فارس علي حزين - الحالة صفر...

الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل,يجر أذيال جسده المتهالك, وهو ما زال يلملم شتات أفكاره, ألقى بجسده على سريره نظر لسقف غرفته, وسط ظلامٍ دامس , عيناه ساكنة , شارد الذهن , لا يدري فيما يفكر, أو فيما ينظر, تأتيه نسمة هواءٍ جميلة من نافذة غرفته , شعر كأنه في عالمٍ موازي,وهو ما زال في شرودٍ تام , يأخذ نفساً عميقاً , يحبسه في صدره يتذكر ...
ــ يابني أنت حالتك النفسية صعبة
يقوم من تابوتهالقديم, يغسل يديه , يشرعُ في وضوئه, يصلي الفجر, يتحرك صوب التابوت مرةً أخرى, يضع عيناه من جديدفي سماء غرفته , بنظرات منهكة كأنه يبحث عن شيءٍ ما , أو يُحدِّث كائناتٍ غير مرئية , ...........
ما زالت تلك الذكريات القديمة تأتيه , تقتله شيئاً فشيئاً ، قال له الطبيب ذات مرة :
ــ لازم تنسى كل اللي مريت بيه عشان تعرف تعيش طبيعي .!
قام من على سريره, أرتدي حذائه, نظر في مرآته, ليهيئ نفسه للخروج نحو الشارع ,
كل من حوله أخبره بأن يذهب إلى طبيب نفسي, وهو يرفض بشدة , .........
الوقت شروق للشمس, إعتاد أن يسير في ذلك الجو الجميل , بعد كل صلاة فجر ,
تذكر, ذلك المكان الذي تعارك معه أخاه الصغير وطعنه عدة طعنات مؤلمة , وتذكر ذلك الطبيبالذي فشل في علاجه , ولم يأتي بنتيجة إيجابيةٍ معه, وتذكر أخته التي كانت تقوم بمعاونة أخيه الصغير علي ذلك, وهو ما زال لا يجد العلاج من سُم تلك الذكريات القاتلة , نبتت على شفته ابتسامةً مؤلمةً من أثر الخزلان, وهو يسير وحيداً بين الطرقات المترامية, رسم على وجهه ابتسامةً أخرى, وهو يتذكر ما حدث من جديد .. فما كان يتوقع من اخوته الصغار أن يصدر منهم مثل هذا الذي حدث ...
" ترك لهم المنزل حينما لم يجد له مكاناً وسطهم , "
أخرج علبة سجائره لينفث فيها نار قلبه وهو يزفر زفرات مريرة, يتلمس فقراتسلسلة ظهره التي تؤلمه , ....
لم يَمضِ علي خطواته الضعيفة شارع حتى تبسَّم في نفسه ابتسامةً أخرى, يتطاير الدخان في الهواء,يجلس عند شجرةٍ علي ضفاف النهر, ذلك مكانه المفضل , يحاول أن يهرب من الذكريات ,وقد أخرج سيجارةً ثانيةً يلتهمها بأنفاسه .. تذكر ..
"حبيبته القديمة يوم رآها مع أطفالها وزوجهاالذي يصرخ في وجهها بشدة ويهينها، دائماً, أمام العامة, وكانت خطواتها مرتعدة بجانب زوجها,وقد أبعِد عيناه عنها حتى لا تراه , وهو لا يدري أيفرح بأن الله أذاقها ثمن ظلمها له حينما تركته لأجل المال، أم يحزن على حالها ".
شاكست أشعة الشمس عينيه .. وقف مبتهجاً بألوانها المبهرجةً ..قال في نفسه :
ــ أشرقت الشمس ويوماً ما ستشرق حياتي من جديد
يقوم عائداً إلى البيت, وبينما هو يسير شارداً كالمجنون يستوقفه صديقه ليخبره , بأنه قد رسب هذا العام في الدراسة , يواسيه , وهو يضحك بهيستيريا , قائلاً له :
ــ شكراً لكيا صديقيعلى هذا الخبر الجميل .!
يرحل تاركاً صديقه في ذهولٍ تام,بخطوات متسارعة على جسر الطريق , يقطعه في ثوانٍ معدودة, يدخل منزله, يضع حذائه جانباً,يغلق غرفته على نفسه .. يدخل تابوته حتى ينام ودموعه تتساقط ,ثم تنهمر من عينيه على وجنتيه لتغرقه في تابوته,........

*********************
تمت صباح الأربعاء 27 / 7 / 2022

فارس على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى