خالد التوزاني - أدب العجيب في التراث العربي

عرف التراث العربي نوعًا من الأدب، يمكن نعته بأدب العجيب، وقد لعبَ دورًا أساسيًا في الحياة الثقافية والأدبية والفكرية، بفعلِ ما يحمِلُهُ من إبداعٍ في اللغةِ والفكر، وقدرة على التعبير عن المواقف والآراء، واقتحام المسكوت عنه والمحرّم السياسي، الشيء الذي جعلَ هذا الأدب متقدِّمًا في عصره، يمثّل روح «ما بعد الحداثة» في العصور القديمة، ساعَدَ على نَقْلِ الأدب، من المألوف إلى العجيب المُعجِبِ والمرغوب.
يزخر‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬بمؤلفات‭ ‬دشّنت‭ ‬ولوجها‭ ‬للعجيب‭ ‬عبر‭ ‬عتباتها‭ ‬الرئيسة‭ ‬متمثِّلةً‭ ‬في‭ ‬العنوان،‭ ‬ونستحضر‭ ‬منها،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬عجائب‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬لهشام‭ ‬بن‭ ‬الكلبي‭ (‬ت‭ ‬204‭ ‬هـ‭ ‬وقيل‭: ‬206‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬وله‭ ‬أيضًا‭ ‬‮«‬العجائب‭ ‬الأربعة‮»‬،‭ ‬وهما‭ ‬معًا‭ ‬من‭ ‬الكُتب‭ ‬المفقودة،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬عجائب‭ ‬الدنيا‮»‬‭ ‬للمسعودي‭ (‬ت‭ ‬346‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«المسالك‭ ‬والممالك‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬القاسم‭ ‬ابن‭ ‬حوقل‭ (‬ت‭ ‬367‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«عجائب‭ ‬البلدان‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬دُلف‭ ‬الينبوعي‭ (‬ت‭ ‬385‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«فنون‭ ‬العجائب‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الماضيين‭ ‬من‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬العبّاد‭ ‬والزاهدين‮»‬‭ ‬لأبي‭ ‬سعيد‭ ‬النقاش‭ (‬ت‭ ‬414‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و‮«‬غرائب‭ ‬التفسير‭ ‬وعجائب‭ ‬التأويل‮»‬‭ ‬لبرهان‭ ‬الدين‭ ‬الكرماني‭ ‬المعروف‭ ‬بتاج‭ ‬القراء‭ (‬ت‭ ‬505‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«مختصر‭ ‬عجائب‭ ‬الدنيا‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬وصيف‭ ‬شاه‭ (‬ت‭ ‬596‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«عجائب‭ ‬المخلوقات‭ ‬وغرائب‭ ‬الموجودات‮»‬‭ ‬للقزويني‭ (‬ت‭ ‬682‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«آثار‭ ‬البلاد‭ ‬وأخبار‭ ‬العباد‮»‬‭ ‬للقزويني‭ ‬أيضًا،‭ ‬و«نخبة‭ ‬الدهر‭ ‬في‭ ‬عجائب‭ ‬البر‭ ‬والبحر‮»‬‭ ‬للدمشقي‭ (‬ت‭ ‬727‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«عجائب‭ ‬المقدور‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬تيمور‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬عربشاه‭ (‬ت‭ ‬854‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«نزهة‭ ‬الأمم‭ ‬في‭ ‬العجائب‭ ‬والحكم‮»‬‭ ‬لابن‭ ‬إياس‭ ‬الحنفي‭ (‬ت‭ ‬908‭ ‬هـ‭)‬،‭ ‬و«عجائب‭ ‬الملكوت‮»‬‭ ‬للكسائي‭ (‬كان‭ ‬حيًا‭ ‬قبل‭ ‬1004‭ ‬هـ‭)...‬،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تمثّل‭ ‬مدونة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬العجيب‭.‬
عندما‭ ‬نطّلع‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬أدب‭ ‬العجيب،‭ ‬نجد‭ ‬السِّحر‭ ‬والحيل‭ ‬وخوارق‭ ‬العادات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬موضوعات‭ ‬الطرافة‭ ‬والهزل‭ ‬والسّخف‭ ‬والمُجون،‭ ‬وكذلك‭ ‬كتب‭ ‬المسامرات‭ ‬والتَّسلية،‭ ‬والأحاجي‭ ‬والألغاز،‭ ‬وكتب‭ ‬الذّم‭ ‬والهجاء،‭ ‬والمثالب‭ ‬والرُّدود‭... ‬ونحوها‭ ‬من‭ ‬موضوعات‭ ‬جدّية‭ ‬أو‭ ‬هزلية،‭ ‬ارتبطت‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬الغرابة‭ ‬والحيرة،‭ ‬وحقَّقت‭ ‬تراكمًا‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬أمكن‭ ‬معها‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أدب‭ ‬العجيب‭.‬
نظرةً‭ ‬عجيبةً
يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬أدب‭ ‬العجيب‭ ‬أيضًا،‭ ‬عديد‭ ‬الكتب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالملاحم‭ ‬والفتن‭ ‬والحروب،‭ ‬وأخبار‭ ‬الحيوان‭ ‬والملائكة‭ ‬والجنّ‭ ‬والشَّياطين،‭ ‬وأحوال‭ ‬الخَلْق‭ ‬ووصف‭ ‬الآخرة،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬كتب‭ ‬الرِّحلات‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والحِكايات‭ ‬وكتب‭ ‬التراجم‭ ‬والمناقب‭ ‬والسِّير‭ ‬الشعبية‭ ‬وكرامات‭ ‬الأولياء‭ ‬والصالحين‭.‬
إنَّ‭ ‬نظرة‭ ‬القدامى‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬كانت‭ ‬نظرةً‭ ‬عجيبةً‭ ‬في‭ ‬حدّ‭ ‬ذاتها،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬لتضليل‭ ‬القارئ،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬دالّة‭ ‬على‭ ‬صراحة‭ ‬العربي‭ ‬القديم‭ ‬مع‭ ‬نفسه؛‭ ‬لأنَّ‭ ‬ما‭ ‬استوعَبَه‭ ‬عقله‭ ‬وأحاط‭ ‬بأسبابه‭ ‬عِلمًا‭ ‬وبيانًا،‭ ‬فسَّرَهُ‭ ‬تفسيرًا‭ ‬طبيعيًّا،‭ ‬وما‭ ‬عَجَزَ‭ ‬عقله‭ ‬عن‭ ‬استيعابه‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬والأحداث،‭ ‬قذف‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬التفسير‭ ‬الغيبي‭ ‬أو‭ ‬فوق‭ ‬الطّبيعي،‭ ‬مما‭ ‬فتحَ‭ ‬البابَ‭ ‬واسعًا‭ ‬أمام‭ ‬خياله‭ ‬لِيُحَلِّقَ‭ ‬عاليًا‭ ‬ويرفع‭ ‬وتيرة‭ ‬التعجيب،‭ ‬فيصبح‭ ‬أدب‭ ‬العجيب‭ ‬نمطًا‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬مدار‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي،‭ ‬امتثالًا‭ ‬للثقافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬السائدة‭ ‬والضابطة‭ ‬للإبداع‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬مما‭ ‬يفسّر‭ ‬انشغالَ‭ ‬جزءٍ‭ ‬كبيرٍ‭ ‬من‭ ‬أدب‭ ‬العجيب،‭ ‬بتصوير‭ ‬العجائب‭ ‬والغرائب‭ ‬تصويرًا‭ ‬دقيقًا،‭ ‬حتى‭ ‬تتجلى‭ ‬عظمة‭ ‬الله‭ ‬وجميل‭ ‬قدرته،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عظمة‭ ‬مخلوقاته،‭ ‬فيلهج‭ ‬لسان‭ ‬القارئ‭ ‬بالتسبيح‭ ‬وبذلك‭ ‬جاءَ‭ ‬أدبُ‭ ‬العجيب‭ ‬مُعَبِّرًا‭ ‬عن‭ ‬ثقافة‭ ‬المجتمع‭ ‬العربي‭ ‬المحافِظ‭ ‬والمنسجِم‭ ‬مع‭ ‬التعاليم‭ ‬الدينية،‭ ‬ومَثَّلَ‭ ‬حسب‭ ‬الباحث‭ ‬وحيد‭ ‬السّعفي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العجيب‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬كتب‭ ‬تفسير‭ ‬القرآن،‭ ‬‮«‬أدبًا‭ ‬جليلًا‭ ‬يُحَفِّزُهُ‭ ‬الإيمان،‭ ‬ويمتزج‭ ‬فيه‭ ‬الدّينيّ‭ ‬بالعِلميّ،‭ ‬ويتمازَجُ‭ ‬فيه‭ ‬الواقعي‭ ‬بالخيالي،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬المنظومة‭ ‬الفكرية‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‮»‬،‭ ‬فإلى‭ ‬أيّ‭ ‬حد‭ ‬استمرّ‭ ‬هذا‭ ‬الأدب‭ ‬في‭ ‬التطوّر،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الذي‭ ‬ظهرت‭ ‬فيه‭ ‬عجائب‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الفائقة‭ ‬الدهشة‭ ‬والغرابة؟
لمسة‭ ‬جديدة
لم‭ ‬يقتصر‭ ‬عِشْقُ‭ ‬العجيب‭ ‬على‭ ‬القدماء‭ ‬فحسب،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬حظُّ‭ ‬العلوم‭ ‬المادية‭ ‬يسيرًا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬بلغه‭ ‬التقدم‭ ‬التكنولوجي‭ ‬في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي؛‭ ‬مِن‭ ‬كشوفاتٍ‭ ‬علميةٍ‭ ‬يُفترَضُ‭ ‬أنْ‭ ‬تُقلِّصَ‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬المجهول؛‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يثير‭ ‬عجب‭ ‬القدماء،‭ ‬الجهلُ‭ ‬بكيفية‭ ‬حدوث‭ ‬الأشياء،‭ ‬إلّا‭ ‬أنَّ‭ ‬الواقع‭ ‬يبيّن‭ ‬استمرار‭ ‬أدب‭ ‬العجيب،‭ ‬بتواصُلِ‭ ‬تأليف‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬الغرائب،‭ ‬لكن‭ ‬بلمسةٍ‭ ‬جديدة‭ ‬تنسجم‭ ‬مع‭ ‬مستجدات‭ ‬العصر‭ ‬والإمكانات‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬الطباعة‭ ‬والنّشر،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬جرد‭ ‬العجائب‭ ‬والغرائب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقنيات‭ ‬السَّرد‭ ‬والوصف‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الشأن‭ ‬في‭ ‬كُتُبِ‭ ‬التُّراث،‭ ‬وإنما‭ ‬دَعَّمَتِ‭ ‬التأليفَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بإضافةِ‭ ‬صور‭ ‬وبيانات‭ ‬ورسوم‭ ‬ووسائط‭ ‬سمعية‭ ‬وبصرية‭ ‬تُوَثِّقُ‭ ‬للعجيب‭ ‬بدقّة‭ ‬أكبر،‭ ‬وهكذا‭ ‬انتعش‭ ‬التأليف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصّعب‭ ‬الإحاطة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يُنشَر،‭ ‬ونستحضر‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬سلسلة‭ ‬تحمل‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬أغرب‭ ‬من‭ ‬الخيال‮»‬،‭ ‬يشرف‭ ‬عليها‭ ‬راجي‭ ‬عنايت،‭ ‬وتنشرها‭ ‬دار‭ ‬الشروق‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬وقد‭ ‬صدرت‭ ‬منها‭ ‬أعداد‭ ‬كثيرة،‭ ‬يتضمن‭ ‬كل‭ ‬عدد‭ ‬محاولات‭ ‬العلماء‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬لتفسير‭ ‬ظاهرة‭ ‬ما‭ ‬غريبة‭ ‬ونادرة‭.‬
وهناك‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬حوادث‭ ‬خارقة‭ ‬للطبيعة‮»‬،‭ ‬لمؤلِّفه‭ ‬سمير‭ ‬عبدالكريم،‭ ‬وقد‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬قسمين‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬قتيبة‭ ‬بدمشق،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬المدرك‭ ‬والغامض‭ (‬العلم‭ ‬والفلسفة‭ ‬والدين‭ ‬والفن‭)‬‮»‬‭ ‬لمختار‭ ‬طه‭ ‬بدر،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬حقائق‭ ‬وغرائب‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬استمد‭ ‬مؤلفه‭ ‬محمد‭ ‬العزب‭ ‬موسى،‭ ‬معظم‭ ‬معلوماته‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬the‭ ‬Supernatural‭ ‬التي‭ ‬أصدرتها‭ ‬دار‭ ‬دانبرى،‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬كولين‭ ‬ولسون‭ ‬ويوري‭ ‬جيللر‭. ‬وأيضا‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬غرائب‭ ‬وأسرار‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬الدّيار‮»‬‭ ‬لمؤلفه‭ ‬بديع‭ ‬الزين،‭ ‬وكتاب‭ ‬‮«‬أغرب‭ ‬من‭ ‬الخيال‮»‬‭ ‬لهبة‭ ‬حسين‭.‬
وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬بعض‭ ‬الكتب‭ ‬المترجمة،‭ ‬ومنها‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬غرائب‭ ‬التاريخ؛‭ ‬أحداث‭ ‬غامضة،‭ ‬محاكمات‭ ‬فاصلة‮»‬،‭ ‬لجيري‭ ‬براون‭ ‬وتيم‭ ‬هيلي،‭ ‬وقد‭ ‬ترجمه‭ ‬إياد‭ ‬ملحم،‭ ‬وصدر‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬الحسام‭ ‬في‭ ‬بيروت‭. ‬وهناك‭ ‬أيضًا‭ ‬سلسلة‭ ‬المعجزات‭ ‬لهارون‭ ‬يحيى،‭ ‬التي‭ ‬ترجمها‭ ‬مصطفى‭ ‬الستيتي،‭ ‬وصدرت‭ ‬في‭ ‬تركيا‭.‬
سلعة‭ ‬العجيب
يبدو‭ ‬أنَّ‭ ‬دُور‭ ‬النَّشر‭ ‬قد‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬ضالتها،‭ ‬حيث‭ ‬نلحظ‭ ‬إقبالًا‭ ‬على‭ ‬طباعة‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬العجائب،‭ ‬ولو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬اسم‭ ‬المؤلِّف،‭ ‬مثل‭ ‬كتاب‭ ‬طرائف‭ ‬وحوادث‭ ‬لا‭ ‬تُصدَّق،‭ ‬وكتاب‭ ‬عالم‭ ‬ما‭ ‬فوق‭ ‬الطبيعية‭ (‬الأشباح‭ - ‬القوى‭ ‬الخفية‭)‬،‭ ‬الشيء‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬أنَّ‭ ‬العجيبَ‭ ‬قد‭ ‬يُحوَّلُ‭ ‬إلى‭ ‬سلعةٍ،‭ ‬فيُباعُ‭ ‬ويُشترى،‭ ‬وإنْ‭ ‬لم‭ ‬يوجد،‭ ‬تتم‭ ‬صناعته،‭ ‬وإلّا‭ ‬كيف‭ ‬نُفسّر‭ ‬صدور‭ ‬كتاب‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ذكر‭ ‬اسم‭ ‬مؤلفه؟‭ ‬ومن‭ ‬ثمَّ،‭ ‬يؤدي‭ ‬الخيال‭ ‬دور‭ ‬الحطب‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬نار‭ ‬العجيب‭ ‬تأجُّجًا،‭ ‬ويُزَيِّنُهُ‭ ‬بإضافاتٍ‭ ‬تزيدُ‭ ‬من‭ ‬غرابته،‭ ‬استجابةً‭ ‬لرغبة‭ ‬القارئ‭ ‬في‭ ‬السَّفر‭ ‬إلى‭ ‬عالمٍ‭ ‬عجيبٍ‭ ‬مفارقٍ‭ ‬لواقعه‭ ‬المليءِ‭ ‬بالقيود‭ ‬والحواجز‭ ‬والهزائم‭ ‬والنكسات،‭ ‬وهي‭ ‬نيةٌ‭ ‬في‭ ‬اختراع‭ ‬العجيب‭ ‬مقبولة‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬ما،‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مستجيبة‭ ‬لمنطق‭ ‬الإبداع‭ ‬الأدبي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬أفق‭ ‬انتظار‭ ‬المتلقي‭ ‬عبر‭ ‬الخيال‭ ‬الطّليق،‭ ‬لتأسيس‭ ‬جماليات‭ ‬أدب‭ ‬العجيب،‭ ‬لكنَّ‭ ‬تلك‭ ‬المؤلفات‭ ‬‮«‬المجهولة‭ ‬المؤلِّف‮»‬‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تُصبحُ‭ ‬نشازًا‭ ‬ومَسْخًا،‭ ‬لأنَّ‭ ‬المتلقي‭ ‬لا‭ ‬يجدُ‭ ‬فيها‭ ‬إلّا‭ ‬عجيبًا‭ ‬هَشًّا‭ ‬ومُشوَّهًا،‭ ‬يخضعُ‭ ‬لسلطانِ‭ ‬العرض‭ ‬والطلب‭ ‬التجاريين،‭ ‬وليسَ‭ ‬لمنطقِ‭ ‬الإبداع‭ ‬والخَلق‭ ‬الأدبيين،‭ ‬وهو‭ ‬مقصد‭ ‬في‭ ‬ابتداع‭ ‬العجيب،‭ ‬تحكمه‭ ‬نزعةٌ‭ ‬اقتصادية‭ ‬متعالية؛‭ ‬تحمل‭ ‬في‭ ‬طيّاتها‭ ‬سخرية‭ ‬من‭ ‬القارئ،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تحترم‭ ‬عقله‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬المعاصر،‭ ‬أي‭ ‬تفسير‭ ‬الظواهر‭ ‬وفق‭ ‬مستجدات‭ ‬العلم‭ ‬الحديث‭. ‬
ومن‭ ‬ثمَّ،‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬في‭ ‬العجائب‭ ‬والغرائب‭ ‬أعجب‭ ‬مما‭ ‬كان،‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬لتقتبس‭ ‬منه‭ ‬العجيب‭ ‬المُدهِش‭ ‬والخارق‭ ‬والغريب،‭ ‬فتعيد‭ ‬طباعة‭ ‬الكتب‭ ‬القديمة،‭ ‬وتلبسها‭ ‬حلّة‭ ‬الحداثة،‭ ‬فيجتمع‭ ‬بريق‭ ‬الغلاف‭ ‬مع‭ ‬إشعاع‭ ‬عجيب‭ ‬المحتوى‭ ‬داخلها،‭ ‬ليؤسِّسَا‭ ‬معًا‭ ‬نمطًا‭ ‬من‭ ‬المؤلفات‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تربطها‭ ‬بالعصرِ‭ ‬الذي‭ ‬نعيش‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬سَنَةَ‭ ‬الطَّبع،‭ ‬ويبقى‭ ‬المضمونُ‭ ‬حاملًا‭ ‬لحداثة‭ ‬الماضي،‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬تقدّمًا‭ ‬من‭ ‬حداثة‭ ‬واقعنا‭ ‬الحالي‭ ‬.

ــــــــــــــــــــــــــ
(*) المصدر: مجلة العربي - العدد 748

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى