سهى الجربي - برجسترون وتستسترون.. قصة قصيرة

نظرت ريم في المرآة كالعادة تتفحص وجهها، عدد التجاعيد، الهالات السوداء الخ...
إذا بها تلاحظ بروز ذقن حول محيط الفم أشبه بذقن الرجال إلا أنه أقل كثافة.
ريم تبلغ من العمر السابعة والعشرين ربيعاً، تزوجت منذ أربع سنوات لكنّ هذه المرّة الأولى التّي ترى هذا الشّعر في وجهها.
نظرت مرة أخرى إلى المرآة وفركت عينيها جيدًا حتى تبصر بوضوح ذقنها فلعلّ عيناها أخطأت النّظر بسبب استيقاظها المباشر من النوم أو لعل إضاءة الغرف الخافتة هي السبب. هرولت بسرعة نحو الحمام هناك ستتبين الأمر، حاولت أن تنفض هذا الشعر من فوق وجهها فلعله بقايا من ذقن زوجها مازال عالقاً به، لكن هيهات ،نعم لقد برز لها ذقن أقل كثافة من ذقن زوجها لكنه موجود. أصابتها قشعريرة حادة في جسدها كله، وابتلعت ريقها بصعوبة.....
تذكرت كيف كانت قبل أربع سنوات ليست هذه السيّدة التي تنظر إليها في المرآة ليست هذه ريم . فقد بدت لها المرأة المنعكسة هناك بدينة جداّ، وجهها دائريّ ولها ذقن مترهل به شعر ثخين. بينما ريم الحقيقيّة نحيفة لا يتجاوز وزنها الخمسين كيلوغرام، ثم نظرت مرة أخرى.أمسكت ببطنها المترهلةلتتأكدّ، نعم إنّها بطنها فعلاً ليست بطن سيّدة أخرى.
ذلك اليوم لم تغادر ريم فراشها، طلبت من زوجها أن يتركها وحيدة ويأخذ الطفل ويعتني به. في الأوّل رفض زوجها ذلك ، فدخلت الزّوجة في حال من الهيجان اللفظي والزئير الصوتي، وفي حال صراخها انتبهت أن صوتها لم يعد رقيقاً كالعادة، فيه ولولة ذكورية غليظة، خاف الزوج منها وأخذ الطّفل و خرج مسرعاً...
دخلت ريم على الإنترنت وبدأت تبحث عن أسباب بروز الذّقن للمرأة فوجدت أن المرأة تحمل في جسدها هرمون الذكورة التستسترون بكميّة ضئيلة، لكن هذه الكميّة تتغيّر حسب عدة ظروف.. و تعمقت في البحث فوجدت أن الأنوثة والذكورة وإن كان ما يحكمهما الهرمونات لكن أيّ تواجد لاختلال في طاقة الذكورة والأنوثة يسببان اختلالاً هرمونياً يظهر في شكل مشاكل جسدية، منها بروز الذقن للمرأة أو غلظة في الصوت وأيضا يصل حد تأخر الإنجاب الخ.. وهذا يدعمه السمنة المفرطة ...
ما الذي حدث لي منذ الزواج؟ سرحت ذاكرتها وهي تسترجعُ كيف كانت تحمل بيدها الرّقيقة قارورة البوتاجاز ، لأنّ زوجها يتعلل أحياناً بآلام ظهره قبل أن تطلب منه ذلك. قائلا لها:«إن جلوسي ساعات متتالية أمام حاسوب الشغل كاف لنيل بطاقة إعاقة في مستوى الظّهر» فتلعن في نفسها اليوم الذي تزوجت فيه.
تلك الليلة التي مرض فيها ابنها وارتفعت حرارته فوق الأربعين درجة ولم تنفع معه أدوية السيتامول. تلك الليلة لن تنساها أبداً. اقتربت من زوجها توقظه لكي يحمله للمستشفى التفت نحو الجهة الأخرى و غطّى رأسه بالملاءة و أخذ صوته يعلو بالشّخير، ظلّت ريم تصرخ لكنّه لم يبال لها فشغلت السيارة ليلاً وفتحت باب المستودع الثقيل لوحدها وهي تحمل ابنها على كتفيها وأخذته إلى المستشفى. انحدرت دمعة حارقة على خدّها وهي تتذكّر كلّ هاته الأحداث . لم ينته الأمر هناك لكن يد زوجها امتدت نحو راتبها، فلم يلتزم بالاتّفاق الذي عقدته معه قبل الزواج أن يتكفل وحده بمصاريف المنزل لكنها آخر كلّ شهر أصبحت تقترض من زميلتها مبلغ تنقّلها في الرّتل.
ألقت نظرة على جسدها وشاهدت كل تلك الشحوم المتراكمة حول خصرها لعلّ أغلب الناس يظنون أنها تعيش النعيم المقيم و تأكل أفخر أنواع الطّعام والحلويات، ثمّ قهقهت عالياً قائلة :
- مغفّلَون فهم لم يبصروا كيف ألتهمُ ثلاث صّحون متتالية من المكرونة ويدي تمسك قطعة خبز كبيرة و أمامي قطعة كبيرة من البطيخ.
مسحت ريم بكمّ ثوبها دموع الشجن والسّخرية قررت أن تبدأ بتمارين رقص يومي في المنزل لأن الظّروف المادية لا تسمح لها بالإشتراك في نادي رياضي.
وضعت فيديو للزومبا وبدأت في الرقص، ثمّ خطف نظرها حجم قدميها كيف أصبحتا منتفختين أقرب لأقدام الفيل، انسجمت الزّوجة في حالة من الرقص والقفز وكانت بطنها تهتزّ لوحدها فتحدث أصواتاً فلم تنتبه لطرقات الجار السّفلي على الباب فلّما زاد الطّريق خرجت تفتح الباب كان وجهها محمراّ يتصبب منه العرق وهي تلهث بسرعة بينما الجّار يحدّق في شكلها ثمّ قال لها:
- زوجتي النّفساء انزعجت من الضّجيج. رمقته ريم بنظرة حادّة وهي تمسح عن وجهها العرق. منذ ذلك اليوم انقطعت عن الرقص نهائياً.
أصابها نوع من الاكتئاب حتى باتت تخشى النّظر لنفسها في المرآة، يجب أن تجد حلاًّ لنفسها لكن ترى ماهو؟ ماهو الحلّ الذي يمكّنها من تعديل طاقة الذكورة والأنوثة حتّى تسترجع توازن هرموناتها. قفزت الزّوجة من فوق السّرير وهي تصيح :«لقد وجدتها أخيراً» !
كان زوجها يجلس في الصّالون، اقتربت منه رويداً رويداً وهي تركّز نظرها في ذقنه. كان الرّجل يراقب حركة زوجتها لا يستوعب ما الذي ستفعله، لكنّه دنا منها أكثر، ظناًّ أنّها ستقبّله فمنذ زمن هجرت ريم هذا النّوع من القبل فاقتصرا على قبلات الليل قبل العلاقة الحميميّة التي أصبحت بعد السّنة الأولى من الزّواج مرّة في الأسبوع. لكنّ الزّوجة لم تقبّله، ظلّت تحدّق النظر في شعر ذقنه فكادت تحصيهم من فرط التّحديق. ثم صاحت بأعلى صوتها لقد وجدتها، لقد كنت محقّة. الزّوج ينظر إليها مندهشاً يتساءل مالذّي وجدت في ذقنه. ابتعدت ريم قليلا ثمّ سألته :
كم مرّة تحلق ذقنك في الشهر وهل ازدادت عدد المرّات أم نقص بعد الزواج؟ استغرب من سؤالها لكن لأنه مازال مرعوباً من منظر ريم السابق وهي تزأر فأجابها:
- الوتيرة نفسها لكنّي لاحظت نقصاً في نمو شعر ذقني.
ضحكت ريم :
-أنا أيضا لاحظت ذلك فلقد أُصبتَ بلعنة البروجسترون.
نظر إليها زوجها وهو لا يفهم ما تقول هذه المرأة. أيّ لعنة وأيّ بروجسترون.أليس هذا بهرمون الأنوثة؟ فهو لا يتذكر سوى اسمه من درس علوم الأحياء في مرحلة الثاّنوية. اقتربت الزّوجة من زوجها و عيناه تلتمعان فرحاً قائلة :
-لا تجزع حبيبي هناك مقال يفسّر اختلال الهرمونات في جسدك، فلتبدأ بتطبيقها.
هاهو الزّوج يحمل قارورة البوتاجاز لوحده وأخذ في تغييرها والعرق يتصبّب من ذقنه الكثيف. بينما ريم كانت تمارس رياضتها اليوميّة في الناّدي.

سهى الجربي / تونس


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى