أ. د. حسيب شحادة - "أنا من اليهود" وعربيته

“أنا من اليهود” عنوان كتاب عبري ذي ثلاثة أجزاء، يضم أربعين قصة قصيرة كُتبت بين العامين ١٩٩٦-٢٠٠٨ وعنوان القصّة الثامنة فيه، بقلم الكاتب والشاعر والناقد الإسرائيلي الشاب، ألموچ بهار، المولود في البلاد سنة ١٩٧٨ والمتحدّر من أصول عراقية.

من النادر حقّاً أن يصادف المرء كتاباً عبرياً بعنوان عربي، لا بل وفيه قصة مركزية مترجمة إلى العربية وبحروف عربية في عصرنا الراهن. بهار خرّيج الجامعة العبرية في موضوع الفلسفة ويُتابع دراسته الجامعية في مساق الأدب العبري، يتخصّص في شعر أميره هس المولودة في بغداد عام ١٩٤٣، ويدرّس في مدرسة ثانوية في القدس. له ديوان باسم “ظمأ الآبار”، وهذا الكتاب “أنا من اليهود”، بمثابة مجموعته القصصية الأولى.

ينشر بِهار نتاجه النثري والشعري في العديد من الدوريات الإسرائيلية العبرية مثل عيتون ٧٧، قيشت، أفيقيم، ألپايم، دقّه، أشْمورت، قِدمه، ملحق هآرتس الأدبي. وبهار منخرط مع آخرين في حركة “القوس الشرقي” الرامية إلى الرجوع إلى الجذور والتعامل باحترام مع اليهود الشرقيين أو “اليهود العرب” (عنهم، أنظر مثلاً، يهودا شنهاڤ، اليهود-العرب، قومية، دين وإثنية. تل أبيب ٢٠٠٣، بالعبرية). ومن المعروف ما قاله داڤيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلية (١٨٨٦-١٩٧٣) “نحن لا نود أن يكون الإسرائيليون عرباً. يتوجّب علينا أن نحارب روح الشرق التي تخرب أفراداً ومجتمعاتِ”.

وقال الأديب سمير نقاش في مقابلة صحفية «كنا في العراق نسمّى يهوداً وصرنا في إسرائيل نسمى عراقيين، وقد جهدت المؤسسة الإشكنازية الحاكمة في محو كل معالم ثقافتنا الشرقية».

وهناك من اليهود أنفسهم مثل المحاضرين، الدكتور نيڤ غوردون من جامعه بن غوريون والبروفيسور شلومو زاند من جامعة تل أبيب، الذين يصفون إسرائيل اليوم بـ”دولة الأبارتهايد”.

من الممكن تلخيص هذا الكتاب، ٢٩٣ ص. الصادر عن “مكتبة بابل” عام ٢٠٠٨ بأنه عبارة عن محاولة جادة وصادقة في البحث عن الهوية واللغة وفقدانهما، الشتات الفلسطيني بعد حرب ١٩٤٨، موضوع الانتماء. تلعب اللغة دوراً محورياً من البداية وحتى النهاية، بأي نمط عبري يود الكتابة وبأي لفظ يتحدث. يصف بهار كل هذا بحسّ المثقف المرهف وبمستوى لغوي عالٍ ومركّز، إنه، مثلاً، نادراً ما يستعمل الأداة “إت” المستعملة عادة قبل المفعول به المعرّف. وفي القصة “أنا من اليهود” يصف بهار ما يعتمل في قلب وعقل شاب شرقي يهيم في شوارع القدس وطرقاتها ويفقد عبريته العادية، الإسرائيلية. إنه يودّ الحفاظ على إرث آبائه وأجداده، لا سيما الحفاظ على لكنة جده العربية العراقية، وما يلاقيه ذاك الشاب من مصاعبَ وهمّ وغمّ في التحقيق الشرطي في خضم مجتمع إشكنازي غربي متعال.

بعِبارة وجيزة، يمكن القول إن الكتاب، لحدّ ما، صرخة في وجه القهر الثقافي الأحادي العبري، ضد “بوتقة الصهر”. وهذا الصهر يعني مما يعني التخلص من الثقافة الشرقية أي العربية في جوهرها كي يتسنّى للشرقي الاندماج في المجتمع الغربي الراقي المتنور. ومن مظاهر الثقافة الشرقية البارزة لغوياً القدرة على التلفظ بالأصوات الحلقية، أ، ح، ع، هـ، كما يجب. بؤرة هذه القصة هي إشكالية تحديد معالم الهوية الحقيقية لليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية. من نافلة القول أن هناك رابطاً متيناً بين اللغة والهوية والوضع في إسرائيل بهذا الصدد بارز وذو أهمية قصوى. وفي هذا السياق أتذكر طرفة كنت قد سمعتها منذ عقود في القدس ومن زميل يهودي مراكشي. تقول النكتة: عندما يضرب اليهودي المغربي موعداً للقاء صديقة فإنه يختار دوماً يوم الأربعاء، أتعرفون لماذا؟ لأن أسماء بقية أيام الأسبوع الستة تشمل حرف الشين الذي يلفظه بنو المغرب اليهود سينا كما هي الحال هنا في بلاد الشمال بالنسبة للفنلنديين مثلاً.

لا ريب في أن التعامل الفوقي والمتعجرف ينفي الهوية والكيان ويقود، لا محالة، لتناسل الأحزمة الناسفة. ومما يجدر ذكره وجود بضع عشرات من الكلمات العربية في هذا الكتاب مثل: أهلا بيك، يا حبيبي، أشلونك، سلامتك، هسهيونيم (سابقة ولاحقة عبريتان، ص. ٥٨)، عبايه، الناي، بسطوت (لاحقة الجمع للمؤنث بالعبرية)، اللهُ أكبر، أسمر، انا بحبك، يا سدام يا حبيب اودروب اودروب تل أبيب، جاهلية، اوفى من السموأل.

لست هنا بصدد الحديث عن الكتاب مبنى ومعنى بل أود التطرق إلى لغة الترجمة العربية لقصة “أنا من اليهود”. ومع هذا أكتفي باليسير التالي.

في هذه القصة المسبوكة بلباقة نرى أن بِهار يصف بطله في القصة بعجز ما في النطق، لا خرس، بل يفقد طريقة تحدثه بالعبرية الإسرائيلية الإشكنازية ويبدأ بالكلام كما كان جدّه أنور العراقي يتكلم، التلفظ بالأصوات الحلقية والمفخّمة من مخارجها الصحيحة. وبهذا النمط اللغوي يغدو بهار مثل “مصيف الغور” لا اليهود يقبلونه ولا العرب يضمونه إليهم. هذه القصة كانت قد حازت على المرتبة الأولى في مسابقة القصة القصيرة لصحيفة هآرتس الإسرائيلية العبرية اليومية عام ٢٠٠٥. قام الصحفي المصري، محمد عبّود، بنقل هذه القصة إلى العربية ونشرت الترجمة في مجلة الهلال الثقافية العريقة في حزيران ٢٠٠٦، وفي الكتاب العبري الصادر في إسرائيل ص. ٦٥-٧٦. ما لفت انتباهي بشكل خاص، لا بل ما صدمني، كثرة الأخطاء اللغوية التي علقت بهذه الترجمة ولا أدري فيما إذا كانت إدارة مجلة “الهلال” قد صححتها أم لا. أمامي الترجمة المنشورة في الكتاب المذكور في العنوان. والجدير بالذكر أن أربعة أساتذة عملوا، كما يذكر المؤلِّف، ألموچ بهار، في تنقيح هذه الترجمة (ص. ٢٩٤) وهم: البروفيسور ساسون سوميخ ومروان مخول وبروفيسور رئوڤين سنير وسعيد سجير.


قائمة بالأخطاء اللغوية، تحتها خط، وفق تسلسل الصفحات:

ثم بدأ يُزحلق بعيدا على صفحة الحلق (ص. ٦٥).

حاولت أن أَتَصَنَعُ مسافة بين الصاد والسين (ص. ٦٥).

أشاروا إليّ، وإلى لحيتي السوداء بأصابع مُتَوَعَدة (ص. ٦٥).

لكن بطاقة الهوية اختفت فُجأةً (ص. ٦٦). …

تروي لهم عن ماضِيِيَّ ومستقبلي (ص. ٦٦).

انما من احدى الاماكن الخارجية. (ص. ٦٦).

وعموما ربما كان جَدَّكَ يتحدث بلكنة مشابَهة للكنتي (ص. ٦٦).

سمعوا على الطرف الآخر تقسيمات عود والحان قانون (ص. ٦٧).

فتشوا داخل طبقات جَلْدي عن حقدي الدفين (ص. ٦٧).

كنتُ ذاهباً لمشاهدة فيلما امريكيا حاصلا على عدة جوائز أوسكار (ص. ٦٨).

ليسوا مجرد شبان يعملون في المعْمار. (ص. ٦٨).

غير أنّ خبر صَغير في زاوية مهملة لاحدى الصحف.. (ص. ٧١).

.. على ضَياع مجهود خمسين عام من التعليم الناجح. (ص. ٧١).

تارة تشعر أنه هابطا من الشمال من مضيق البوسفور... (ص. ٧١).

وتارة تشعر أنه صاعدا من الجنوب من خليج عدن. (ص. ٧١).

وعلى الرغم من تنبئها بموجة عظيمة من التغييرات. (ص. ٧١).

كان المحاضرين والمحاضرات مندهشين من طريقة نطقي. (ص. ٧٢).

سيشعر المسئولين بالأقسام الكبيرة بالصدمة مرةأخرى (ص. ٧٢).



اثنان وثلاثون خطأً لغوياً في اثنتي عشرة صفحة (وبحساب بسيط أكثر من خطأين ونصف الخطأ في كل صفحة) وهذا بعد تنقيح أربعة أساتذة، حقيقة يصعب عليّ تصديقُها في حين أنني لم أعثر على أي من مثل هذه العثرات والهنات الفاضحة في الكتاب برمّته، قرابة الثلاثمائة صفحة بالعبرية. اللهم إلا في بضعة مواضع، ص. ٥٣ وص. ٨٥ حيث استعملت الكلمتان المؤنثتان עת, אש (وقت، نار) بصيغة المذكر وفي مكان ثالث الخطأ طباعي حاسوبي، شين بدلا من العين، ص. ٢٤٤ وفي موضع رابع خطأ في التشكيل ص. ٢٧٢، מספַּר סיפורים، الصحيح.

لا ريب أن النص العبري وترجمته العربية جديران بالدراسة والتحليل في إطار مادتي العربية والعبرية في المرحلة الثانوية. وهذه الدراسة لا بد أن تتطرق إلى الأخطاء اللغوية في لغة الترجمة وفي طبيعة الترجمة ومدى أمانتها للأصل من جهة وحيويتها وسلاستها من جهة ثانية.

كيف كان يا ترى الوضع قبل التنقيح المشار إليه؟ لماذا هذا الاستهتار بلغة العرب؟ لماذا هذا الانتهاك لحرمتها وأنفتها؟ أرى أن الاستهتار وانتهاك الحرمة نابعان من أبنائها غير الأوفياء لها! قوانين البشر تحاكم من لا يطبقها ويسجن أو يغرّم الخ. أما بالنسبة للغة العرب فحدّث ولا حرج!

إلى متى سيبقى “حيط العربية والعرب واطي” إلى هذا الحدّ المزري؟


جامعة هلسنكي








التعليقات : 2
.

14/10/2009


حسيب شحادة

تحية طيبة للسيد عبود،

١) لا أرى أي مسوغ لتصحيح أية جزئية وردت في مقالتي، فالنقد منصبّ على ما ورد في الكتاب الذي صدر في إسرائيل، مكتبة بابل ٢٠٠٨، ص. ٦٥-٧٦. ٢)

في مقالتي هذه لم أحمّل أحدا مسؤولية الوقوع في الأخطاء اللغوية، إنما أشرت إلى هذا الاستهتار الفاضح بسلامة قواعد العربية في أيامنا! والمسؤول بالطبع من قام بإخراج النص. ٣) عُنوان شكواك يا سيد عبود ينبغي أن يكون دار النشر الإسرائيلية المذكورة في البند الأول أعلاه.

٤) بعد الإطلاع على النص المترجم المنشور في مجلة الهلال عام ٢٠٠٦ وفي موقع عرب ٤٨ يمكن القول إن هناك بعض الأخطاء اللغوية التي وقعت أيضا في الكتاب آنف الذكر في البند الأول أعلاه. من هذه الأخطاء: ماضيي؛ كنت ذاهبا لمشاهدة فيلما امريكيا حاصلا؛ وباء معدي؛ خمسين عاما؛ انه هابطا؛ انه صاعدا؛ سيشعر المسئولين؛ ربما يستفيقوا؛ أبكما؛ ماذا يستطيعا؛ اقرءوا.. (والصحيح إقرآ في التثنية)؛ تنكرا إليّ؛ وقالت أمي لم نربي هذه اللحية.

٥) هناك زهاء المائة فرق بين النصين العربيين المذكورين وهي بمعظمها مندرجة في إطار الأسلوب. من الفروق الواضحة بينهما وجود التشكيل في النص "الإسرائيلي" وغيابه في النص "المصرى" وهذا التشكيل مغلوط في حالات كثيرة جدا. يقال في العربية "حي القطمون" و"الطالبية" وليس بالتاء بدلا من الطاء يا سيّد عبود. والصحيح "بأمثال يهودية-إسبانية من تركيا" وليس "بالأمثال التركية".

٦) تقييم شامل ومتأن للنصين المذكورين، مبنى ومعنى، بحاجة لدراسة منفردة.

باحترام

حسيب شحادة

بروفيسور في اللغات السامية وثقافاتها

.

10/10/2009



محمد عبود

الأستاذ حسيب شحادة، تحية طيبة وبعد.

قرأت باهتمام بالغ مقال حضرتك عن كتاب "أنا من اليهود" للأديب الإسرائيلي ألموج بهار. ولاحظت أنك اهتممت بشكل واضح بالأخطاء الواردة داخل الكتاب، وتحديدا في الترجمة العربية لقصة "أنا من اليهود". وطرحت تساؤلا حول اهتمام إدارة مجلة الهلال بتصحيح القصة. وأود أن أوضح لك بعض الحقائق المهمة، من وجهة نظري، وأتمنى تصحيحيها في المقال المنشور على صفحتكم بموقع الحوار المتمدن.

أولا- لست مسئولا عن النص العربي المنشور في الكتاب الصادر بالعبرية، فلم ينشر بإذني أو بموافقتي.

ثانيا- هذا النص لم يعد ينتمي إلي أو ملكي، ولم يعد "نصي" بعد أن تدخل فيه أربعة أشخاص بالتنقيح وتشكيل الكلمات، وتغيير معالمه، كما يغير الإسرائيليون معالم الأرض. وقد شعرت بغضب بالغ لهذا الاعتداء على "نصي المترجم"، والجرأة في نشره باسمي، دون إذني أو موافقتي.

ثالثا- أنا مسئول مسئولية تامة عن نص ترجمة القصة المنشور في مجلة الهلال القاهرية، وعن المقال النقدي الذي جاء سابقا لترجمة القصة في ترتيب الصفحات بمجلة الهلال عدد يونيو 2006. وقد أعيد نشر نص هذه الترجمة في موقع "عرب 48"، ومن خلال هذا الموقع وصلت القصة للأديب اليهودي العربي ألموج بهار.

رابعا- يسعدني أن تتنقد نص ترجمتي، وصياغتها، ولغتها، وهي منشورة في عدد الهلال والموقع الاليكتروني سالف الذكر، وفي مدونتي الإليكترونية، لكن أزعجني جدا أن تحاسبني على نص تدخل فيها أربعة أساتذة كبار بمشرط الركاكة الأسلوبية، والتقديم والتأخير، والحذف والإضافة، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.

خامسا- الأمر الذي شجعني على الكتابة إليك، هو وظيفتك الأكاديمية التي تلزمك بالدقة والتمحيص، ولغتك النقدية الراقية، وأسلوبك المتين، وما شعرت به في صياغة هذ الجملة تحديدا: "لفت انتباهي بشكل خاص، لا بل ما صدمني، كثرة الأخطاء اللغوية التي علقت بهذه الترجمة ولا أدري فيما إذا كانت إدارة مجلة “الهلال” قد صححتها أم لا". وهي جملة تحمل رغبة في التساؤل أكبر من الانسياق إلى إدانة سابقة التجهيز.

سادسا- أرسل لحضرتك رابطا اليكترونيا يحوي القصة مترجمة إلى العربية، والمقال النقدي المصاحب لها، والتعريف بالكاتب. وهي نفسها النصوص المنشورة بمجلة الهلال. ويحتوي الرابط على صورة من غلاف عدد الهلال. مع ملاحظة أن موقع "عرب 48" غيّر في عنوان القصة، وأضاف كلمة "دولة"، فصارت لديهم أنا من دولة اليهود. في حين جاء العنوان في مجلة الهلال، وفي النسخة التي أرسلتها لمسئول تحرير المواد المنشورة في الموقع أنذاك، بهذه الصيغة: "أنا من اليهود".

سابعا- أرجو أن تنصفني في مقالتك المنشورة بتاريخ 7- 10- 2009، وللأسف لم أطالعها إلا اليوم. وبادرت بالكتابة إليك، راجيا، أن تهتم بالتصحيح، وبالإشارة إلى هذا التصحيح في متن المقال. ويسعدني أكثر أن تهتم بالرد على رسالتي إلى حضرتك.

وفي نهاية هذه الرسالة، أتمنى لك موفور السعادة، وأشكرك على الالتفات لهذه القضية، ويسعدني التواصل دائما. وهذه الرسالة تردك من محمد عبود، مدرس مساعد في قسم اللغة العبرية وآدابها بجامعة عين شمس بالقاهرة. وأعد لدرجة الدكتوراة، وأدرس في أطروحتي القصة العبرية القصيرة.


رابط القصة على موقع "عرب 48"


رابط القصة على مدونتي









.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى