حاميد اليوسفي - وشم في الذاكرة.. ليلة عيد الميلاد

اعتاد والدي، رحمه الله، أن يذبح ديكا روميا كبيرا، احتفالا بليلة يناير (السنة الفلاحية) التي تتزامن مع أعياد ميلاد السيد المسيح عليه السلام. ويستضيف في بعض الأحيان أفرادا من العائلة. رغم أننا كأطفال لا نحب لحم الديك الرومي، فقد وجدنا في هذه المناسبة فرصة للتواصل والضحك واللعب إلى وقت متأخر من الليل.
بدأنا نكبر، وبدأنا نحتفل بالعام الجديد مع بعض أبناء جيلنا بطريقة مختلفة.
مع محدودية مصروف الجيب، فان البعض يقتصد، ويدخر لاقتناء علبة سجائر فاخرة، وقليل من زجاجات البيرة، وتناولها بحذر ليلة العام الجديد. نشرب وندخن. نستمع لأغاني جيل جيلالة، وناس الغيوان، وعبد الهادي بلخياط،، ونتمنى مثل الكبار أن يطلع العام الجديد أحسن من العام القديم.
أذهب راجلا إلى الحي العصري (جيليز) رفقة بعض الأصدقاء. شارع محمد الخامس يكاد ينفجر بالناس الذين يتجولون رفقة أسرهم الصغيرة في (البولفار). المراهقون في سننا يتحرشون بالمراهقات اللواتي يخرجن بمفردهن، أو صحبة صديقاتهن. نستمتع بأضواء المتاجر والمطاعم المتلألئة، تدخلها فتيات ونساء جميلات ينتمين إلى الطبقة (الراقية) رفقة أصدقائهن أو أزواجهن. ينزعون المعاطف الشتوية، ويضعونها على السواعد. يستقبلهم النادل، ويقودهم إلى الطاولة المحجوزة باسمهم.
أشعر بالحسرة لأن والدي صانع تقليدي متشبع بقيم الفلاحين، لا يمكن أن يحجز طاولة لتناول طعام العشاء، وحلوى العام الجديد في هذه المرافق التي لم أر ما يحدث بداخلها إلا في السينما أو التلفزيون. سمعت وقتها أن ذلك يحتاج إلى صرف مبالغ خيالية لحجز طاولة فارغة. خمنت بعد ذلك بأن المال وحده غير كاف لارتياد هذه الأمكنة. ربما لا بد من تغيير المظهر، وأسلوب العيش، والتعود مثل النصارى على تناول الوجبات بالشوكة والسكين.
تخيلت نفسي أتناول رفقة والدي وجبة في مطعم بالشوكة والسكين. فكدت أموت من الضحك الممزوج بالخوف، عندما ضغطت بالشوكة في الخيال على حبة زيتون، فطارت لتصيب زوجة زبون من الطبقة الراقية يجلس بالجوار!
لا أعرف عن (بابا نويل) غير طربوشه الطويل، ولحيته البيضاء، وابتسامته البلهاء، ولباسه الأحمر. قد يشبه (سيدنا قدر) الذي يظهر عندنا في العشر الأواخر من رمضان، لكنه يختلف عنه، كما نختلف نحن عن النصارى.
الأمن يراقب حركة السير والتجول في الطرقات والأرصفة. لم يتدخل أي فقيه أو داعية، ليقول للناس بأن ما يفعلونه حرام، أو مخالف للشريعة.
تدق الساعة الثانية عشرة ليلا، فتنطفئ الأنوار لحظة، ثم ترتفع الأصوات من كل جانب. سمعت بعض الناس في الأحياء الشعبية يقولون بأن أبناء الطبقة (الراقية)، يُقبّلون في هذه اللحظات نساءهم أو صديقاتهم، وبعدها يتبادلون هدايا أعياد الميلاد.
تعود الأضواء إلى البيوت والشوارع والأزقة معلنة قدوم العام الجديد، ويدعو الناسُ اللهَ أن يكون العام الجديد أحسن من العام القديم.
بعد منتصف الليل يُعجّل انخفاض درجات الحرارة في فصل الشتاء، بعودة الناس الذين يحتفلون بالسير في الشارع العام إلى بيوتهم.
لو تناولت بعض كؤوس الفودكا، لما أحسست بالبرد. لا أعرف من أدخل إلى رأسي فكرة أن الرفاق في روسيا، يسمحون للأطفال بشرب الفودكا. وتساءلت باستغراب:
ـ وهل يُحرّمُ الفقهاء تناول الفودكا في طقس قد يتجاوز ثلاثين درجة تحت الصفر؟
استيقظت في وقت متأخر من صباح السنة الجديدة. شعرت بصداع في الرأس دام أكثر من ساعة. لم يزُل إلا بعد أن شربت كأس قهوة سوداء، عصرت فيها قطرات من الليمون.
منذ الصغر لم يُقدم لي أي أحد هدية أعياد الميلاد، وعندما أستيقظ في الصباح لا أعثر على أي شيء بجانبي، أو تحت المِخدّة، كما رأيت في بعض الأفلام.
تولد لدي إحساس بأن (بابا نويل) ملاك أناني وعنصري، لا يزور ولا يُدخل البهجة والفرح إلا على أبناء جلدته.

مراكش 12 / 08 / 2020

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى