الشيخ نبيه حسن البعلبكي - (شموع حوزوية لا تنطفئ) هي توثيق وأسرار لأشرف رجال في العالم

(شموع حوزوية لا تنطفئ) مجموعة قصصيّة من تأليف القاص (حيدر عاشور العبيدي)، أديبٌ عراقي من مدينة كربلاء المقدسة. صدرت مؤخرًا عن (دار الوارث للطباعة والنشر والتوزيع- قسم الإعلام- شعبة النشر- وحدة التوثيق والتدوين) التابعات للأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة.

وتقع المجموعة في( 160 ) صفحة من الحجم الكبير. صمَّم غلافها الفنان المصمم والمخرج الفني (حيدر عدنان الخفاجي).

تحتوي المجموعة على (29) قصَّة تعدُّ من القصص القصيرة الخاصة عن شهداء الحشد الشعبي في معركتهم المصيرية مع زمر الإرهاب والفجور(داعش)، ومن هنا تكتسب المجموعة مزيَّة خاصةً بها، في ظل ندرة النشر لمجموعاتٍ كاملةٍ تحتوي على: (قصص قصيرة عن أبطال شهداء الحشد) في النتاج الأدبي المحلي.

وإذا كانت العناوين هي أولى العتبات للوصول لفهمٍ أعمقٍ للنصوص القصصية، فيلفت القارئ في عناوين قصص (شموع حوزوية لا تنطفئ) تكونها من كلمة شموع في المجمل، وغالبًا ما تكون تلك الكلمة (سيادية على المجموع) لتكون متوهجة مع كل نص وقد تكون الشمعة رمزا للشهيد الحي أي ان أبطال الحوزة هم شموع -علم ومعرفة- دائمة التوهج في السراء والضراء.

أحسب أنَّ المؤلف وُفِقَ في وسم مجموعته بهذا العنوان، لأنَّ في معظم قصصها أشخاصٌ لهم آمالٌ ظاهرةٌ حينًا، وخفيَّةٌ في أحيانٍ أخرى لم تتحقق. لقد أشار العنوان لخيطٍ دقيقٍ يربط بين قصص المجموعة أو غالبيتها.

وظّف القاص علامة الترقيم: الفاصلة توظيفًا ذكيًّا. جعل منها فاعلةً في البناء القصصي، معيّْنَةٍ له في تحقيق شرط التكثيف، فقد وفَّرت عليه استخدام كثيرٍ من الكلمات، وعبَّرت عن تتالي الأحداث. وأبقت على الأسلوب سلسًا وكأنَّه أجزاءٌ من مقطعٍ موسيقيٍّ. وبهذا يكون القاص قد تجاوز بالفاصلة وظيفتها التقليدية في اللغة العربية، وهي الفصل بين الجمل القصيرة، والدلالة على أن الكلام مستمرٌ بعدها. ومثال ذلك نجده في قصة (صقرُ لواء البتار) وهي عن الشهيدِ السيّد ( رزاق خشن غراب المكصوصي الموسوي) أبي جعفر: "لم ينطفئْ اسمُه، ما زال موجودا،ً فمن أجل عزٍ وكبرياءٍ، سلم أبناءه لرعاية من لا ينطفئ نوره".

يقول الأميركي الهندي بيكو لاير: «إنَّ الترقيم يضبط عمل القانون في النصوص. وإن العلامات تشبه في التواصل تلك العلامات الموضوعة على الطرق، والتي تحدد لنا الاتجاهات والسرعة والمفارق. فالنقطة أشبه بالضوء الأحمر، والفاصلة ضوء أصفر يطلب منّا التمهل، والفاصلة المنقوطة إشارةٌ توقف تطلب التمهل التدريجي نحو التوقف الكلي، ومن ثم الانطلاق من جديد. عندما نستخدم الترقيم لتنظيم العلاقة بين الكلمات، ننظم تلقائيًا العلاقة بين قارئيها. والفاصلة، خصوصًا، أو الفارزة، كما يسميها البعض، تفصل ما لا ينفصل، وبسحرها تجمع ما يصعب جمعه».

لم يكتف القاص بتوظيف علامات الترقيم لخدمة غرضه، بل مضى قدمًا، ووظف الفراغات (أسطرًا فارغةً) دالةً على كلامٍ مفقود أو أحداثٍ مسكوتٍ عنها تستبين من خلال ما قبلها وما بعدها، أو من خيال المتلقي لما يحتمل أن تكون. ومثال ذلك الأسطر الفارغة قبل آخر سطرٍ من قصة (شهيدٌ وُلِد من عشق الحسين "عليه السلام" وعقيدته) وهي عن الشهيد (الشيخ حسن هادي محمد العتبي ). وينهي القاص بعض قصص المجموعة بنقطتين متتاليين، وأحيانًا بثلاثِ نقاطٍ بدلًا من نقطة الانتهاء الواحدة دونما سببٍ مقنعٍ من وجهة نظري، ومن ذلك قصص (الشهادةُ قبلَ أي شيء آخر) و(حينَ رنَّتِ الشهادة في أذنهِ.. لبسَ العمامة) و(الشهيدِ الذي صدقَ في وعده).

ويلحظ القارئ سلامة لغة المؤلف من الأخطاء اللغويَّة نحوًا وإملاءً في وقتٍ أصبحت هذه الأخطاء قاسمًا مشتركًا يشوِّه كتابات كثيرٍ من الأدباء. إنَّ عناية المؤلف باللغة وصلت لحرصه على كتابة علامة (الشدَّة)، وكتابة علامات (التنوين)، الأمر الذي يتناساه عمدًا أو جهلاً كثيرٌ من الكتَّابِ رغم أنَّه من مقتضيات اللغة العربية عند كتابتها. يستخدم المؤلف بحرفيّة مهنيَّةٍ الفعل الماضي كثيرًا، وهذا يتسق مع طبيعة القص الذي هو في الغالب حكايةٌ قد انتهت. كما أنَّه يستخدم الفعل المضارع حينما يريد إيصال رسالةٍ ضمنيةٍ أن أحداث تلك القصة قد حدثت، ومازالت تحدث وإن تغير الشخوص واختلف الزمان والمكان، ومثال ذلك قصة (والتحقَ بربّهِ شهيداً) عن الشهيد السعيد(الشيخ علي خالد الركابي): "في حُلمِ اليقظِة، لا في حُلم المنام.. كان الانفجار الصاعق يأخذ جميع الأرواح. فحلقت روحه مع الأرواح صوب السماء".

كثيرًا ما يشير (حيدر عاشور) لأبطال قصصه بضمير الغائب. وضمير الغائب يمنح المتلقي فرصةَ أوسع لمزيدٍ من التخيل، وبالتالي يكتسب النص عمقًا أكثر، ويتشبع ثراءً بما يُضَافُ له، ويُضْفَي عليه من أخيُّلة وتخيلاتٍ كلِّ متلقٍ للنص، بفضل استخدام هذا الضمير بخلاف استخدام ضميري المتكلم والمخاطب اللذين يحدَّان كثيرًا من مجانيَّة منحة التخيل، ويحصرانها في تخيل المتلقي لشخصين فقط هما المخاطب، أو المتكلم الذي غالبًا ما يكون الراوي نفسه. إنّ استخدام ضمير الغائب يعطي للنص مجالًا أكبر، ويهبه احتمالاتٍ أكثر مما يزيد من ثرائه. قناعة القاص بأنَّ الأدب الحقيقي أدبٌ إيحائيٌّ باقتدارٍ، لم تضطره مثلما يفعل بعض الأدباء إلى استخدام لغةٍ مبهمةٍ في مفرداتها وتراكيبها؛ تحتاج من القارئ فكَّ شفراتها. استعاض المؤلف عن ذلك بالرمزيَّة التي يمكن أن تأتي، وتؤول من الحدث نفسه، ومن نتائجه وتحديدًا من المفارقات البارعة التي ينهي بها المؤلف قصصه الباعثة على الأسئلة. وهو أمرٌ يحمد للسارد روائيٍّا كان أو قاصًّا، لأنَّ السرد أدبٌ موجهٌ لعامة الناس، لذا لا بد والحالة هذه أن تكون لغته مباشرةً دون ابتذالٍ، واضحةً دون تكلفٍ وتصنعٍ قد يصرف القارئ عن قراءة العمل، أو متابعة قراءته بمجرد أن يشرع فيها. الشعر فقط من وجهة نظري قد تناسبه أحيانًا اللغة الرمزيَّة، لأنَّه لونٌ أدبيٌّ قد يصدق عليه وصفنا إيَّاه بالنخبويِّ بخلاف السرد.

موضوعات قصص القاص تحضر فيها قضايا الشهادة في سبيل الدين والوطن والمقدسات، والإرهاب. وتحضر فيها أيضا قضايا فلسفية ذات صلةٍ بتساؤلات مضنيّة ومن ذلك البحث عن براءة الشيوخ والسادة في الحوزة الشريفة، وغرائب أقدارهم، كيفية عشقهم للشهادة، جدوى إطاعة أوامر المرجعية الدينية العليا بشكل مطلق غير قابل لتردد، ونعمة اليقين في بعض الظروف، وعلاقة الإنسان بالله تعالى، ونحو ذلك.

لذا ندعو المتذوقين الى قراءة (شموع حوزوية لا تنطفئ) ففيها توثيق وأسرار لأشرف رجال في العالم.


%D8%AA%D8%AD%D9%85%D9%8A%D9%84-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D9%90%D8%A8-%D8%B4%D9%85%D9%88%D8%B9-%D8%AD%D9%88%D8%B2%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%86%D8%B7%D9%81%D8%A6-pdf-%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%B1.webp.webp

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى