يارا كمال - لون..

ولدت من أنبوبة رسّام وهبطت على أرض البالتة. مزجني بألوان أخرى. دغدغني بريشته وداس بي على خشب البالتة الرقيق وجعلني نقطة عريضة. أضاف لي لون ولون ولون، فلم أعرف نفسي في انعكاسي على نظارته. صنع مني لونًا أعجبه ولم يعجبني. فكرت أن أفسد لوحته، فانتشر فيها، ولكن أعجبت وردة في زهرية على منضدة صغيرة، فاقتبست لوني.

رآها الرسام كأنه يراها لأول مرة. نسيها حتى أنه لم يستغرب من تغير لونها. وضع لوحته جانبًا وبدأ لوحة جديدة هي بطلتها وأنا أيضًا. فتحت الوردة بتلاتها تستعرض جمالها. أحسست بالانتصار والظلم في آنٍ واحد: ها أنت تستخدمني بطلًا للوحة ولكن هل لابد أن أصبغ وردة لتراني؟ الآن أسخر من هذا الشعور. المهم أن ما حدث كان سبب أنني قابلتها.

قد يدعي الرسام أنه من رسم اللوحة بأكملها، ولن أستطيع أن أثبت أنني ساعدته. كنت أتنزه هنا وهناك في لوحته. كلما وجدت مسارًا على القماش، أخذت رجلي وذهبت. حاول مسحي باللون الأبيض الذي أكرهه، فتشاجرت معه وطفحت عليه لأطفو أنا على وجه اللوحة الأبيض بالأساس. لم يجد الرسام مفر من استخدام خطوطي المتمردة عليه، فولدت الوردة في لوحته ميلاد ثالث على يدي أيضًا.

نمت متعبًا من الشجار وأستيقظت بعد أيام في معرض ورأيت عيونًا تحدق بي. حدقت بي فتاة فستانها مليء بالوردات الصغيرات ولكن بين كل صحبة وصحبة متسع من اللون. وقعت في حبها من أول نظرة وتمنيت أن تمتلك من النقود ما يكفي لشراء لوحتي، ولكن حدث ما هو أفضل.

هي ليست من رواد المعارض الذين يشترون اللوحات، بل يشاهدونها لتلهمهم، وبالفعل ألهمها المعرض بي. اختارتني لونًا مفضلًا وصرت اعتمل في ذهنها لأيام وأسابيع. تسأل عني بائعي الفساتين وطلاء الشفاه –ليس أحمر فقط-. وهي تشتري غسولًا لشعرها من الصيدلية، وجدتني بين طلاءات الأظافر، فاشترتني بلا تردد.

إنه الأبيض ثانيةً. يا له من لون سخيف. كان لون كيس الصيدلية. حجب عني رؤيتها بوضوح حتى وصلت البيت ووضعتني على التسريحة، وشاهدتها وهي تبدّل ملابسها. تجلّى لونها على مساحة أكبر من جلدها وهي عارية، فبدا بديعًا رغم أنه درجة من درجات الأبيض ولكنه ممتزج بالوردي والأصفر وتزينه نقاط صغيرة للغاية من البني.

اختارت رداءً للنوم لونه يناسبني. أمسكت بالفرشاة المنقوعة بي ووزعتني على أظافرها بمهارة مفرودًا بلا نتوءات. نفخت في وجهي لأجف فاستطبت أنفاسها. نظرت إليّ وإلى يديها بحب في المرآة، فرأيت نفسي بهيًا أليق بأصابعها الممشوقة الطرية.

نالتني بعنايتها. كلما سقط من جزء عن إحدى أظافرها، أعادت طلائي وغطتني بطبقة عازلة. استرحت أكثر عندما أزاحت قليلًا الطبقة الرقيقة الفاصلة بين الجلد والظفر لتفسح لي مجالًا.

عندما يسألها أصدقاؤها عن سبب عدم تغيير لون طلاء أظافرها، كانت تخبرهم أنه لونها المفضل الجديد. وقتها كنت أسمعها تقول:”أحبك”.

كلما نفذت زجاجة طلاء الأظافر، انقبض قلبي ولكنها كانت تجدني في الصيدلية وتختارني دونًا عن بقية الألوان، وأحيانًا لا تجدني، فتأبى أن تختار أي لون آخر حتى تجدني.

ولكن في يوم انسكبت منها على الأرض والكومودينو. تعثرت عند حافة زجاجة الطلاء، فأمسكت بها فوقعت معي. سحبت المناديل بسرعة ومسحتني وألقتني في سلة المهملات. رغم أنه يبدو سلوكًا منطقيًا، إلا أني غضبت له.

نفخت في وجهي نفخة غضب لأجف على ظفري إصبعين فقط، ثم تراجعت ومسحتني من عليهما بمزيل الطلاء. لم أقصد أن أقع.

لأول مرة، لا أنام على أظافرها.

منيت نفسي بأنها ستشتريني عندما تعود من العمل. ذهبت إلى الصيدلية ودارت بعينيها بين الزجاجات الصغيرة الملوّنة، حتى وجدتني أنتظرها وابتسم. صعدت بعينيها بضعة ملليمترات. لم أعلم إلمَ تنظر لأن غطاء زجاجتي أسود. رأيتها تسحب لونًا آخرًا وتدفع ثمنه، وتركتني انساب على أظافر فتاة أخرى.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى