركت العلبة مكانها وابتعدت. أما الشاويش الذي كنت أظنه سمينا، فقد بدا الآن عجوزا ونحيلا جدا، وهو يزرر سترته. كان ظهره منحنيا ويمشي ببطء شديد بعد أن تخلص من كل هذه الملابس التي كان يلفها حول جسمه.
وبينما يتخذ طريقه للخارج، اعتلت نوال كتفي المرأة نفسها التي ركلها الشاويش منذ قليل. كانت ترتدي جلبابا أسود ومنديل رأس أسود وأيضا، وانحنيت لتعتليها نوال التي استندت بيديها علي الجدار، واستقامت بجذعها وثبتت قدميها علي كتفي المرأة. كان رأس نوال قد بلغ بالكاد الشريط الضيق المغطي بشبكة من الحديد والسلك، وراحت تصيح وهي تشب علي قدميها، مستندة بيدها علي الجدار، وتشوح بذراعها الخالية قائلة:
»أيوه ياامه.. شاويش الغبرا جاب الغيار التحتاني والفوقاني.. والصندل والسجاير كمان.. خللي بالك أنتي.. مادام بلغتي الأستاذ سمير المحامي.. ماتقلقيش..«
وانتبهت أنا إليها وهي تتراقص برشاقة، واقفة بقدميها علي كتفي المرأة، كانت تهز وسطها وتلوح بيدها الخالية، وبجوارها ثلاث نساء أخريات، محمولات علي أكتاف زميلاتهن وأصواتهن عالية، إلا أن أيا منهن لم يكن في جمال نوال. بدت أمامي بقميص نومها جميلة جداً، وحين اعتدلت لأراها أكثر، فوجئت بها ترقع ضحكة صاخبة، ثم قهقهت قائلة :
«وأنا اللي كنت فاكراك عيل ياقلب أمك.. ده أنت بقي دكر ياواد..»
وفي قفزة واحدة كانت بجواري علي فرشتها، ومالت عليّ :
«إنت ياواد شكلك مقروض.. إنت مش ييجي تسع سنين ؟.. بتبص علي ايه ياقلب أمك ؟..»
ورقعت ضحكة أخري وهي تزداد التصاقاً بي. كانت رائحتها حلوة ونظيفة، وشعرها الأسود كان مقصوصا وقصيراً جداً. أضافت وهي تطبق هدومها التحتانية والفوقانية وقد مددت ساقيها :
«ووشك أحمر وبتنكسف كمان ؟.. انت سنك كم سنة ياقلب أمك ؟!...»
«طالع أولي اعدادي.. يعني عندي اتناشر سنة وماشي في الثلاتشر...».
«يعني راجل.. وانا اللي بتزنق فيك فاكراك عيل.. امشي قوم من هنا..»
واصلت ضحكها وهي تزداد التصاقا بي.

(7)
مصطفي.. يامصطفي..
انتفضت واقفاً، فقد كان هذا هو صوت قمر أمي الذي التقطته من بين الضجيج المتواصل أسفل الشريط الضيق المغطي بشبكة من الحديد والسلك.
جأرت بالصراخ :
«أيوه ياماما أنا هنا...».
وضاع صوتي مثلما ضاع صوتها في الضجة. عاودت الصراخ أناديها وأسمع صوتها. التفت الي نوال التي كانت لاتزال جالسة علي فرشتها. قلت :
«نوال.. ممكن تشيليني علي كتفك أكلم قمر؟..»
«قمر مين ؟..»
«أمي.. أمي اسمها قمر..»
«أشيلك ياحبيبي.. بس مش هاتطول تكلم القمر ياقلب أمك..»
رحت أجري هنا وهناك تحت الشريط أنادي علي قمر. أنا متأكد أنه صوتها. لابد أن مسعد نجح في الهرب وسارع بإبلاغها. واصلت الصراخ حتي فتح الباب علينا فجأة. كان العسكري العجوز الذي أدخلنا في الصباح ممسكاً بورقة وينادي علي الأسماء. حبست أنفاسي منصتاً للأسماء حتي ناداني، فرقعت يدي قائلاً بأعلي صوتي :
«أفندم...».
كانت المجموعة نفسها التي دخلت معي في الصباح . اصطففنا طابوراً واحداً، إلا أن نوال سارعت بالوقوف، واحتضنتني وأنا في طريقي للخارج قائلة :
«ماتخافش يامصطفي.. انتو هاتتعرضوا علي النيابة.. أمك هاتستلمك من هناك.. ماتخافش وخد الأكل ده يسندك وانت مترحل.. مع السلامة ياقلب أمك..».



---------------------------------
- فصل من رواية » شغل» قيد النشر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى